في نوفمبر من عام 2011م تجاوز عدد القتلى في سوريا خمسة آلاف والمعتقلين ثمانين ألفا والمشردين والنازحين والمهجرين عشرين ألف، والمفقودين عشرة آلاف.
بشار الأسد يقتل بآلة قمع جهنمية الناس في كل قرية ودسكرة وحارة من سوريا، ولكن من ينفذ القتل ليس هو، بل يظهر على الناس بكرافته مذهبة وبذلة رائعة وكلمات حلوة فمن يقوم بالجريمة إذن؟ إنهم الأتباع والذيول والقفازات.
هنا تظهر فلسفة كاملة بين القادة والأتباع تحتاج إلى تحليل في الجدل الإنساني.
في كتاب (تذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم) يذكر الضابط محمد الرايس الذي اشترك في محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في قصر (الصخيرات) ضد النظام الملكي في المغرب. والقبور التي ضمتهم عشرين سنة، كفاتاً أحياءً وأمواتاً، في مكان لا يعرفه إلا الملك والراسخون في الاستخبارات.
يقول المؤلف في المواجهة الدموية التي جرت مع ضباط القصر الملكي جاءته الأوامر بالقتل فقتل. ولكن (توقع) الشيء غير (مواجهته) وممارسته؛ فعندما خر الضحية صريعاً يتخبط في دمه شعر الجاني في تلك اللحظة أنه (فقد شرفه). هكذا يقول محمد الرايس في كتابه تذكرة ذهاب إلى الجحيم.
و(هملر) رئيس الجستابو النازي حينما كان يأمر بالقتل الجماعي كان سهلاً وبجرة قلم، ولكنه عندما طلب من الجنرال النازي أن يجهز على أحدهم في قبر جماعي يضم حوضاً من الجثث والدماء أصيب بنوبة إقياء حادة.
واليوم لم يبق من أثر للسجن فقد أزيل كما بني في غفلة عن أعين الناس، ويزور الناس المكان فيضيئون الشموع على أرواح الضحايا الذين قضوا نحبهم بأشنع الميتات في سجن (تزمامارت) في المغرب.
إنها عظة لجميع الأطراف أن المشاكل لا تحل بالانقلابات ولا بالانتقام ولا بدفن الناس تحت الأرض في القبور أو السجون. وأن بذور الكراهية في النهاية لا تحصد إلا نبات الأحقاد. وأن الشر إذا قاوم الشر زاد الشر شرا، وأن الشر يردع بالخير فهذه نبتة الإنسان.
والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا.
إن القارئ يتألم عن قبور الموت في تزمامارت التي مات فيها معظم الضباط الانقلابيين في المغرب، ولكن لو جلس أولئك على سدة الحكم هل سيكونون في رحمة النبي يوسف عليه السلام عندما قال لأخوته لا تثريب عليكم اليوم؟ أم أنها عملة اجتماعية متبادلة؟
منذ عام 1945 م كانت البلدية في مدينة هيروشيما قد وضعت لافتة تذكارية تحمل عبارة (لن نجعلهم يكررون الشر) ولكنها غيرتها حديثاً إلى عبارة أشد دقة (لن نكرر الشر).
إنها آلية قاسية للنقد الذاتي. إنها اعتراف أنهم كانوا طرفا في الشر أليس كذلك؟
وفي معركة ستالينجراد كان المفوضون السياسيون من رجال الحزب الشيوعي يدفعون الشباب الروسي إلى الموت بمئات الآلاف. أولاً بزربهم في القطارات كالأنعام إلى الجبهة، ثم حشرهم في زوارق تحت قذف المدفعية والطيران الألمانية لخوض مياه نهر الفولجا الباردة التي انقلب لونها إلى الأحمر القاني، ومن تردد أو حاول الهرب سارع (الرفاق) إلى قتله فورا، ومن نجا من رصاص (الحزبيين) وقاذفات النازيين دفع إلى خنادق الألمان فحصدتهم الرشاشات، والأفراد القلائل الذين نجوا فحاولوا العودة من جدار النيران قتلهم (الرفاق) باعتبارهم خونة جبناء لم يموتوا بشرف في الدفاع عن مدينة ستالين.
كانت معركة (ستالينجراد) جنازة مليونية ومسالخ بشرية وجنون مطبق وعربدة للموت وبحار من دماء وجبال من جثث وأنهار من دموع وزوجات وأمهات تم الضحك عليهن بأنها معركة الشرف من أجل الوطن.
