اعتقد ان الكاتب والباحث السوري اليساري صبحي حديدي لم يظهر يوما اي نوع من التعاطف مع نضال حزب العمال الكردستاني الذي يقاتل على جميع الجبهات ضد دولة تمتلك ثاني أقوى جيش في حلف (الناتو) ومازالت ترفض الاعتراف بهوية وحقوق أكثر من 20 مليون كردي على أرضها، وهو ما لسنا الآن بصدد بحثه او العمل على تبيان الأسباب الكامنة خلفه. ورغم المواقف الواضحة للأستاذ حديدي تجاه هذا النضال بحيث تكون quot;معظم الاشارات التي تتم حول حزب العمال الكردستاني وقائده التاريخيquot; كما يقول هو، سلبية، الا ان روح البحث العلمي وقواعد الموضوعية والمبادئ السامية توجب التحقيق والتمحيص والبحث والاحاطة بكل جوانب الموضوع قبل التسرّع وتسّويد الصفحات، طمعا في تسجيل موقف سياسي، يظنه في صالح الثورة والنضال ضد النظام السوري. فالغاية هنا لاتبرر الوسيلة أبدا، سيما وان هذه الوسيلة تضر بنضال شرعي لشعب كبير مظلوم ومضطهد.

ورغم ذلك لا بد من القول اني لم اعهد في الاستاذ صبحي حديدي في اغلب ما قرأت له ان يكتب مخمنا كما فعل في مقالته الأخيرة ( حزب العمال الكردستاني والنظام السوري: وكالة أم عمالة؟. والتي نشرتها صحيفة quot;القدس العربيquot; اللندنية 28/11/2011) فهو يكتب بدون امتلاك أي قدر من المعلومات الكافية عن حزب العمال الكردستاني لا قديما ولا حديثا، وانا اجزم انه لا يعلم الظروف التي مرت بها القضية الكردية في كردستان الشمالية ( كردستان تركيا) وخاصة في العقد الأخير، وفي العامين المنصرمين على وجه الدقة، حيث جرت مفاوضات رسمية بين ممثلي الدولة التركية والزعيم الكردي عبد الله اوجلان في كل من سجن جزيرة quot;ايمراليquot; والعاصمة النرويجية، وهو ماعٌرف لاحقا بquot;لقاءات أوسلوquot; والتي استمرت لمدة عامين.

واجزم كذلك ان الاستاذ صبحي حديدي لم يتابع تصريحات زعيم الكردستاني أوجلان منذ زمن بعيد، ومتأكد بشكل كبير ان كاتب المقال لايعلم ان المفاوضات في quot;أوسلوquot; وصلت الى طريق مسدود نتيجة سياسات حزب العدالة والتنمية المراهنة على الحرب والحسم العسكري، وان اوجلان وفىّ بوعوده وانسحب من المشهد السياسي، وهو الامر الذي كان هدد به اذما ثبت مراوغة حزب العدالة والتنمية وعدم جديته في حل القضية الكردية والوصول الى السلام. ولم يكن حزب العدالة والتنمية جادا في السلام كما خمّن أوجلان، وهو مااضطر الاخير الى الانسحاب من المشهد السياسي وترك الخيار لحزب العمال الكردستاني والذي بدأ بشن عمليات عسكرية للرد على حملات الجيش التركي وعلى سياسة منع 6 نواب كرد منتصرين في الانتخابات من دخول البرلمان، اضافة الى اعتقال الحكومة التركية لحوالي 4000 سياسي وكادر حزبي كردي بتهمة التعامل مع حزب العمال الكردستاني، وهو الأمر الذي أثرّ على العمل التنظيمي في اقليم كردستان الشمالية.

طبعا السيد حديدي غير مطلع على هذه التفاصيل، ويبدو انه غير معني بها، طالما ان هدفه المسبق هو ربط حزب العمال الكردستاني بالنظام السوري والاجتهاد في تفسير أي عملية رد عسكرية لقوات الكردستاني على انها quot;جاءت بايعاز أو أمر من بشار الاسد ونظامهquot;، وهو عين التجني ولوي الحقائق. ولأن الكاتب لايهمه متابعة الموضوع الذي يكتب فيه، فهو لم يسأل نفسه طالما كانت عملية الكردستاني العسكرية في صالح النظام السوري وبأمر منه، لماذا سارع وزير الخارجية الايراني لزيارة تركيا بعد العملية بساعات ليعرض خدمات بلاده في محاربة العمال الكردستاني على أنقرة؟.

