يمر، اليوم، أسبوعٌ منذ أن أعلنت قوات الدفاع الشعبي الكردستاني( الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني)، وقفاً مشروطاً من جانبها لإطلاق النار، في 13 من الشهر الجاري، ولا من مجيب، على الضفة الأخرى، يبدو أن للحرب رجالها، وكذلك للسلام رجاله، وقد أثبتت قيادة الحكم التركي، أنها ليست من النوع الأول، ولا من النوع الثاني من الرجال، بل هي من نوعٍ ثالت، يحترف الرقص على الحبال، والمساجلات اللفظية، والصياح العنتري، فارغ المضمون، ومن النوع الذي لا يسمن ولا يشبع من جوع، وببساطة، ظواهر صوتية، لا طائل من وراء صراخها.
مازالت آخر رغبات، ومطالب الحكم التركي، تتوقف عند مطالبة حزب العمال الكردستاني، بالاستسلام، وإلقاء السلاح، بدون وجود محددات حقيقية، تفرض هذه الرغبات، على واقع الصراع الدائر شرق تركيا، ويغذي أتونها الحكم التركي، نفسه. وقديماً قال الحكماء، أن ما لا تستطيع أن تفرضه بقوة السلاح، لا يمكنك الحصول عليه بالتفاوض، ولا بالأمنيات، وعليه فلا يمكن النظر إلى المطلب التركي، متقدم الذكر، سوى بنظرة يحوطها الشفقة، والرثاء.
فعلى مدار أربعة وثلاثين شهراً مضت، وحركة حرية كردستان تتقدم من إنتصار إلى آخر، معركة الأسرى quot;أورامارquot; 21/10/2007، إلى معركة الزاب الشهيرة 21 ndash; 29/2/2008، إلى معركة بيزيليه الأولى 11/5/2008، إلى معركة تزفان 2/9/2008 (معركة القائد الشهيد رمز الفداء والتضحية قهرمان حسكة)، إلى معركة بيزيلية الثانية (أكتوتون) 15/10/2008، ثم أعقب الانتصارات العسكرية الثقيلة لحركة حرية كردستان، عدد آخر من الانتصارات السياسية، فقد أفسح الجناح العسكري للحركة، المجال، أمام الفعل السياسي، بإعلان وقف إطلاق النار من جانبه المرة تلو الأخرى، لتتمكن القوى السياسية الكردية من إحراز عدد من الانتصارات السياسية، في المقدمة منها معركة انتخابات المجالس البلدية في 29/3/2009 بنتائجها الساحقة في المناطق الكردية، ثم إطلاق عدد من المبادرات السياسية، للحل السلمي اعتباراً من خارطة الطريق التي أطلقها السيد عبد الله أوجلان في 15/9/2009، فقابلها الحكم الكردي بالتعتيم والإخفاء وبما يعني الرفض، إلى دخول وفود السلام الكردية من قنديل، ومن مخيم مخمور في 19/10/2009، حاملة مطالب الشعب الكردي للسلام، إلى البرلمان، ومجلس الوزراء التركيّان، حيث قوبلت بالرفض، والقمع، ثم الاعتقال لأفراد وفدي السلام، مروراً بقرار الحكم التركي الممثل في حكم المحكمة الدستورية العليا بحل حزب المجتمع الديموقراطي في 11/12/2009، ثم القبض على آلاف المناضلين السياسيين الأكراد من أعضاء الحزب المذكور، وبعضهم من الممثلين المنتخبين للشعب الكردي في المجالس البلدية، بما يعني إعتقال الإرادة الجماهيرية الكردية، ممثلة في ممثليها المنتخبين، وإفصاحاً عن الوجه الديكتاتوري الإقصائي للحكم التركي، ووصولاً إلى تنشيط حملات القهر العسكري للجيش التركي، المدعوم بكافة أنواع الأسلحة الحربية، والتعاون الاستخباراتي مع الكيان الصهيوني، فضلاً عن استعداء دول الجوار، للاشتراك في الحرب التركية على الشعب الكردي. ولكن ماذا أسفرت تلك السياسات العدوانية التركية على الشعب الكردي؟. لم تسفر سوى عن مزيد من التفاف الشعب الكردي حول حركة حرية كردستان، مزيد من إنفضاح وانكشاف زيف الدعاية اللفظية التي أطلقها حزب العدالة والتنمية فيما يتعلق بالانفتاح التركي على المشكلة الكردية، الذي لم يعلن أبداً عن بنوده، ولا عن إجراءاته، بل لم يعلن من إجراءاته سوى القمع والقهر والاعتداء على الجماهير الكردية، وتدمير الموارد الطبيعية، وحملات الاعتقال للناشطين الأكراد، كما أسفرت تلك السياسات التركية عن أكثر من مائة قتيل من الجيش التركي، خلال خمسة وسبعين يوماً، سبقت الإعلان الأخير، عن وقف إطلاق النار، من جانب حزب العمال الكردستاني.