كما تفعل الكثير من الأنظمة حتى اليوم فتحتفل بـ (عيد الشهداء) أو (الثورة) وهي في الحقيقة أعياد التقدم بالقرابين والخيانة.
إن إبراهيم عليه السلام لم يلغ القربان البشري عبثاً وموسم الحج كله يدور حول هذا الترميز. كما أنه غير مفهوم وضد كل منطق أن من يفشل بالانقلاب يصبح خائنا وإذا نجح سمي بطلاً. ذكر الكولونيل (هيربرت سيلي Herbert Silly) في رسالة كتبها إلى عائلته من الأتون عندما احتدمت حرب الشوارع في ستالينجراد:
(إن دموعاً كثيرة ستنهمر اليوم في ألمانيا. طوبى لمن ليس مسئولاً عن هذه التضحيات غير المبررة).
واليوم مات ستالين باللعنات، ومات هتلر بالانتحار كما مات القذافي في 20 أكتوبر 2011م ذليلا بعد استخراجه من مجرور مياه، ولم يبق شيوعية أو نازية وقذافي وصدام وإنما ذكرى لكن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
والسؤال من هو المسئول وغير المسئول عن هذه القرابين البشرية هل هو ستالين وهتلر؟ هل هو الجنرال فون باولوس وتشيكوف؟ أم هم الجنود (الأدوات) التي تنفذ الموت بالأوامر؟
إن هذه المشكلة أقضت مضجعي منذ الصغر وأنا أسمع قصة جريمة مؤثرة كانت ترويها لي والدتي اشترك فيها أكثر من طرف بقتل فتاة.
كان السؤال من هو المجرم؟ من ذبح؟ أم من دل؟ أم من أعان؟ أم من خطط؟
وفي مذبحة صابرا وشاتيلا لم يباشر (شارون) القتل بنفسه ولكنه طوَّق بيت الدجاج ثم فتح كوة فيه دخل منها الثعبان الكتائبي اللبناني، ثم جلس شارون (المسبوت حاليا في ظلال الموت) في الظل بريئاً يسمع فحيح الأفاعي وصياح الديكة والدجاج.
تم قتل ألف فلسطيني مثل ذبح الدجاج والخرفان في المسلخ. وكما نرى عن قتل الناس المدنيين في حمص والجامعة العربية تجتمع مثل اجتماع مجموعة من العميان تبحث عن عصا للمشي.
رحم الله والدتي كان لها مثل: كومة عمايا على هالعصايه. كومة من العميان على عصا واحدة. إنه منظر كاريكاتير أليس كذلك؟
وعندما همّ اليهود بقتل المسيح وقف (بيلاطس) يغسل يديه ويقول إنني بريء من دم هذا البريء فرفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما.
إن أعظم مشكلة إنسانية هي علاقة الإنسان بالانسان في مجتمع بني خطأً على الهرمية والتراتبية والأوامر، وأعظم مرض إنساني قاطبة هو خلل هذه العلاقة بين تسلط واستكانة. حينما ينفرز الناس إلى شريحتين تصعد فيها قلة إلى قطب (الاستكبار) وتنهار الأكثرية إلى درك (الاستضعاف).
ويزداد الفقراء فقرا وتعاسة وذلا، والأغنياء غنى ونفوذا وفسقاً، ويمرض الاثنان بالتخمة والمجاعة، ويصاب المجتمع كله بالداء الفرعوني في ثنائية مانوية : الأقوياء أمام الضعفاء والعبيد تحت السادة، والجبارين فوق الأذلاء والمستكبرين يسوقون المستضعفين.
إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين.
إن تضخم الذات في حوض اجتماعي مشترك يدفع بقية (الذوات) إلى الانكماش والضمور. إنه الداء الفرعوني القديم يتكرر على صور شتى.
وعندما ترفع الصور والتماثيل في الساحات العامة لفرد واحد لا يبقى أمة. وكارثة 67 كانت بسبب قرار من رجل واحد لم يريهم إلا ما رأى وما هداهم سبيل الرشاد.
وعندما تختل رافعة القوة في المجتمع فإن صعود شريحة معناه مصادرة القوة من البقية. وانتفاخ جيوب البعض يعني خواء جيوب الكثيرين. وعندما يرتفع مليونير إلى سدة الثراء فإنه يعني دفع بقية الرقم دون المليون من الطبقة الوسطى إلى حزام الفقر. إنها سرقة الشرفاء من مجتمع مستباح.
