quot;عجقةquot; ثورات هذه الأيام في العالم العربي، بعضها أنجز المهمة وبعضها ما زال ينتظر الختام بينما البعض الآخر يتحضر للانطلاق. هذه هي الحال، ثورات تطيح بطغاة وحكام عرب احترفوا الدكتاتورية ثم تظاهرات quot;متابعةquot; لإزالة ما تبقى من الأنظمة.
نفضة سياسية جاءت ولو متأخرة لتجعل شتاء العرب quot;ربيعاquot;، لكن هذا الربيع ما زال بحاجة الى quot;تعزيلةquot; من نوع جديد وثورة داخلية جديدة ضد quot;نظام سي سيدquot; وتقاليد مجتمعات وقوانين تجعل النساء مواطنات quot;باب ثانٍ وثالث ورابعquot; وأي من الأرقام الأخرى طالما أنها ليست quot;باب أولquot;.
للثورة المصرية خصوصية بالغة الأهمية في ما يتعلق بالمرأة، فبعد اختزال صورة نساء مصر بمغنيات وفنانات وممثلات وراقصات وضحايا تحرش، خرجت الصورة خلال الثورة مختلفة تماما. قائدات وناشطات وثائرات رفعن قبضاتهن في الهواء صرخن أمام العالم بأسره quot;نريد إسقاط النظام.quot;
صورة جميلة لا شك في ذلك، لكنها ما زالت ناقصة. وما ينقصها هو إسقاط للإستبدادية الذكورية المغلفة بتقاليد وعادات إجتماعية ودينية تجعلها مقبولة وموجودة ومستمرة. صحيح أن مشاركة النساء في الثورات قد ترك أثره بالفعل على العلاقة بين الذكر والأنثى في هذه المجتمعات، لكنه أثر محدود ما زال يحتاج إلى جهود إضافية واسعة النطاق كي ينتقل من التأثير الآني والمحدود الى تغير طويل الأمد.
خلال ثورة مصر،عرضت محطات التلفزة صورًا لتظاهرة تقودها فتاة أو الأقل تقود ترديد شعاراتها في حال لم يكن التوصيف الأول دقيقا. المثير للإهتمام في هذه المشاهد التي عرضت هو ثقة الفتاة الممسكة بكل قوتها بمكبر الصوت مرددة شعارات الثورة مقابل تردد ملحوظ من قبل الجمهور المفترض أن يردد خلفها. الصفوف الأمامية الظاهرة للمشاهد كانت مقسومة بين نساء يرددن خلف quot;القائدةquot; بكل عزم وقوة وبين رجال إنقسموا في ما بينهم، الجزء الأول لم يجد حرجا في التفاعل مع الفتاة بينما الجزء الثاني إكتفى بالتفرج مع ابتسامة غريبة رسمت على الوجوه. إنقسام لم تجده في التظاهرات التي كان يقود ترديد شعاراتها طفل صغير!
في ليبيا خرجت الأخبار عن مشاركة المرأة في الثورة دون المسّ بالتقاليد، أي أن المرأة الثائرة ضد أكثر الأنظمة بطشا ودكتاتورية تلتزم الحد الفاصل بين تجمع الرجال والنساء. جمع لا تجده عادة في جملة واحدة، لكن في المجتمعات العربية هناك دائما مكان لكل ما هو مستحيل. أما في تظاهرات اليمن فلا تجد الحاجز الفاصل المعدني الذي وضع في ليبيا بين المشاركين والمشاركات، لكن الصورة تنقسم تلقائيا، النساء هنا والرجال هناك.
يمكن للمرأة أن تثور، ويمكنها أن تقتل ولها الحق بأن تعود إلى منزلها أمّا لشهيد أو شقيقة أو زوجة له، يمكنها أن تجوب الشوارع كلها وتصرخ بوجه أعتى الطغاة، لكن عليها أن تقوم بذلك في أطر حددت لها من قبل رفاق الثورة:quot;فلنسقط الطاغية معا لنعود الى منازلنا بعد ذلك ونبقى نحن quot;ملوكاquot; على عروشنا المعترف بها إجتماعيا ودينياquot;.
