لايمكن فصل مايحدث في تونس والجزائر اليوم من أحداث دامية عن ظاهرة إرتفاع الأسعار للسلع الأساسية في السوق العالمية. فالأسعار تجاوزت معدلاتها عن سنة 2008 في نفس الوقت الذي أرتفع سعر برميل النفط إلى أعلى معدل منذ 27 شهرا ً, حسب منظمة فاو (FAO) التابعة للأمم المتحدة. كذلك إرتفاع أسعار القمح والسكر وفول الصويا بنسب تقارب 50 بالمئة, ماعدا الرز الذي يتوقع إن إرتفع سيحدث تغييرات سياسية في الدول النامية. فالمشكلة ليست فقط في تونس والجزائر بل في بنغلادش وهاييتي وحتى كوريا الجنوبية التي أسست حكومتها شركات لإستيراد السلع الأساسية لتقليص فارق الشركات الوسيطة, وهناك الكثير من الدول التي خفضت أو رفعت التعريفة الكمركية عن بعض السلع لتبقى الأسعار منخفضة مثل ليبيا. أما توقعات الأمم المتحدة فإنها لاتنذر إلا بمستقبل سيء سترتفع به الأسعار أكثر. بعد كل هذا, فهل مايحدث بالجزائر وتونس من إضطرابات هو نتيجة للتضخم الأقتصادي الناتج عن إرتفاع أسعار السلع الأساسية والذي أدى إلى زيادة أعداد البطالة, أم هي صحوة للشارع من أجل الحرية والديمقراطية؟

سأعيد السؤال بصيغة أخرى, هل مايحدث في بعض البلدان العربية من إضطرابات هو نتيجة لأسباب إقتصادية أم سياسية؟ فإذا كانت العوامل الإقتصادية هي السبب الرئيسي لهذه الإضطرابات فلماذا لم يحدث هذا الشيء في إيرلندا وإسبانيا والبرتغال؟ فهذه الدول مرت بأزمات إقتصادية كبيرة ولم يحدث بها شيء. أما بعض الدول التي حدثت بها إضطرابات كاليونان وآيسلندا فلم تخرج مظاهرات من أجل الحرية والديمقراطية بل من أجل الأصلاحات الإقتصادية. إذن, السبب الرئيسي هو سبب سياسي يعبر عن عجز الأنظمة العربية في رسم سياسة إقتصادية واضحة تنقذ هذه البلدان من الفقر والجوع والبطالة التي لاتخفى على أحد. من فشل في فشل إلى فشل تقود تلك الأنظمة شعوبها. ترفض الإصلاحات وتتشبث بالسلطة من أجل البقاء أكثر وقت ممكن ليس من أجل شيء بل هي تعبر عن إفلاس سياسي لايقدر الإفلات من مصيدة الرأسمالية وليس له برنامجه الوطني ليرسم له سياسات خاصة به. حتى البلدان المنتجة للنفط, هي بالحقيقة تعيش أزمة إقتصادية خانقة غطتها الإرتفاعات التي تشهدها السوق النفطية.


إن المشكلة الحقيقية هي أن اغلب الأنظمة العربية تعلم بإنها فاشلة بغياب سياسات واضحة خاصة تجاه شريحة الشباب. وعلى قول أبو الطيب, إن كنت تعلم فالمصيبة أعظم. وهي تعلم إن التغيير حاصل لامحال اليوم أم غد, لكنها لاتحرك ساكنا ً وتعمد لإجراءات في الوقت الضائع. لكن القادم أخطر, حيث الخوف كل الخوف من أن يكون التغيير بشكل يتسم بالعنف والدماء والتي لاتجني ولاتترك إلا الدماء. فتلك اللحظات هي منعطفات تغير الشعوب وجهتها وتصنع تاريخها. فإن صنعته بالدماء فلاتجف الدماء إلا بعد فترات طويلة يكون المجتمع بها قد لفظ أنفاسه الأخيرة. وتلك كارثة ربما تهدد وحدة المجتمع أو حتى الوطن ككيان قائم بذاته.


فالأمل كل الأمل بالأنطمة السياسية التي تستطيع أن تتخذ القرارات الشجاعة بالتغيير الهادئ من خلال إعطاء الشعوب الحريات وتطبيق الديمقراطية لتقليل الخسائر التي يمكن أن لاتعوض. فالأصلاحات السياسية التدريجية خير بكثير من الثورات التي ماحصدنا منها إلا الويلات والنتائج التي لاتتغير إلا بعد عقود. فلاتكرروا أخطاء الماضي حيث سيطرت أيدلويجات محددة من خلال الإنقلابات والثورات فكانت النتائج شعوب متخلفة ومزيد من الفقر والجوع. ولاتسيروا عكس التيار العالمي الذي يتجه نحو الحرية الفردية وحرية المجموعات في هوياتها الثقافية وحقوق الإنسان وغير ذلك. دعوا الناس تعيش ووفروا لشعوبكم فرص العمل من خلال التغييرات السياسية ومن خلال العدالة الإجتماعية التي تفرض عليكم تقسييم مصادر الثروة بشكل عادل ومتوازن. حاربوا الفساد الذي ينهش أنظمتكم وآمنوا بقدرات شعوبكم التي يمكن أن تفعل المستحيل إذا ماتوفرت الفرص التي تصنع النجاح. لاتضادوا منطق التاريخ الذي سرى على أولكم ولاينتظر آخركم.


http://www.elaphblog.com/imadrasan