تماما كما في الميزان أو (مراجيح) الأطفال فإن هبوط كفة أو طرف يعني تلقائياً صعود الطرف المقابل.
يقول (الغزالي) في (الإحياء) إن المال عندما يسقط في يد يكون قد طار من يد أخرى، ليتحول المجتمع إلى مغارة لصوص يسرق كل واحد من جيب الآخر. ويصبح المال دولة بين الأغنياء ويفقد وظيفته كـ (دم) في (الشرايين) الاجتماعية.
مع هذا فإن التاريخ يصنعه الأفراد والنخب، وسارت الأكثرية دوماً خلف الأقلية المبدعة بآلية المحاكاة والتقليد.
يقول (ابن خلدون) في (المقدمة) أن المغلوب يقلد الغالب في (شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده لما يستولي عليه من توهم (كمال) الغالب يقول (ابن خلدون):( والسبب في ذلك أن النفس أبدا تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه .. لما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي إنما هو لكمال الغالب .. ولذلك ترى أن المغلوب يتشبه أبدا بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه بل وفي سائر أحواله وانظر ذلك في الأبناء مع آبائهم كيف تجدهم متشبهين بهم دائما وما ذلك إلا لاعتقادهم الكمال فيهم) .
الديانات الكبرى جاء بها أنبياء، وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم. وولادة البلشفية تمت على يد لينين في يوم عسر. وتأسيس الحزب النازي كانت في مدينة نورمبرغ بجهود هتلر. ويعتبر (ميشيل عفلق) الأب الروحي لحزب البعث. ومؤسس الأخوان المسلمين كان شابا صغيرا هو حسن البنا تم اغتياله بسرعة. وأسس المدرسة الفلسفية (الأكاديمية) أفلاطون. واعدم (أنطون سعادة) رئيس الحزب القومي السوري دينامو الحزب وعقله النابض. وترك (أتيين دي لابواسييه) مخطوطة من أعظم ما كتب في تحليل الاستبداد بعنوان (العبودية المختارة) ومات بعمر الثلاثين. ويدين وجود حزب التحرير الإسلامي بدرجة كبيرة إلى (تقي الدين النبهاني) وكتبه العشرين التي تركها حول الخلافة الإسلامية يستظهرها الأتباع في هولندا وأندنوسيا!. ويعود الفضل لقيام دولة الموحدين في المغرب إلى (محمد بن تومرت).
يعتبر (برتراند راسل) في كتابه (النظرة العلمية) أن كل النهضة الحالية تدين ربما إلى مائة دماغ ولو تم اغتيالهم لما بزغت عصور التنوير ولعل أهمهم في الواجهة هو (غاليلو). ولم تكن الثورة الإيرانية لتنجح لولا شخصية (الخميني).
وكتب (توماس كارليل) في مقاله عن (الأبطال وعبادتهم والبطولة في التاريخ) عام 1841 م أن :(تاريخ العالم ليس إلا سيرة الرجال العظماء).
وكرر (امرسن) في مقالة بعنوان (التاريخ) :(ليس هناك تاريخ بالمعنى الدقيق للكلمة هناك فقط سير شخصية).
ينطبق هذا على تأسيس الديانات، وبناء المدارس الفلسفية، وقيام الأسر الحاكمة، وتحول مصائر الدول بمعارك حاسمة على يد قواد عسكريين.
كنت البارحة أسمع للمنشدين في المغرب وهم يمدحون العربي محمد ص بعد مرور ألف وأربعمائة سنة على غيابه فدمعت عيني وقلت أنا سيذكرون بالحب وآخرون يموتون قتلا مثل القذافي باللعنات.
هكذا ولدت البوذية تحت الشجرة التين على يد راهب. وأصبح اسم (سقراط) منارة للهدى. وعمرت الدولة الاليخانية في إيران أكثر من قرن على يد (هولاكو) مدمر بغداد. وانتهت الدولة الساسانية عام 333 قبل الميلاد في معركة جواجاميلا على يد (الاسكندر الكبير). كما قرر مصير قرطاجنة عام 146 قبل الميلاد بعد هزيمة (هانيبال) في معركة (زاما).
