من يصدق ان شعبا عربيا يغير معادلة حكم عربية ديكتاتورية ويحرق صورة نمطية عن ادارة الحكم العربي وتاريخه وحاضره الذي لايسر حبيب او صديق. لقد فعلها الشعب التونسي البطل وسجل سبق عربي في اسقاط احد شواخص الديكتاتورية العربية والتي اصبحت سمة تنفرد بها أمتنا العربية دون غيرها من الآمم , ايام معدودة وليس اكثر استوطن الشوارع شباب توانسة ابطال ودفعوا بعض التضحيات لتهوي مرة واحدة عصابة عائلية ومافيا سياسية حكمت تونس وسيطرت على مقدراته, لا احد من العرب سوف يقدر او يعلم مدى الفرحة العارمة والشعور العظيم الذي يحيط بالتوانسة وهم يرون صنمهم القسري يتلاشى خلال ساعات قليلة, قد يكون الشعب العراقي اكثر الشعوب العربية أحساسا بمشاعر الشعب التونسي لانه تذوق طعم الحرية والديمقراطية وطعم ان التشفي بسقوط الصنم.
لقد فتحت انتفاضة تونس ونتائجها المذهلة الباب على مصرعيه نحو تغيرات حتميه في بعض البلدان العربية فالمسألة اكبر من مشكلة تموين او غلاء او بطالة او زيت وطحين وسكر ورز, هذا مايتصوره حكام العرب من ابناء الانقلابات بسبب قصر نظرهم وجهلهم التاريخي وأستهانتهم بالحس الانساني , أن جوهر المشكلة ان الشعب العربي متعطش للتغير وليس للزيت يعاني من شحة الديمقراطية وليس من شحة رغيف الخبز الشعب العربي لايموت بدون سكر لكنه يموت أنسانيا بفقدانه للعدالة الاجتماعية والشعب العربي يترنح بسبب سيطرة مافيات عائلية على الحكم وليس بسبب البطالة, لقد فقد الشعب العربي أنسانيته على يد حكام الانقلابات وحكام الشعارات الفارغة. وما المظاهرات التي خرجت في عمان من قبل الشعب الاردني وفي القاهرة من قبل الشعب المصري امام السفارات التونسية لاعلان التضامن وتقديم التهاني لاشقائهم في تونس الا إشارة بارزة للخطر الذي بدأ يحيط ببعض الانظمة التي تمادت كثيرا بخيانتها للقيم الانسانية والوطنية بل وحتى للثوابت القومية والاسلامية.
لقد تم قراءة الفاتحة على روح الامة وأصاب معظمها الياس وخيبة الامل, لكن وقبل لحظات الدفن الاخيرة أعاد شعب تونس العربي النبض والحياة الى الروح العربية. وستسقط كل نسخ عائلة الطرابلسي المتوافرة بكثرة غير مسبوقة في معظم البلاد العربية مثلما سقطت قبلها عصابة حرامي بغداد طلفاح وزمرته المقبورة , فليذهب زين الدين اينما يذهب لكني على يقين ان عدد لايستهان به من الحكام العرب لم ينم في هذه الليلة خوفا وترقب لما جرى ولما سيجري عاجلا وليس آجلآ , لقد دخل زين الدين في الحفرة وأن لم تكن شبيهة بحفرة العوجة الشهيرة لكنها تشترك معها بسمات الهروب والجبن والاختفاء. لكن العدالة ستاتي به وسيقف في قفص العدالة لينال جزائه العادل.
لقد سجل الشعب التونسي ريادة التغيير بعد جفاف طويل وفتح ابواب البناء العربي الجديد بعد خراب طويل فمن الشعب العربي الذي سيسجل السبق الثاني؟
ومن هو الديكتاتور العربي الذي سيجيد القراءة ويختصر الامور على نفسه وشعبه وبلده ويكون خفيف الظل ويذهب بلا رجعة!؟ أسئلة ملحة تبحث عن اجوبة واضحة وعملية لكن في كل الاحوال فترة الانتظار لن تطول بعد الان , لان الامور تغيرت ولان كراسي الحكم العربي أصبحت مهزوزة اسرع من اي وقت مضى.
فشكرا لشعب تونس الشقيق والف الف مبروك.
محمد الوادي
[email protected]
التعليقات