انتهت حياة العقيد القذافي بالموت دون محاكمة، وبطريقة تعيد الإنسان الى حقبة ما قبل الحضارة من روعة ذلك المشهد الدموى الذى تمت به، غير أن حقيقة ما حدث تؤكد أنه لم يكن هناك ثمة ما يخيف الثوار بعد إلقاء القبض عليه وتجريده من سلاحه.. فهى لحظة الحقيقة الوحيدة في حياة الطاغية بعد إكذوبة حكم النظريات التي استمرت طيلة 42 عاما، هي بالفعل اللحظة الفارقة التى تحدد فيها مصيره بوقوعه فى قبضة الثوار ومن ثم وجب القيام بإجراء محاكمة له بغض النظر عن شكلها ومكان إنعقادها، ذلك ان مصيره قد بات محسوماً وهو الإعدام، هكذا علمنا التاريخ.وبذلك يحافظ الثوار على اخلاقيات ثورتهم بشكل قانونى دستورى يتوافق مع حقوق الأسيربعيداً عن سيناريو الهمجية والوحشية التى قتل بها القذافي والتى تنقص من رصيد الثورة ولا تزيد، بهذه الطريقة حُوكم صدام حسين وحُوكم شاوشيسكو وكلاهما اعدم بالصوت والصورة أمام الملأ ولم ينسي العالم مرة أخري إعدام صدام حسين يوم عيد الضحي وهو ماطرح اسئلة عديدة عن أخلاقيات الحكام الجدد فى العراق أما شاوشيسكو فقد تم دفنه بطريقة عادية بعد الإعدام ولم يتم التمثيل بجثته ودُفن في قبر معروف دون أى خوف من زيارته،فالطغاة في أغلب الأحيان يقبعون في مزبلة التاريخ أحياء كانوا أو اموات.لهذا لم يكن دفن القذافي في مسقط رأسه ليضيف جديدـ أما ظاهرة الخوف منه ميتاً هى حقاً محيرة ومربكة فهل عندما يدفن في الصحراء خوفاً من تحول قبره الى مزار هى شهادة بأن له شعبية ؟.

لقد كان مشهد قتل القذافى بلا أدنى شك مشهداً رهيباً، تم إمتحان أخلاق الثوار فيه أمتحاناً عسيراً وما حدث منهم يحتاج الى تفسير وتوضيح، فالقذافي مات فى أيديهم موتته البشعة وانتهى به الأمر، لكن لماذا بقى لدى الثوار النزعة فى إعادة موته مرات ومرات بترك جثته حتى ازكمت رائحة تحللها الإنوف فى مشهد فيه تحدى لحرمة الموت وأخلاق الاسلام التي ترى في سرعة دفن الميت كرامة. لكن لماذا حدث ما حدث هل هى حالة إنفصام للأخلاق عن الغرائز هى التى سادت المشهد المحبط فى موت القذافى. إن عالم النفس الإجتماعي فرويد يرى أن الغرائز الإنسانية هى نوعين غرائز تسعى للحفاظ على النوع والتزواج التوحيدى وهي غرائز بناءة تنبذ العنف والقتل وغرائز تدميرية وهى المسؤلة عن القتل والعنف تحت مسمي الحفاظ علي الحياة الخاصة عن طريق تدمير حياة خارجية هكذا تفوقت غريزة القتل لدى الثوار حتى أن هناك ما يشير الى ارتكاب مذابح جماعية فى سرت أعقبت هروب القذافي وهذا ما سوف تكشف عنه الأيام القادمة.

لكن مالذي كان يحول دون قتل القذافي بهذه الصورة البشعة ؟.وفق تفسيرات فرويد فإن الثقافة وحدها هى ذلك الشئ السحرى الذى يساعد الإنسان على الإفلات من تلك الغريزة السيئة فهى وحدها مسئولة عن تقوية العقل الذى يتحكم فى الحياة الغريزية لدى البشر لتجعل الخير يتفوق على الشر في اللحظات الفارقة.

الغريزة التي قتلت القذافي هي نفس غريزة الناتو التدميرية التى لايهما الليبيين بأي حال قدر إهتمامها بنصيبها في الكعكة الليبية التى راحت تقتسمها فى امتيازات البترول والتي ستؤول الى شركات النفط فى الدول التي تصدرت مشهد الحرب. إن 30% من إمتيازات التنقيب عن البترول فى ليبيا ستكون من نصيب شركة توتال الفرنسية و20% من نصيب شركة بريتش بتروليم الإنجليزية، فى الوقت الذي تجرى فيه مشاورات بشأن حصة شركة إيني الإيطالية.
إذن إنتهي الأمر الآن وهناك من يقضم الكعكة من دول الناتو والليبيون مازالو مختلفين حول مكان دفن القذافى.
[email protected]