ويبدو ان حديدي نسى ان الدولة التركية كانت قبل شهور من اقرب وأخلص اصدقاء النظام السوري، وان quot;المجلس الاستراتيجيquot; بين البلدين وكل الصفقات التجارية لم يأت فيها حرف واحد حول ضرورة احترام النظام السوري لحقوق الانسان وحرية التعبير وقبول المعارضة، وان غضبة أردوغان الاخيرة جاءت بعد ان رفض النظام السوري اشراك تنظيم quot;الاخوان المسلمينquot; في الحكم، وان ذلك لو حدث لما كانت كل هذه المؤتمرات للمعارضة السورية في انطاليا واسطنبول، ولما كان كل هذا التهديد الخلبي التركي للنظام السوري بالتدخل عسكريا اذما تجرأ وقصف حماة وحمص؟.

اعلم ان الاستاذ صبحي حديدي ليست لديه معلومات حول العمليات العسكرية التركية الاخيرة في مناطق quot;خنيرةquot; وquot;خاكوركquot; ضد قواعد حزب العمال الكردستاني، والتي اسفرت عن استشهاد قيادات بارزة مثل رستم جودي عضو مجلس حزب العمال الكردستاني، و القائدين الميدانييّن علي شير كوجكيري وجيجك بوطان. وان حزب العمال الكردستاني لم يعلن عن نبأ استشهاد قادته الثلاثة حتى يرد بشكل عملي مدروس على ذلك وبعملية عسكرية موجعة، وهو ما فعله من خلال الرد الصاعق الذي طال العديد من قلاع الظلم التركية في كردستان، مما اسفر عن مقتل وجرح مئات الجنود الأتراك. اذن الأمر لم يكن كما تود ايهامنا، ايها الباحث الحصيف، بانه نتاج quot;تفاهمquot; او quot;تنسيقquot; بين النظام السوري والكردستاني، كما نقلت من فم أردوغان. أوليس غريبا ان يكون أردوغان مصدر ثقة لهذه الدرجة التي تدفعك للاستشهاد به يا استاذ حديدي؟.

نعم تصريح اردوغان مجاني للغاية وهدفه خداع الرأي العام التركي، وقد فعل قبل ذلك عندما ربط بين العملية العسكرية التي نفذتها قوات الكردستاني وطالت نقطة عسكرية تابعة للبحرية التركية في لواء الاسكندرون، وبين اسرائيل التي قتل جنودها مدنيين أتراك شاركوا في قافلة اسطول الحرية؟. كان الكردستاني في تلك الضربة عميلا لاسرائيل، والآن هو وفي ضربته الحالية عميل لسوريا؟. نظرية مؤامرة أردوغانية، يتلقفها مناضل يساري quot;صديق للشعب الكرديquot; مثل صبحي حديدي، فيالسخرية القدر!.

يقول الكاتب في المقال المشار اليه quot;الـ PKK قد عرض خدماته على كلّ من إيران والنظام السوري، حتى إذا لم يرتقِ التعاون مع الدولتين إلى مستوى التحالف ضمن محور ثلاثي، واقتصر على عمليات كرّ وفرّ موجعة للأتراكquot;. من اين استقيت معلوماتك يا استاذ صبحي حول عرض الحزب لخدماته على ايران وسوريا؟. اليس معيبا ان تقول ذلك، وهل يرضيك ان نقول عن حزبك العتيد والسيد رياض الترك انهما عرضا خدماتهما على quot;روبرت فوردquot; كما تتناقل بعض المعارضة السورية، وذلك في اطار سعي الترك للانتقام من النظام حتى عن طريق قائدة الامبريالية العالمية: الولايات المتحدة الاميركية؟. ثم كيف يتعاون حزب العمال الكردستاني مع ايران وهي التي شنت على قواعده عملية عسكرية برية واسعة كلفت الطرفين اعدادا كبيرة من القتلى؟. ربما كان الامر quot;بروفة مسرحيةquot; لخداع الرأي العام والتغطية على التحالف الاستراتيجي بين الجانبين، اليس كذلك؟.

لن اتحدث بشكل موارب بل اقول انك يا حديدي تهدف عامدا الى تشويه سمعة الحزب ومحاولة الطعن في اقدس مقدساته وهي استقلاليته ونضاله الناصع من اجل كرامة وحرية الشعب الكردي. هذا الحزب الذي وصف المفكر اليساري الحقيقي هادي العلوي أعضائه بأنهم quot;ينزلون على قلوب الناس كنزول الوحي على قلوب الملائكةquot; وذلك في برقية التهنئة التي وجهها للحزب سنة 1996 ونشرتها مجلة quot;الحريةquot; الفلسطينية. هذا الحزب الذي ضحى 11 من اعضاءه بحياتهم وهم يدافعون عن قلعة quot;الشقيفquot; في وجه الاجتياح الاسرائيلي عام 1982.