كذلك فإن الفرد لا يحكم لوحده لولا (النخبة) التي تأتمر بوحيه والرعية التي تنصاع. كما أن الديانات لم تنتشر بدون الحواريين. ولم ينتصر (سكيبيو) الأفريقي على (هانيبال) بدون تطوير أداة الحرب من خطط وأدوات وجنود.
والطاغية عندما يمسك رقاب الأمة لا يستطيع أن يفعل هذا بمفرده بل لابد له من رهط حوله يسبحون بحمده بالعشي والأبكار وزبانية يربطون مصيرهم بمصيره. كل واحد منهم لهم ذيل ضخم من الأتباع، وهذه الحاشية من الأتباع تزداد طردا كلما اتجهت إلى الأسفل بحيث تتحول في النهاية إلى شبكة جهنمية تربط الأمة كلها إلى مقود العبودية.
يقول (أتيين لابواسييه) في كتابه (العبودية المختارة):
(هم دوماً أربعة أو خمسة يبقون الطاغية في مكانه. أربعة أو خمسة أو ستة يشدون له البلد كله إلى مقود العبودية. في كل عهد كان ثمة خمسة أو ستة تصيخ لهم أذن الطاغية. يتقربون منه أو يقربهم إليه ليكونوا شركاء جرائمه وخلان ملذاته وقواد شهواته ومقاسميه فيما نهب. هؤلاء الستة ينتفع في كنفهم ستمائة يفسدهم الستة مثلما أفسدوا الطاغية، ثم هؤلاء الستمائة يذيلهم ستة آلاف تابع يوكلون إليهم مناصب الدولة ويهبونهم إما حكم الأقاليم وإما التصرف في الأموال . ما أطول سلسلة الأتباع بعد ذلك . إن من أراد التسلي بأن يتقصى هذه الشبكة في وسعه أن يرى لا ستة آلاف ولا مائة ألف بل أن يرى الملايين يربطهم بالطاغية هذا الحبل مثل جوبيتر إذ يجعله هوميروس يتفاخر بأنه لو شد سلسلته لجذب الآلهة جميعا).
وفي سورة النمل إشارة خفية إلى هذه المافيا التي تمسك البلد عادة: (وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون).
يذكر (ادوار سعيد) في كتابه (خارج المكان) هذه الظاهرة أيضاً في مستوى الطلبة وجو المدارس حينما تبرز إلى السطح بدون تعيين من الإدارة أو انتخاب من الطلبة شخصيات من المجهول تشكل زعامات طلابية من خلال مواصفات ليست هي الأفضل عادة. وكيف أنهم يتحولون تلقائياً إلى مجموعات متنافسة يسيطر عليها زعماء من خلال تراتبية خاصة تعتمد ليس صفات الرحمة والاجتهاد بل الشقاوة وقوة البنية الرياضية و(البلطجية) وعدم التورع عن العنف ولي أكواع الآخرين.
إن هذا التميز وانقسام الطلبة إلى (شلل) يقودها في العادة الطلبة الأشقياء أمر معروف وما يحدث في السياسة يشبه هذا فيتقدم ليس الأتقى بل الأقسى والأخبث والألعن والأجرأ على الشر. وهذه الظاهرة تتكرر في السجون حيث يهيمن على (العنبر) في العادة عتل زنيم، وفي أحد المصحات العقلية كادت المجموعة أن تقضي على النزيل الجديد لولا تدخل (الزعيم) الذي يتمتع بالعادة بجسم ثور ودماغ ضفدع.
يروي (فيكتور فرانكل) في كتابه (الإنسان يبحث عن المعنى) تجربته من معسكرات الاعتقال أن المهجع كان يسيطر عليه (الكابو) وهو في العادة من نفس المجموعة ولكنه الألعن بسبب تودده إلى قيادة المعسكر.
جرت العادة أن من يبطش بتنظيم ما هو من نفس التنظيم. والذي أسلم المسيح إلى محكمة (السنهدرين) كان يهوذا الاسخريوطي حينما قال أيهم أقبِّله سيكون هو.
ولم تنشب عداوة بين بلدين كما حصل مع بلدين عربيين متجاورين وبنظامين متشابهين حذو القذة للقذة مثل التوأم من بيضة واحدة ونفس الرحم إلى درجة أن جوازات السفر التي تصدر في البلدين مفتوحة على العالم كله إلا البلد الشقيق (العراق وسوريا ونفس نظام الحزب الواحد البعث الإجرامي)
إنها أعظم مأساة.
