تعتبر مادة الرياضيات الأساس لتطوير المعارف و القدرات التي يتطلبها نمو الاقتصاد الوطني، خصوصا في مجال التقنيات الجديدة و الابتكارات التي تؤمن الزيادة المستدامة في الإنتاجية، و من ثم زيادة دخل الفرد على المدى الطويل. من هنا تأتي أهمية نتائج الاختبار الأخير لمنظمة التعاون الاقتصادي و التنمية (OECD) الذي قام بترتيب الدول حسب نسبة طلبة الثانوية الذين يتقنون مادة الرياضيات.
تصدرت مدينة شنجهاي الصينية القائمة بنسبة 75%، بينما جاءت النتيجة مخيبة للآمال بالنسبة لأمريكا، التي لا يتجاوز نسبة الذين يتقنون مادة الرياضيات من طلبتها 32%.
لكن الفضيحة الكبرى كانت من نصيب الدول العربية، حيث كانت النسبة في حدود 23 %في دبي.وهي نسبة ضعيفة حققتها دولة مثل روسيا، على سبيل المثال، كما أنها تعكس، إلى حد كبير، إتقان الطلبة الأجانب المقيمين في هذه الإمارة لهذه المادة، بالإضافة إلى قوة برامج المدارس الخاصة المتواجدة بكثرة في المدينة. أما باقي الدول العربية المشاركة فقد جاءت في ذيل القائمة، بنسبة 7% في قطر، 4% في الأردن و 2% في تونس، التي كانت مرتبتها في آخر القائمة (إذا ما استثنينا كيرجيزتان بنسبة 1%). و لم تشارك الدول العربية الأخرى في الاختبار خوفا من الفضيحة، على ما يبدو.
خسائر الدول العربية من ضعف تدريس مادة الرياضيات تبدو كبيرة. حسب التقديرات المتوفرة، فان رفع النسبة الأمريكية لبلوغ النسبة الكندية، التي هي بحدود 47%، سوف يمكنها من رفع نسبة نمو دخل الفرد السنوية بقرابة نقطة مؤوية (من 2% إلى 3%، على سبيل المثال)، و هي زيادة هامة بمقدورها مضاعفة معدل دخل الفرد على المدى الطويل.
دولة مثل تونس ما كانت لتصل إلى هذا الحد لو حافظت على استعمال المناهج الفرنسية كما كان عليه الحال إبان استقلال البلاد. لكن ضعف المناهج ليس العامل الوحيد، لان تونس حافظت على استعمال اللغة الفرنسية كوسيلة لتدريس المواد العلمية بما فيها الرياضيات، كما أن مناهجها مستوحاة من الكتب الفرنسية إلى حد كبير.
لفهم أعمق لجذور الانهيار التعليمي في الدول العربية خلال العقود الأخيرة، يجب مراجعة نقص الحوافز لدى كادر التدريس، الذي تحول إلى مجرد موظفين في القطاع العام لا علاقة بين مجهودهم و وضعهم المهني. و هذا ما يفسر ضعف النتائج أعلاه حتى بنسبة لدولة توفر رواتب مغرية مثل قطر.
انعدام الحوافز لدى المدرسين يعود بدوره للإدارة غير الرشيدة للتعليم في الدول العربية، الذي يهيمن عليه القطاع العام، في ظل مركزية رهيبة ألغت بالكامل دور السلطات المحلية و أولياء الطلبة و الجمعيات غير الحكومية.
مراجعة نظام الحوافز لدى رجال التعليم العام و إعطاء دور اكبر للأطراف المعنية بجودة التعليم، مع منح التسهيلات اللازمة للقطاع الخاص، تمثل حجر الزاوية للإصلاح التعليمي في الدول العربية، الذي بدونه سوف تبقى هذه الدول تدور في دوامة نمو اقتصادي ضعيف و بطالة الشباب التي لعبت دورا أساسيا في الانتفاضة الأخيرة.
و العقل ولي التوفيق

[email protected]