وهنا أسألك يا استاذ صبحي حديدي: لماذا يتحالف الحزب ويعرض خدماته بالطريقة التي تصورها، وما هي الضغوط التي يفرضها اردوغان والتي يمكن ان تتعاظم على الحكومة السورية، ونحن نعلم ما الذي يمكن لتركيا الاطلسية ان تقدم عليه من ضغوط على نظام صديقه الذي وقع معه اتفاقية quot;اضنةquot; وما يقارب من خمسين اتفاقية أخرى، والطرفان لايزالان ملتزمان بها. بل ومايسمى بquot;المجلس الوطني السوريquot; ( الذي حزبك عضو فيه) هو ايضا التزم بها ورضى على نفسه ان يدخل خانة التآمر على الشعب الكردي ( أنظر صحيفة quot;لا بوستquot; الفرنسية 27/11/2011). هل سنقرأ لك رأيا تنتصر فيه لجزء من شعبك ارتضت بعض المعارضة التآمر عليه ارضاء لجهة خارجية؟. أم ان الاكراد يستحقون ذلك وquot;خرجهم الله لايقيمهمquot; كما سمعنا كثيرا من بعض رموز المعارضة العربية الديمقراطية؟.

امر لافت ان ينتظر يساري عتيد اي خير من حكومة اسلاموية تأخذ بمبدأ الازدواجية والخداع والتقيّة، وquot;تدافعquot; عن الشعب السوري وهي التي تظلم الشعب الكردي وتقمعه، وسبق لها ان نالت جائزتي quot;الشجاعةquot; من اللوبي اليهودي الأميركي، وquot;حقوق الانسانquot; من العقيد الليبي الراحل معمر القذافي؟.

نفهم دفاع الاستاذ حديدي غير المباشر عن quot;المجلس الوطني السوريquot; وانعقاده في تركيا بعد انضمام اعلان دمشق اليه، وبالتالي حزب الشعب الديمقراطي حزب السيد رياض الترك. ومن المؤلم ان يأتي شخص كصبحي حديدي وينتصر لمصلحة حزبه عبر التجني على حركة كبيرة تمثل ملايين المظلومين الكرد، ومن ثم يعمد على ربط تعسفي ظالم لنضال هذه الحركة بهذا النظام أو ذلك، سيما وعمر هذا النضال أكثر من ربع قرن، سالت فيها سيول من الدماء والدموع.

ان تصوير حزب العمال الكردستاني وكأنه تنظيم quot;تحت الطلبquot; امر يثير الاستجهان والسخط الشديدين من جانب اوساط شعبية وثقافية كردية بكل تأكيد، وليعلم السيد حديدي بانه برأيه الظالم ذاك قد خسر الكثير من اصدقاءه ومحبيه الكرد.

ويقول الكاتب: quot;وبينما يواصل أكراد سورية، بغالبية ساحقة، مشاركات نشطة في اشغال الانتفاضة، فيتساوون مع أبناء وطنهم العرب، أو يتفوّقون تماماً حين تكون المناطق الكردية هي ساحات التظاهر (كما حدث في مسيرة تشييع الشهيد تمو)؛ يقرأ المرء تصريحات مدهشة لبعض قادة الكردستاني، لا تتعاطف مع النظام السوري فحسب، بل تلصق الخيانة بأشقائهم أكراد سورية، وتطعن في شرف الانتفاضة ومقاصدها أيضاquot;. كما قلت قبل الان فالمقصود هو تشويه سمعة الكردستاني. لماذا كل هذا التحامل واين التصريح الذي يتحدث عنه الحديدي؟ وكيف نقبل من ايا كان ومهما كان تاريخه النضالي ان يتهمنا بالخيانة؟. وليس تصريح مسؤول الكردستاني مدهشا كما يقول حديدي، ولكن المدهش هو كلام حديدي نفسه عندما يعلمنا بان مصدر التصريح هو quot;يوسف زيدانquot; والذي يعيّنه مسؤولا للعلاقات الخارجية في الكردستاني!. ونحن وبتواضع ندعّي معرفة حزب العمال الكردستاني جيدا، ولكننا لم نسمع بquot;يوسف زيدانquot; ابدا، بل نعرف بان مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب هو quot;أحمد دنيزquot; وشتان ما بين الاسمين.

