تعرف موسوعة quot;ويكيبيدياquot; ظاهرة الفوبيا على أنها quot;مرض الرهاب وهو مرض نفسي يعني الخوف الشديد والمتواصل من مواقف أو نشاطات أو أجسام معينة أو أشخاص.quot; على هذا الأساس، يمكن فهم مصطلح quot;الاسلاموفوبياquot; على انه تخوف الغرب من حركات الإسلام السياسي، و كذلك التخوف الشديد للقوى العربية المؤمنة بمبادئ الدولة المدنية الحديثة من نفس هذه الحركات.
مخاوف قوى اليسار و التقدم و الحداثة في الدول العربية لم تأت من فراغ، بل مردها أدبيات المؤسسين لهذه الحركات، مثل مقولة حسن البنا quot;الإسلام مصحف و سيفquot; و دعوات التكفير و رفض الديمقراطية. و لقد زاد الطين بلة التطبيق العملي لهذه المقولات، بدءا من حملة الاغتيالات التي قادتها حركات الإخوان في مصر و سوريا، إلى انقلاب حسن الترابي على الحكم المنتخب ديمقراطيا في السودان سنة 1989، إلى انقلاب فرع الإخوان في قطاع غزة الممثل في حركة حماس على النظام الشرعي لسلطة الرئيس محمود عباس في صيف 2007.
و السؤال المطروح اليوم هل نبقي على هذه الفوبيا في هذه المرحلة، و في انتظار ما إذا سيوفي الإسلاميون بوعودهم بعد أن وصلوا للحكم عن طريق صناديق الاقتراع؟ ردي الشخصي على هذا السؤال هو بالنفي، و ذلك للأسباب التالية.
أولا، قوة التزام الحركات المشاركة في العملية السياسية حاليا الذي يجعل من الصعب التراجع في المستقبل. في الحالة التونسية التي قد تكون سابقة سوف تسير على منوالها باقي الدول العربية الأخرى، وقع التنصيص على الحفاظ على مكتسبات المرأة، أي عدم التراجع عن قانون منع تعدد الزوجات و مدنية الزواج كما الطلاق، بالإضافة إلى الالتزام بحرية العمل السياسي و مدنية الدولة و على مكتسبات الحداثة بصفة عامة. صحيح إن الأمر قد يختلف من دولة إلى أخرى، لكن التزام الحزب السياسي المنبثق عن الإخوان في مصر أكد هو أيضا التزامه بالدولة المدنية. و التزامات بهكذا وضوح لن يكون من السهل التنصل منها بأية ذريعة كانت.
ثانيا، مدى التزام حركات الإسلام السياسي بالديمقراطية لم يعد سؤالا افتراضيا كما كان الأمر في السابق. فخلال الأشهر و السنوات القليلة المقبلة، سوف نتمكن من التثبت في مدى التزام النهضة التونسية و نظيراتها في مصر - و ربما دول أخرى ndash; بمبادئ الدولة المدنية و الديمقراطية المنشودة. و القوى التي انتظرت ستة عقود منذ حصول دولنا على الاستقلال بمقدورها انتظار فترة قصيرة كهذه للحكم على الإسلاميين من خلال أفعالهم لا غير.
ثالثا، حجم التحديات الاقتصادية و الاجتماعية التي سيواجهها الإسلاميون و هم في الحكم، تفرض عليهم تشريك الأطراف الأخرى التي قد تختلف عنهم جذريا في المسائل العقائدية، كما هو الحال في تونس بالنسبة لحزب المؤتمر من اجل الجمهورية (علمانيون و نشطاء حقوق الإنسان) و التكتل الديمقراطي من اجل العمل و الحريات (يسار اشتراكي). و لا أرى إمكانية تراجع النهضة عن مبادئها المعلنة و هي تشترك في تشكيلة حكومية مع هكذا قوى.
رابعا، مناخ الانتفاضة الشعبية الجديد و مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت سوف تساعد قوى الحداثة العربية على التصدي و بقوة لأية محاولة نحو الردة و العودة إلى الوراء، و لعل النجاح الأخير للمرأة في تونس من خلال المظاهرة التي تم تنظيمها في ساحة القصبة أمام مقر الحكومة خير دليل على ذلك.
لهذه الاعتبارات لم يعد هناك حقيقة داعيا للتخوف المفرط من quot;غولquot; حركات الإسلام السياسي. و المأمول أن تؤشر هذه المعطيات إلى ظروف جديدة تساعد على بلورة صيغة للتعايش و الشراكة بين الإسلاميين و القوى الأخرى من أحزاب و مجتمع مدني لما فيه الصالح العام، و بالاحتكام الدائم لرأي الأغلبية و صندوق الاقتراع.
و العقل ولي التوفيق...
[email protected]
التعليقات