كثر الحديث منذ بداية الربيع العربي عن المغرب بوصفه أوّل بلد عربي مرّشح لكي يكون quot;ملكية نموذجيةquot; في زمن quot;الصحوة العربيةquot; من سبات الفساد السياسي والمديونية المالية والإقطاع الانتخابي والمحسوبيات الإدارية... هذا الحديث لم يعزّزه الاعلام المغربي وحده، المعروف اصلا بكونه اعلام رسمي- حكومي في غالبيته، بل عزّزته مبادرة الملك محمد السادس يوم 09 مارس 2011 بإعلانة الدعوة الى وضع مسودة دستور جديد للمغرب واكتملت quot;جماليةquot; الحديث لتعزيز أطروحة quot;الاستثناء المغربيquot; أمام الرأي العالم العربي والعالمي بعد نتيجة الاستفتاء الشعبي على الدستور المذكور والذي ساهم في وضعه كافة الاحزاب السياسية وأطياف المجتمع المدني في المغرب بحيث جاءت نسبة استفتاء الشعب عليه مرتفعة جدا قاربت ال 70 بالمئة وسط كلمة quot;نعمquot; قالها حوالي 98 بالمئة من المقترعين... وعاد الحديث عن quot;إستثنائيةquot; المغرب وبموازاتها امكانية منح محمد السادس لقب الملك العربي quot;الاستثنائيquot; قبل بضعة اسابيع من اليوم مع قرب موعد انتخابات 25 نوفمبر البرلمانية المبكرة...
لقب quot;الملك الاستثنائيquot; سيستحقه حتما محمد السادس اذا نجح في تقديم نموذج الملكية العربية البرلمانية الديمقراطية في العالم العربي والشرق الأوسط يوم 25 نوفمبر ولطن بشروط!... فهو سيطرح نفسه كأوّل ملك عربي تجرّأ واستفتى شعبه على تعديلات دستورية قلّصت من صلاحياته ومنحت صلاحيات أوسع لرئيس الحكومة الذي سيتم اختياره من الحزب السياسي الذي ينال أعلى نسبة أصوات في الانتخابات النيابية وسيطرح نفسه كأوّل زعيم عربي تجاوب quot;باكرا جداquot; لمطالب شباب بلده ولنضالاتهم في الشارع ومنحهم دستورا جديدا لا تحلم به الممالك العربية الأخرى...
ورغم الدعوات العلنية والمتكررة الى مقاطعة الانتخابات من قبل بعض منظمات المجتمع المدني (قلّة عددية) والقليل من الاحزاب السياسية (العدل والإحسان أبرزها) وحركة 20 فبراير الشبابية (التي دعت سابقا لمقاطعة الاستفتاء على الدستور في الأول من يوليو 2011) والتي جعلت منبرها quot;الشارعquot; بديلا عن وسائل الاعلام التقليدية لمخاطبة الرأي العام، الا انّ فرص الوصول الى نسبة اقتراع عالية يوم 25 نوفمبر يظل أمل الملك محمد السادس كقائد البلاد أكثر مّما هو أمل الأحزاب والقيادات والشخصيات السياسية المتنافسة على 395 مقعدا برلمانيا... فمحمد السادس طرح نفسه منذ توليه الحكم قبل 11 عاما بصورة الملك quot;الشابquot; الذي سينقل مملكته الى مرحلة الديمقراطية والمشاركة الشبابية وتقريب المسافة بين المسؤول والمواطن وهو ما أكدته الكثير من المقالات الموّثقة والكتب التي صدرت بعد مرور عشر سنوات على حكم الملك quot;الشابquot; والتي أظهرت وفق للتسلسل الزمني كيف سار محمد السادس في خطط الإصلاح التي وعد بها شعبه... واليوم فانّ استحقاق تحقيق نسبة مرتفعة في عدد المقترعين يوم 25 نوفمبر ليس بالتحدّي البعيد عن مسار التحدّيات الاصلاحية الأخرى التي طالما حاول محمد السادس قيادتها منذ تولّيه الحكم بعد وفاة والده الحسن الثاني... فلربما يكون من أصعب التحدّيات في اصلاح اي بلد في العالم اصلاح حال quot;العقليةquot; الذهنية للشعب ليعرف هذا الاخير كيف يستفيد من الاصلاحات السياسية والاقتصادية التي يمنحها النظام لإدارة شؤون الشعب...