اما كذبة القبض على القائد الكردي مراد قره يلان، والتي تحدثت عنها وكالة فارس للأنباء ومن ثم وكالة انباء الاناضول وتلقفها الاستاذ حديدي في مقاله وكأنها quot; لقية ثمينةquot;، فلا اعتقد ان ايا من الوكالتين يٌعتد بها، وليس هذا وحسب بل ان الفضائية الكردية (روج تيفي) التي يعرفها الكاتب، كانت قد بثت في نفس اليوم تصريحات لقره يلان عن تلك الكذبة. وقد دأب الاعلام التركي على نشر هكذا اكاذيب. وانا هنا اتذكر ان قره يلان كان سيعقد مؤتمرا صحافيا وكانت وسائل الاعلام العربية والعالمية موجودة، واذ بالقنوات الفضائية التركية تتحدث عن محاولة quot;ناجحةquot; لاغتيال قره يلان، وانه في طريقه الى المانيا - وليس اي بلد آخر غير محظور فيها الحزب مثل النروج للمعالجة، وان وزراة العدل التركية قد اعدت ملفا لتسليمه من برلين، وهو ما آثار الصحفيين واذ بقره يلان يظهر مبتسما ويقول في بداية المؤتمر الصحفي: الان يمكننا ان نشاهد معا اكثر القنوات التركية رصانة وهي quot;سي ان ان توركquot; تتحدث عن خبر محاولة الاغتيال، وابتسم ونهض من مكانه وحرك يديه وقال كما ترون انا بخير ولست جريحا. هذه احدى القصص التي اوردها هنا لتقريب الصورة للقارئ الذي لا يعرف ماذا يدور منذ عقود ثلاثة من حرب أرض محروقة ضد الشعب الكردي، وللكاتب الذي لا يعرف الا القليل عن الصراع لانه يتصور ان الاعلام التركي كالاعلام البريطاني او الفرنسي ولا يعرف حجم الأكاذيب فيه.

اضف الى ذلك السيد حديدي لا يعرف المناطق التي يتحرك فيها السيد قره يلان، ولا يتساءل كيف يمكن للحرس الثوري ان يذهب ويقبض عليه، فالزعيم الكردي لا يذهب للدول ولا يستعمل الطائرات بطبيعة الحال ولا حتى السيارات وهو محاط برفاق اشداء يضحون بدمائهم ويستحيل ان يسمحوا لاحد ان يمس قائدهم.

اعتقد انه كان لزاما على الكاتب ان يكلف نفسه ويتابع الفصل الثاني من المسرحية، وكيف تنصلت وسائل الاعلام التركية بعد ذلك من نشر الخبر، وادعّت ان الاعلام الايراني هو المصدر، بينما فعل الاعلام الايراني العكس.

والكاتب كذلك يتحدث عن صفقة بين ايران والكردستاني، اطلقت فيها الاولى سراح قره يلان مقابل تعهدات منه ومن حزبه (سيناريو يصلح لفيلم عصابات اليس كذلك؟). اي صفقة يا استاذ صبحي حديدي والقوات التابعة لحزب الحياة الحرة الكردستاني المعروفة بعلاقاتها الاستراتيجية مع حزب العمال الكردستاني قد خاضت معاركا عنيفة بعد تلك القصة مع الحرس الثوري الايراني، وتمكنت من اذلالها واجبارها على التراجع والبحث عن وسطاء من الكرد لاعادة جثث من الجيش الايراني كما شاهدنا في مقاطع نٌشرت على اليوتوب.

وفي زعم آخر للايغال في تشويه سمعة الحزب يحاول الكاتب الربط بين اسرائيل والكردستاني!. فيا رفيق صبحي كيف يمكن للكردستاني نسج علاقات مع اطراف معادية لبعضها البعض مثل سوريا وايران واسرائيل وتركيا دفعة واحدة؟. أم ان الكردستاني يتحالف مع الكل ودون علم الكل؟. أم ماذا؟.

وفي النهاية اقول للكاتب ولغيره ممن اعتادوا تذكيرنا بالتاريخ الكردي، وكيف ان الكرد كانوا ضحايا المؤامرات والتوازنات الدولية والالاعيب اللااخلاقية، بان الشعب الكردي تعلم من التاريخ جيدا، وهو لديه قيادة وحركة مستقلة مناضلة تحاربها الان كل من تركيا وايران وسوريا والعراق/ المالكي والولايات المتحدة واسرائيل ويحاصرها الغرب، ولكنها مع ذلك تصمد لأن لديها شعب مضحي واعي. وثورة الكرد هذه لن يتم النيل منها، والكرد لن يقعوا ابدا مهما كانت التحالفات ضدهم قوية، واطمئنك يا سيد حديدي باننا نعلم مايتم الآن من أمر تآمر بعض اطراف المعارضة السورية على هوية وحقوق شعبنا لصالح تركيا، وقطعا نحن متيقظون ولهم بالمرصاد.

سياسي كردي سوري