كما أن من بطش بالأخوان المسلمين كان منهم. والذي فضح التنظيم العسكري لهم في بلد عربي كان من بين صفوفهم. وفي العادة عندما يستلم في الغربة شخص منصب المسئولية يضحي بأولاد بلده أكثر من غيرهم حرصاً على نظافة سمعته من التحيز لبني قومه. وهو إنذار لكل من اجتمع بأهل بلده في بلد بعيد أن يبني علاقاته هناك على الجهد والإنتاج والحذر من بني بلده والعلاقات الإنسانية أكثر من القربى والعنصرية.
يحاول (دين كيث سايمنتون) في كتابه (العبقرية والإبداع والقيادة) فهم هذا السحر الخاص (الكاريزما) عند بعض الأشخاص بحيث يستقطبون جماهير تمحضهم الولاء كما قاد (الخميني) الجماهير إلى الثورة في إيران. وكما بقي (تشي غيفارا) في الذاكرة كمناضل للحرية. أو غاندي الذي هزم الإمبراطورية البريطانية بدون طلقة واحدة.
لقد اصطدم بظاهرة عصية على الفهم ويبدو أن خاصية (الكاريزما) التي ترجمت بـ (الشخصية الساحرة أو الآسرة) بأنها: (لاعقلانية لا تذعن لتطبيق المنهج العلمي).
وعندما قام (تشارلز سيل C.Cell) بتطبيق قياسه المكون من 11 نقطة حول 34 من زعماء الدول المعاصرين كان الزعماء الذي ركبوا القمة من أسوئهم مثل موسوليني وهتلر ونزل إلى القاع أشهر رئيس ألماني هو (أديناور) عند النقطة صفر، وفي الوقت الذي حصل الطاغية (سوكارنو) على 9 نقاط حصل تشرشل على نقطتين).
ويروي (برتراند راسل) عن (برونو موسوليني) ابن الطاغية تجربته حينما كان يسلط النيران على قرى التعساء في الحبشة من طيارته (كان العمل مسلياً للغاية وعندما اندلعت السنة النيران في سقف زريبتهم خرجوا يتواثبون ويتراكضون كالمجانين وأحاطت دائرة النيران بنحو خمسة آلاف حبشي فلاقوا حتفهم. كان المكان كالجحيم).
جاء في الحديث أن الله عاتب رجلا أنه احرق قرية للنمل أن أحرقت أمة من الأمم تسبح الله.
إن العمل الاجتماعي مشكلته أنه لا ينجز من شخص واحد ولا يمكن، بل يتوزع عبر سلسة من الأفعال ينجزها أناس لا يشعرون بخطورة مايفعلون، كما يحدث في الحروب الحديثة التي تقوم على كبس الأزرار لأناس يمارسونها خلف شاشات، فلم تعد في صورة المذبحة القديمة التي كانت تخوضوها (الليجيونات) الرومانية بالسيف القصير.
سألني رجل من الجلادين أذكر اسمه رياض بكتلة لحمية كبيرة ووجه وديع حين أفرجوا عني من معتقل (كراكون الشيخ حسن) بجنب مقبرة الدحداح في دمشق وكان جلاد الفرع رجل من دير الزور لا أنسى وجهه الجهنمي حتى اسمه كان مرعبا (طحطوح)!
سألني بلهفة: أستاذ كيف تنظرون إلى مهنتنا؟
أجبته: هناك شهادة من الرب فيكم .
ذعر الرجل وقال كيف؟
قال : وصفكم الرب في كتابه :(إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين).
اضطرب الرجل وهتف ولكن هذه مهنتي وأعيش منها .
قلت له: أن تفعل أي شيء أفضل لك من كتابة التقارير الكاذبة أو جلد العباد أو اقتحام بيوت الناس بدون مذكرة قضائية.
إن ستالين قضى على بوخارين وهو الرفيق الكبير بإيماءة من عينه، وكلمة من فمه، ولكن من نفذ الجريمة كان رجل الاستخبارات بيريا، ثم أعدم بدوره عندما دالت دولة ستالين، كما لحقهم إلى قبور البؤس كثيرين وهي نهاية تنتظر كل الجبارين الذين ولغوا في دماء الناس.
ولعذاب الآخرة أشد وأبقى..