يُحمد لفكر جماعة الإخوان المسلمين السياسي إصراره عبر المنافذ الإعلامية والحوارية حرصه العقلاني علي تنقية سريرته من كل ما يُسئ له دينياً ودعوياً وسياسياً وحقوقياً..
ويُحمد له أيضا إعترافه بالواقع المجتمعي الذي يعيش خلاله دون مزايدة علي أحد..

أقول هذا بمناسبة ما شهدته الساحة المصرية منذ منتصف نهاية شهر يناير الماضي من أحداث ووقائع دفعت إلي السطح بالكثير من المقابلات والتعليقات التى أبان بعضها عن فهم وتقدير لما شهده الوطن من ثورة شبابية ذات غطاء شعبي فتحت الباب علي مصراعيه للعديد من التغيرات التى بدأت بسقوط رأس النظام وما تبعه من تعديلات وتغييرات، وأزاح بضعها الآخر الستار عن جمود وتعصب شديدين تجاه غالبية القضايا والملفات التى ستُحدد في القريب العاجل مسار هذا الواطن ومسيرته إلي الإستقرار والأمن والتنمية..

حرصت قيادات جماعة الاخوان منذ اللحظات الأولي علي المصداقية فيما يجري علي لسان قادتها والمتحدثون باسمها.. فلا هي تضخم من أعداد كوادرها أو تبالغ في سقف طموحاتها علي الأقل في المرحلة الحالية، وانما تعمل علي سرد واقعها وحقيقة تواجدها بما يتطلبه ذلك من شفافية، مما جعل الكثيرون يستبشرون خيرا بما يخطط قادتها لمستقبل عملهم الدعوي والسياسي العلني علي مستوى المجتمع والوطن ككل.. ولا هي تنفي القدرة علي العمل السياسي المعترف به بعد ان ازاحت ثورة 25 يناير من طريقها ndash; هي وغيرها من القوي السياسية المصرية السلمية ndash; معظم الأجهزة الأمنية التى كانت تقف حجر عثرة بينها وبين بقية شرائح المجتمع والتى كانت تستخدمها كفزاعة للمواطن، مما فتح الباب لها علي مصراعية لكي تتواصل مع المواطن : تعرض عليه فكرها ومنهجها وتسمع منه ما يقلقه في غده وما يمكن ان يحفزه علي التعامل معه..
علي الجانب الآخر..

اقول وببالغ الأسف هناك من القوي الاسلامية التى ليست في حجم ولا قوة جماعة الإخوان المسلمين، من:
-قام بإستغلال مساحة التحرر الوطني التى فَرشت ثوبها في كل مكان لكي يعرض برنامجه السياسي المُنفر لغالبية الرأي العام المصري المستنير قبل ان يكون مستفزاً لبقية الآراء التى يضمها المجتمع.. يقلل من شأن المرأة ويرفض الإعتراف بمبدأ المواطنة ويبشر بإقصاء الآخر حتى لو شاركه الإيمان بنفس العقيدة ويرفض الدولة المدنية ويسند كل امور الحياة للعلماء ويستدعي ماضي الزمان ليكون مرجعيته في الحكم.. إلخ.. واضعاً نفسه في خانة نظام حكم سبق أن أذله وأقصاه وقهره، ولولا مطالبة ثورة يناير بإسقاطه لبقي علي حالته هذه إلي يومنا هذا!!

-ومن راح يصول ويجول مبشراً بنصر يدعي تحقيقه بعد مبارزة بالسيوف بالقرب من صناديق الإستفتاء حول بعض مواد الدستور ملوحاً بأن الباب مفتوح لمن لا يعترف بدور الدين في تضاعف عدد القائلين بـ quot; نعم quot; علي حساب القائلين بـ quot; لا quot;، أن يهاجر خارج البلاد..
-ومن واصف نتائج quot; غزوة الصناديق quot; بأنها قسمت مصر إلي فسطاطين أحدهما إنضوي تحت لواء quot; أهل الدين quot; والثاني انضم إلي quot; المعادون للدين quot;.. محملاً نفسه خطيئة تفكير الملايين ممن يدينون بالإسلام ويعرفون حق المعرفة شرع ربهم وسنية نبيه عليه السلام..

