سعت دول محور(دمشق طهران أنقرة)، قبل سقوط النظام العراقي، الى جمع کل رؤوس الخيوط المتعلقة بالقضية الکوردية تحت أيديهم و حاول کل طرف و عبر الوسائل و الطرق و الاساليب التي يمتلکونها ان يحدوا من تقدم و إزدهار و تطور منطقة حظر الطيران(إقليم کوردستان العراق)، و يفعلوا کل ما بوسعهم من أجل بقاء تلك المنطقة في دائرة محددة محکمة.

لقد کان واضحا و منذ الايام الاولى لتأسيس محور(دمشق طهران أنقرة)، ان هذا المحور جعل الهدف الاهم الذي يسعى إليه هو ضمان بقاء منطقة حظر الطيران ضمن الإطار الانساني و عدم السماح مطلقا بتطور تلك المنطقة بإتجاه الإطار السياسي و الذي کان تسعى إليه مختلف الاطراف السياسية الکوردية، ويقينا أن هذا المحور مارس کل مابإستطاعته و في حدود إمکانياته إلا و استخدمه ضد المنطقة الکوردية المحمية دوليا، غير أن کل ذلك لم يحول دون تطور و تقدم تلك المنطقة و إحرازها تقدما نوعيا بإتجاه الاطار السياسي کاسرة و محطمة کل الحواجز و الموانع التي وضعتها تلك العواصم الثلاثة، لکن، سقوط النظام العراقي السابق و تحقيق الکورد المزيد من المکاسب في بغداد و تمکنهم من إقامة علاقات مع عواصم عربية و عالمية مهمة، مثلما إستطاعوا أن يجذبوا مئات الشرکات الترکية و العالمية الى الاقليم حتى صار لإقليم کوردستان العراق حضور مميز يلفت إليه الانظار على مختلف الاصعدة، وذلك على مايبدو قد أثار حفيظة و توجس کل أنقرة و طهران ولاسيما وان دمشق المتعبة و المثقلة بالانتفاضة الشعبية الحالية بوجه نظام بشار الاسد لم يعد بإمکانها القيام بأي دور بهذا الخصوص وانما صارت حلقة ضعيفة من الممکن أن تتفاقم المشکلة الکوردية عندها و تتخذ أبعادا ليس بمقدور النظام معالجته و التصدي له، ولذلك، و في ظل الظروف و الاوضاع الصعبة و العصيبة التي تمر بالمنطقة، لم يکن أمام طهران و أنقرة إلا ممارسة المزيد من الضغوط على رئيس الوزراء العراقي نوري المالکي لکي يخطو خطوات أکبر و اوسع بإتجاه أنقرة و طهران فيما يتعلق بالکورد، خصوصا وان المالکي يواجه حاليا مشاکل و قضايا عالقة مع الاقليم الکوردي وان الفرصة قد باتت مواتية لکي يستخدم الضغوط الايرانية الترکية لإجبار القادة الکورد على تقديم ثمة تنازلات محددة له.

التصريحات الاخيرة لرئيس الوزراء العراقي بخصوص إرسال قوات عراقية لمنطقة قنديل(معقل حزب العمال الکوردستاني)، لم تکن في الواقع سوى تلميحا قويا بتأسيس(محور بغداد طهران أنقرة)، و أن المالکي يسعى جاهدا لکي يفهم القادة الکورد من أنه جاد کثيرا في مسعاه هذا، وتقول اوساط صحفية و سياسية کوردية من أن التصريحات الاخيرة للمالکي قد أعقبت الموقف الرسمي و الشعبي الکوردي المتشدد من إغتيال الناشط الکوردي السوري(مشعل تمو)، والذي أثار غيظ و حنق کل من دمشق و حليفتها طهران و کذلك أنقرة، وقد تکون هذه النقطة بمثابة السبب المباشر لقيام هذا المحور.

ترکيا التي يسعى رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان لکي يکون(عراب)الربيع العربي و يحمل لواء الحرية للشعوب، يتخوف کثيرا من أن تعم ثمة إنتفاضة عارمة المناطق الکوردية في ترکيا و تحرجه کثيرا دوليا، ولذلك يريد أن يحجم التدافع الکوردي للأمام من خلال کبح جماح التعاضد الکوردي و عدم السماح ببروز قضية کوردية سورية الى الواجهة، ويبدو أن مساعي أردوغان قد لاتکون سهلة بل وان الايام ستثبت ان القضية أکبر من کل محاولاته.

النظام الايراني، الذي يسعى جاهدا لتلبية المطامح و الضغوط الترکية(الانتهازية)، يريد أيضا التخلص من حزب بيجاك، لکن المشاکل الاخيرة التي تفجرت بوجه طهران، وخصوصا مايتردد بتورطها في قضية محاولة إغتيال السفير السعودي و تفجيرات إرهابية أخرى في الولايات المتحدة الامريکية، تدفع طهران لحالة قد لاتحسد عليها وانها و بحسب الظروف و الاوضاع الحالية قد لاتتمکن من التمادي إقليميا أکثر خصوصا وان إحتمالات و سيناريوهات متباينة باتت تطرح ضدها دوليا، ولذلك فإن طهران تجد الافضل له أن تجعل من نوري المالکي مخلب قط لها للمالکي وهو مايفسر معظم التصريحات و المواقف السياسية الاخيرة للمالکي و التي تکاد أن تکون في خطها العام مسايرة لطهران.
نوري المالکي، الرجل الذي يعيش أزمة سياسية عاصفة مع مختلف الاطراف العراقية(بمافيها الکوردية)، يبدو أنه يحاول بکل الطرق و الوسائل أن يجد منفذا له للخلاص من تلك الازمات و يقف على قدميه بوجه الجميع و لعله يتصور أن مسکه العصا الکوردية سوف يجبر الاطراف العراقية(غير الکوردية)، الى تفهم موقفه و عدم إنجرافها في الوقوف ضده، لکن، ذلك أمر بعيد المنال، وفي کل الاحوال، فإن محور بغداد طهران أنقرة حتى لو صار أمرا واقعا فإنه سيکون محورا ضعيفا و غير متماسك ولن يؤدي الدور المناط به أبدا!