quot;سلمية ndash; حريةquot; شعار جميل جداً، لطالما يردده آلاف السوريين في مظاهراتهم، التي لازالت محدودة الحجم والانتشار حتى لحظة كتابة هذه السطور، لكن هذا الهتاف الانساني والمدني البسيط، الذي ينطلق من حناجر الفتيات الفتيان السوريين في عدد من المدن السورية، يبدو انه يستفز مشاعر النظام، ويدفعه لتحريك الجيوش المدججة بالسلاح، ويصدر الاوامر لتحليق أسراب الطائرات الحربية والعمودية، فضلاً عن تطويق مدن بأكملها بالدروع والدبابات، وبالتالي قتل الناس العزل، وخاصة الذين لا زالو في ريعان الشباب quot;العدو اللدود للانظمة المستبدة والفاسدةquot;.
ان سوريا كأي بلد آخر في الوطن العربي، سوف لن تكون بمعزل عن رياح التغيير والثورات، التي تهب على المنطقة، ولا تستطيع المدرعات ولا الطائرات ولا القناصة اوالمرتزقة اوالبلطجية، الوقوف في وجه تسونامي الشبيبة العربية، التي تحولت بعد نار الشاب التونسي quot;البوعزيزيquot; الى كابوس للحكام وحاشياتهم من المشرق الى المغرب. وسوريا quot;البعثquot; شأنها شأن غيرها من دول المنطقة، ان لم نقل انها اسوأ حالاً من مثيلاتها، التي تشهد احتجاجات ومظاهرات شبابية تطالب بالتغيير او برحيل الانظمة.
ومن خلال القاء نظرة سطحية، او اجراء مقارنة جداً بسيطة، بين واقع الحال في سوريا، وفي الدول العربية الاخرى، نرى بأن وضع سوريا اسوأ بكثير حتى من وضع اليمن quot;السعيدquot;. فنسبة البطالة اكبر بكثير بين السوريين مقارنة مع الشعب اليمني، رغم ان سوريا دولة غنية جداً بمواردها الطبيعية، مقارنة مع اليمن او الاردن او لبنان او فلسطين او تونس.... لكن رغم ذلك، فأن الشعب السوري برمته، يكاد ان يكون تحت خط الفقر، علاوة على ان نسب مخيفة من السوريين، يعيشون على حافة المجاعة او على شفا حفرة منها.
اما ليبيا، فلا يوجد مقارنة بين شعبها وبين الشعب السوري، والهوة شاسعة بينهما، من كافة المناحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ايضاً، وهنالك تفاوت كبير جداً بين نسبة دخل الفرد في البلدين، لصالح الفرد الليبي طبعاً، والامر ذاته ينطبق على التونسيين والمصريين وغيرهم، مع بعض التفاوت بين هذا البلد وذاك. وفي هذا الاطار فأنه من المخجل، ان نجري مقارنة بين مدخول الفرد السوري والبحريني.
وبالنسبة للنواحي السياسية، فلا شك ان النظام السوري اسوأ حالاً من الجميع، لان احتقانات الوضع الداخلي السوري باتت لا تحتمل، ومعالجة الاخطاء بالاخطاء طيلة اربعة عقود مضت، ادت الى تراكم هائل لكم كبير من الاخطاء، دون ادنى محاولة لايجاد حلول لها، كالقضية الكردية العادلة مثلاً، والتي لا زال حوالي نصف مليون من المواطنين الكرد محرومين من الجنسية السورية، الذين جردوا منها في احصاء عام 1962، مع العلم انهم كانوا مواطنين اصلاء قبل ذلك التاريخ، وكذلك تطبيق الحزام العربي منذ عام 1973 بموازاة الحدود التركية، الذي سلب الكرد اراضيهم التي ورثوها عن ابائهم واجدادهم، بطول 375 كم وعرض من 15 الى 20 كم، و منحها الى قبائل عربية استقدمتها النظام بالقوة من المحافظات الداخلية كـ حلب والرقة، وبالتالي زرع اكثر من اربعين مستوطنة، بين ظهراني الكرد منذ ذلك الحين.
اما المرسوم الرئاسي رقم /49/، الذي اصدر في نهاية عام 2008، والذي يعتبر كردستان سوريا برمتها منطقة حدودية، وبالتالي يمنع فيها منعاً باتاً بيع وشراء وكذلك تأجير العقارت الزراعية والسكنية والتجارية، الا بعد استحصال الموافقات من وزارات الزراعة والداخلية والدفاع، وعن طريق الاجهزة الامنية بالذات، مما يعني استحالة حصول اي مواطن كردي على اي رخصة، الامر الذي ادى الى شل الحركة الاقتصادية في تلك المناطق، ونزوح مئات الآلاف من ابناءها صوب المدن السورية الكبرى، بحثاً عن لقمة العيش.
ان مجمل هذه المشاريع والمراسيم العنصرية، تدخل في اطار تغيير ديمغرافية كردستان سوريا، من خلال محاربة شعبها اقتصادياً وحرمانهم من كسرة الخبز، وهي ترقى بالتالي الى مستوى الابادة الجماعية لشعب اعزل، لكن بهدوء وصمت مطبق ودون ادنى قرقعة للسلاح.
واذا كانت شعوب الدول المذكورة آنفاً، افضل حالاً بمجملها من الشعب السوري، فلماذا يا ترى ينتفضون في وجه انظمتهم، ولماذا لا يجوز للشعب السوري ان ينتفض، طالما لا تبادر السلطات بأية اصلاحات، سؤال برسم النظام السوري؟
- آخر تحديث :
التعليقات