هذا التحدّي quot;المعنويquot; في أي عملية اصلاحية مرتقبة يبدو اليوم الشغل الشاغل للنظام المغربي بكل مكنوناته وعلى رأسه الملك محمد السادس... وكيف لا يكون هذا هو الحال في وقت قد تمنح انتخابات 25 نوفمبر الملك quot;الشابquot; لقب quot;الملك العربي النموذجيquot; اذا اقبل المغاربة بشدّة على الاقتراع في اليوم quot;الموعودquot;... وليس في فهم حرص الملك محمد السادس على الوصول الى نسبة اقتراع مرتفعة حرص وطني فقط على مصلحة البلاد ومصلحة الدستور الجديد ليتولى السهر على تنفيذه حكومة منبثقة فعلا من الشعب وبنسبة إقتراع مرتفعة وانّما فيها بعض quot;القلقquot; المشروع من تدنّي نسبة مشاركة المغاربة في اختيار ممثليهم في البرلمان كي لا يتكرّر سيناريو الإقبال quot;الخجولquot; الذي حصل في دورة 2007 الأخيرة... ولكن يبقى السؤال الكبير في رسم المغاربة هنا وليس في رسم النخبة السياسية او فريق البلاط الملكي فقط وهو لأي درجة يمكن أن تكون quot;مقاطعةquot; التصويت في انتخابات مصيرية تأتي بدورها بعد تعديل دستوري كبير وفي فترة ثورات عربية تجتاح كل الأنظمة وسيلة quot;فّعالةquot; للتغيير؟ أو أن تكون وسيلة مناسبة لمحاربة الفساد كما يطالب أنصار quot;مقاطعةquot; الانتخابات في الشارع المغربي ووسائل الاعلام الالكترونية؟...
فهل سينجح محمد السادس بعد أقل من 24 ساعة في أن يكون أوّل ملك عربي يرضي شعبه في زمن أمواج وعواصف quot;التغييرquot; وquot;الصحواتquot; وquot;النهضاتquot; الديمقراطية التي يعرفها العالم العربي؟... هو حتما سيستحق هذا اللقب إن نجح في تعبئة الشعب للنزول بكثافة يوم 25 نوفمبر الى صناديق الإقتراع وسيكون بذلك قد قدّم للدول العربية وعلى رأسها الممالك الخليجية القابعة في زوايا quot;الركودquot; الإصلاحيquot; البعيد الأمدquot; نموذجا quot;ستتغزّلquot; به عواصم القرار عالميا قبل عواصم القرار عربيا، رغم اننا اليوم لم يعد بامكاننا الحديث عن عاصمة قرار عربية بفعل quot;الضبابيةquot; السياسية التي تكتنف القوى العربية بل يمكن الاكتفاء بالحديث عن عواصم قرار عربية تدفع الاموال للتأثير وعلى راسها الدوحة والرياض والجزائر وكل منها quot;يلعبquot; بأوراق العالم العربي وفق اجندته الخاصة...
وبالعودة للمشهد الشارعي قبل يوم واحد من انتخابات 25 نوفمبر فكل شيء يبدو هادئ لمن يتجوّل في العاصمة الرباط... فالناس مشغولة كعادتها في تدبير امور الحياة اليومية ووحدها الاصوات التي quot;تشغل بالهاquot; بالعملية السياسية في المغرب تحرص في اللحظات الاخيرة لكسب رهانتها الخاصة وتوجيه اصوات الناخبين لمصلحتها... فمن هؤلاء؟... حتما هم الأحزاب السياسية التي تتصارع لنيل اكبر نسبة من اصوات المقترعين اضافة الى جماعة quot; الدعوة للمقاطعةquot; الذين يضغطون في الشوارع المغربية كي لا يمنحوا النظام المغربي لقب quot;الاستثناء العربيquot; الناجح في زمن النهضة العربية... ولكن تبقى كلمة الفصل هنا لنسبة الإقتراع التي ستحسمها صناديق الاقتراع يوم 25 نوفمبر...