متى يحين موعد الثورة على أنظمة quot;سي سيدquot;؟ ثورة تطيح بالهيمنة الذكورية على كل صغيرة وكبيرة في المجتمعات العربية التي تعطي للمرأة بعضا من حقوق لا تلبث أن تنكرها عليها فور تعارضها مع quot;حقوق الرجلquot;. وفي هذا الاطار يمكن القول ان الدول العربية تنقسم الى قسمين، دول تعاني فيها النساء دكتاتورية ذكورية تدعمها القوانين والعادات والتقاليد والعقليات الرجعية المتحجرة، ودول تتمتع فيها النساء بالحد الادنى من حرية ملغومة.
لعل اللغم الأول الذي يواجه المرأة في كلتا الحالتين هو مسمىquot; المجتمعات الشرقيةquot; وما يندرج تحته من ظلم وتعنت وإستبداد وقمع وسلب للحد الأدنى من الحقوق البشرية. وحبذا لو يتم وضع تعريف للمجتمع الشرقي دون أن يتضمن عبارات الشرف والعرض والعار وغيرها من الكلمات الرنانة التي لا تحمل سوى ثقل لغوي لا أكثر في مجتمعات عربية تعاني quot;مجاعة جنسية quot;- وهذا هو اللغم الثاني. في كل المجتمعات العربية وفي كل الدوائر سواء المحافظة منها أو المتحررة، لا همّ للرجل سوى الجنس. قد يكون الرجل ملتزما دينيا وقد يكون ملحدا قد يكون يمينيا وقد يكون يساريا تبقى المقاربة الموحدة تجاه المرأة هي الجنس. هدف يبرره ويحلله الرجل لنفسه تحت مسميات عدة، أولها ديني وآخرها متحرر لتكون في نهاية المطاف غاية وانجازًا له ودورًا مؤطرا لها وعارا إن تجرأت وأقدمت عليه خارج ذلك الإطار الشرعي.
تدخل المرأة هذا الإطار لأنه الخاتمة المحددة سلفا لها وحيث للرجل مكتسبات quot;شرعيةquot; عدة محسومة لصالحه إجتماعيا ودينيا. مكتسبات يتفنن في تنفيذها في إطار مؤسسة أثبتت فشلها على نطاق العالم كله باختلاف أديانه وعقائده وجنسياته، الا وهي مؤسسة الزواج. وإن حاولت المرأة الخروج من هذه المؤسسة فإنها تجد نفسها أمام معضلة كبرى، من جهة لدينا النص الديني ولدينا تفسيراته ومن جهة اخرى لدينا التطبيق والتأطير والمواءمة وفق ما تقتضيه الضرورة.
في هذه المرحلة تصبح المرأة quot;شرعاquot; تحت رحمة الرجل، له الحق كله ولها المزيد من المعارك للحصول على ما يثور العالم العربي لاجله.. الحرية. فلا هي تملكها حين تكون تحت رعاية الأب أو الأخ ولا تتمكن من تحقيقها حين تصبح في عهدة الزوج، وإن تمكنت ( ونشدد هنا على كلمة تمكنت ) من الخروج من مأزقها الأخير فإنها تجد نفسها بمواجهة المجتمع الذي حاولت الهرب منه اصلا، وإنما هذه المرة فستكون الأنياب أكثر حدة.
ألا تستحق حرية المرأة ثورة؟ وألا تستحق هذه المجتمعات إنقلابا يطيح بأعرافها وتقاليدها وقوانينها الجائرة والمهينة؟
حين خرجت الشعوب العربية الى الشوارع وتصدت بصدورها العارية للرصاص، وحين باتت في العراء وتحت المطر لأسابيع، وحين إنهمرت عليها صواريخ ورصاص الطغاة، كان الهدف واحدا..الحرية والعيش بكرامة بعيدا عن القمع وتكميم الأفواه والفوقية والإستبداد والتحكم بمصائر العباد.
للحظة فقط ليسأل كل ثائر أو مشروع ثائر نفسه، هل يريد فعلا أن يكون نسخة مصغرة عمن يثور بوجهه؟ هل يريد أن يبقى الحلقة المكملةquot; للذهنية الذكوريةquot; المهيمنة على المجتمعات؟ فليعلن كل رجل موقفه، إما ثائر ضد كل أنواع الدكتاتوريات والقمع أو منافق.