خلاصة القول، أنه وطوال عشرات السجالات العسكرية، والسياسية، بين طرفي الصراع الحكم التركي، وحركة حرية كردستان، لا يمكن رصد سوى نتيجة واحدة، وهي انتصارات متتالية لحركة حرية كردستان، على المستويات العسكرية، والجماهيرية، والسياسية، والانتخابية، يترافق معها هزائم، وإخفاقات متتالية، من جانب الحكم التركي، في نفس المحاور، سالفة الذكر، ويزيد عليها إخفاق إضافي، متعلق بفشل quot;العدالة والتنميةquot; في حسم الصراع الدائر داخل الحكم التركي، ذاته، بين الساسة، والعسكر.
والأمر، ونحن أما حالة كهذه، حكومة عنوان سياساتها الداخلية، وتحالفاتها الخارجية quot;الفشل المتتاليquot;، مع سبق الإصرار والترصد، في مقابل حركة سياسية في حالة صعود، لا يمكن السيطرة عليه، أو عرقلته وإيقافه، لا يمكننا فهم توقف حكومة العدالة والتنمية عند نفس المطلب quot;إلقاء العمال الكردستاني للسلاح دون قيد أو شرطquot;، سوى بأننا أمام حكومة عاجزة عن التعاطي مع مفردات الواقع السياسي المحيط بها، حكومة فقدت القدرة على المبادأة، والفعل الإيجابي، بل وفقدت القدرة حتى عن الإتيان بردود أفعال مناسبة، أو حتى تسكينية، نحن أمام حكومة أوصلتها سياساتها المتتالية الفاشلة في التعاطي مع الشأن الكردي إلى حالة quot;شلل تامquot;، ويخشى المراقبون من دخولها إلى quot;غرفة الإنعاشquot;، في حالة quot;موت سريريquot;.
فقد كانت آخر مبادرات حركة حرية كردستان، ضربات سياسية مفاجئة، أربكت الحكومة، وأفقدتها وعيها، بإعلان مؤتمر المجتمع الوطني الكردستاني، في 8/8/2010، في (آمد) ديار بكر، عن البدء الفعلي، بتطبيق الادارة الذاتية الديمقراطية (صيغة الإدارة الذاتية الموسعة)، من طرف واحد، في المناطق الكردية، عبر مجالس بلدياتها، ومؤسساتها الأهلية المحلية، والتي تعني انتزاع حركة حرية كردستان حق الجماهير الكردية في ممارسة حقها في الإدارة الذاتية، دون انتظار أي سلطة مركزية محلية، أو موافقة دولية، بل فرض أمر واقع، تعززه إرادة ثورية من الجماهير الكردية، وما أعقب ذلك، من مبادرة قوات الدفاع الشعبي الكردستاني، بوقف أحادي، مشروط، لإطلاق النار، توافقت مع مؤشرات الاستجابة الجماهيرية الكردية الواسعة، لدعوة منظومة المجتمع الكردستاني، بمقاطعة الاستفتاء على التعديلات الدستورية، الذي تزمع الحكومة المضي فيه، خلال الأسابيع الثلاث المقبلة، تمكيناً لبقائها في الحكم.
المشهد السياسي العام في ساحة الصراع التركي ndash; الكردي، يشي بميل واضح لميزان القوى لصالح حركة حرية كردستان، وعجز سياسي فاضح للحكم التركي، في التعاطي مع ذلك الصراع، مع صمت دولي، وعربي، مزري، تجاه صراع محتدم، في منطقة الشرق الأوسط، يعاني بسببه الملايين من أبنائها. المشهد السياسي يؤكد أن إعلان quot;قوات الدفاع الشعبي الكردستانيquot; لوقف أحادي مشروط، من جانبها، لإطلاق النار، إنما يأتي من طرفٍ، يملك القدرة على الفعل السياسي، من طرفٍ يمتلك عنصر المبادأة، والقدرة على إملاء الشروط، إنما يؤكد على أن إجراء وقف إطلاق النار يجيء من quot;منطلق القوةquot;، وبالتالي فمن العبث، أن تتمسك الحكومة التركية بأوهام quot;إلقاء الكردستاني للسلاح بدون شرطquot;، والمأمول من الحكم التركي، والمشهد هكذا، أن يبادر بخطو أولى خطواته، نحو فتح غرفة الاجتماعات، وبسط مائدة التفاوض السلمي الديموقراطي المتكافئ، بهدف حل الصراع، بشكلٍ عادلٍ، وبعيداً عن لغة المدفع والبندقية، التي فشل فيها تماماً، عوضاً عن التعلق بأوهام زائفة، ووعود انتخابية جوفاء، تفتقد للمؤشرات والدلائل الفعلية في الواقع، مع الأخذ في الاعتبار بأن العداد الزمني لا يتوقف، فوقف إطلاق النار كم الجانب الكردي سينتهي، وفقاً لمن أعلنوه، في 20/9/2010، أي بعد ثلاثين يوماً من تاريخيه.
وذَّكّر، فإن الذكرى تنفع المؤمنين!
التعليقات