لا تبدو التوقعات بشأن مسار الانتخابات المغربية في ما يخصّ فرص الاحزاب السياسية في كل مدينة وفي ما يخص نزاهة الانتخابات وفي ما يخصّ مراقبة المال السياسي باغلة الحساسية والاهمية بقدر أهمية التكهنّ بنسبة إقبال المغاربة يوم 25 نوفمبر للنزول الى اقلام الاقتراع... ولأن الجميع فشل في توقع اي شيء حتى الآن في ما يخصّ نسبة الاقتراع يوم 25 نوفمبر فانّ طرح مجموعة من الأسئلة قد يبدو عاملا مساعدا لفهم عقلية الشارع المغربي بعيدا عن quot;طموحاتquot; النخب السياسية والثقافية والاقتصادية المهتمة اصلا بنتيجة الانتخابات لوجود مصالح مباشرة لها في تلك العملية...فالمواطن المغربي مثلا في الريف والاحياء الشعبية أوذلك الموظف ابن المدينة ينتظر مدخوله الشهري نهاية الشهر والطالب الجامعي في كل المغرب ينتظر فرصة عمل تلوح له في الافق وهؤلاء جميعا لا يرون في اهمية الانتخابات سوى فرصة كبيرة قد تلوح لهم باللتغيير لتنعكس على حياتهم اليومية بمزيد من فرص سيادة القانون وتنمية الاقتصاد التي تنعكس على حياتهم اليومية مباشرة... وهؤلاء لا يفكرون كثيرا بمسألة حرية الرأي والتعبير بل تشغلهم اكثر لقمة العيش والسعي وراءها... نعم فلنكن واقعيين اذا توفرت لهذه الطبقة مستويات مادية مريحة فهل سيكون لديها همّ اسمه quot;حرية الرأي اوالتعبيرquot;؟ أليست الديمقراطية تعني في ما تعنيه العيش الكريم؟ والعيش الكريم للطبقة الاوسع من الشعب المغربي هي لقمة عيش نظيفة وكافية؟... أليست مسألة حرية الرأي والتعبير هي الشغل الشاغل لتلك الفئة التي لديها ما تقوله سياسيا اما من خلال طموح سياسي ما او مساحة اعلامية ما او منبر خطابي ما يؤهلها لتكون شخصية اجتماعية او سايسية معروفة في محيطها؟.... هذا ليس حال المغاربة فقط بل حال كل الشعوب العربية الاخرى التي تحارب اليوم لاسقاط انظمة بقايا أنظمة ساقطة والى اصلاح أنظمة اخرى... وهنا العودة اصلا الى سؤال ماذا يريد الانسان من الحياة قبل طرح سؤال ماذا يريد المواطن من وطنه؟... السؤال حتما العيش بكرامة بكل ما تحمله الكلمة من معنى...
هي معركة انتخابية شرسة ولكنها معركة quot;لقب تاريخيquot; قد يحمله حمله محمد السادس اذا نزل المغاربة الى الشارع غدا بكثافة... وسيتذكر الملك لشعبه هذا التكريم لنضال الملك منذ مطلع هذا العام في بناء مغرب جديد في حين سينام المغاربة حينها حالمين بصورة المغرب الجديد quot;الموعودquot;... اما سيناريو تدنّي نسبة الاقتراع فسيحمل معه كل الغموض في ما يخصّ شكل استمرار الاحتجاجات الشبابية في المغرب المطالبة بمحاربة الفساد... ولكن ألا يكون سقوط الفساد بسقوط الوجوه السياسية القديمة والإتيان بوجوه جديدة ودماء سياسية جديدة؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك؟ أليس بالنزول الى اقلام الإقتراع يوم 25 نوفمبر؟ أليس صوت المغاربة هو الحد الفاصل بين المغرب القديم والمغرب الجديد .... واذا كان الشعب قد فقد ثقته فعلا بالاحزاب السياسية، فلماذا لم ينزل للشارع رافعا شعاراته امام مقرات الاحزاب السياسية مطالبا ايّاهم بتغيير الوجوه السياسية القديمة على لوائحها الوطنية والمحلية... يفهم المغربي أكثر من غيره هذا الكلام...
يحتاج الامر الى إعادة تفكير في شكل الضغط الشبابي في شارع التغيير في العالم العربي لمعرفة مكمن الخلل قبل ان نعتصم رافعين شعارات تضغط على عقول quot;الشعب المسكينquot; الذي لا حول ولا قوّة له بدل الضغط على صنّاع التغيير الحقيقيين والذين يخوّلهم القانون ممارسة العملية السياسية في مكاتب الادارات العامة والوزارات المعنية...
هي معركة يوم واحد ولكنها مصيرية حتما للملك والمملكة وشعب المملكة...ففي هذه الانتخابات تتنافس 1565 قائمة منها 19 وطنية على 395 مقعدا يحلم بها أكثر من 7000 مرشح ينتمون إلى 31 حزبا تقريبا... ولكن يوم 26 نوفمبر سيتم اضافة رقم مهم الى هذه الارقام وهو نسبة المقترعين!... وسينال الملك والشعب وفقا لهذا quot;الرقمquot; نصيبهم من quot;المغرب الجديدquot;...