-ومن انتهز الفرصة لكي يثأر من بعض الشخصيات المسئولة عن ادارة العمل اليومي بحكومة البلاد الحالية كما فعل بعض المحامين الذين قدموا مذكرة اتهام في حق نائب رئيس الوزارء الدكتور يحي الجمل قالوا فيها quot; انه تحدث بطريقة لائقة عن الذات الإلهية quot; وذلك عندما اجتزءوا جملا من حديثه له بالفضائية المصرية حول اختلاف سكان العالم اجمع حول حقيقة وجود الله سبحانه وتعالي !! بل وطالبوه بالتوبة وحرضوا المواطنين علي التقدم بطلب إلي قادة المجلس الاعلي للقوات المسلحة quot; لأقالته quot;.. وهم الذين كانوا إلي الامس القريب يعانون اشد المعاناة من خطاب الحزب الوطني التحريضي ضدهم وكانوا يجأرون بالشكوي من اضطهاد لجنة سياساته لهم..
كل واحدة من هذه القوي تدعي لنفسها حق التحدث بأسم الدين..
و تحلم بان تخطف ثمار ثورة الشباب الشعبية..
أو علي الاقل تمهد لفرض الوصاية عليها..

ولكنها لا تعي ان هذا الطريق لا يحقق لها هدفها.. أولا لأنه هدف غير مشروع وثانيا لأن الشباب والقوي الشعبية التى ساندته منذ البداية تعرف حق المعرفة من هو معها بقلبه وقابله لأجل صالح الوطن، ومن يعمل علي ركوب الموجة عن أنانية وحب ذات ليس فيه ذرة من حب الوطن ولا مصلحته..
أقول عن يقين ان غالبية القوي السياسية في مصر.. سواء كانت دينية أو ليبرالية أو إشتراكية أو قومية، عانت الكثير منذ بداية تسعينات القرن الماضي فيما يتعلق بحرية العمل بين الجماهير وعانت كثيراً من الإقصاء والتهميش والإعتقال.. وبعضها فقد مصداقيته بسبب تقاربه مع الحزب الوطني وحكومته مما جعل نخبه وكوادره يهجرونه بسبب الصفقات المشبوهه التى رضي ان يقعدها مع كل منهما.. لكن والحق يقال أن أحداً منها لم يفكر في الاعتراف بحقيقة قدراته كفصيل من الفصائل السياسية التى تعمل ضمن شرائح المجتمع المصري، إلا جماعة الاخوان المسلمون..

لسنا علي خلاف مع الحركات الاسلامية سواء كانت دعوية او سياسية، طالما أنها تقدم فهماً بشرياً للدين.. لأن كلامها في هذا الاطار لن يكون مقدساً.. ومن هنا يستطيع كل من يملك حق الرد أن يعلن قبوله أو رفضه له دون ان يُفسر الرفض من منطلق انكار صاحبه لما هو معلوم.. أو يبلغ موقف هذه الحركات منه حد تكفيره وإعلان خروجه عن الملة !!..
لسنا علي خلاف معها أيضا طالما تعترف بالتعددية الفقهية وأنها تقف في نفس الخندق مع حرية التعبير والتدين ومع الحريات المجتمعية الأخري التى تتعايش معها سليما داخل المجتمع.. لأن حجبهم لهذه التعددية وانكارهم للحريات المجتمعية يضعهم في صف القوي الديكتاتورية مما ينعكس سلبا علي صورتهم خاصة لدي بسطاء الناس الذين يمثلون أوسع دوائر تحركهم الدعوي والسياسي والحقوقي..

ولأننا لسنا علي خلاف معهم من ناحية ونثق فيهم وفي قدرتهم علي استيعاب دعوتنا هذه من ناحية أخري، نقترح عليهم..
-مراجعة مواقفهم السياسية والدعوية وأن يعملوا علي إستبعاد ما يجعل الغالبية تُحجم عن الإنضمام إليهم وتأييدهم، أو علي الاقل فتح الأبواب للإلتقاء معهم حول عدد أكبر من نقاط التفاهم والتراضي..

-توسيع ميدان قناعتهم بإقامة الدولة المدنية والتعبير بأيسر السبل عن إحترامهم لشكلها وهيلكها الذي ترتضيه الغالبية من أبناء المجتمع، والذي هو في نهاية المطاف نتاج فكر سياسي مصري يجمع بين وسطية الأديان جميعاً وبين تراث وحضارة المجتمع علي إمتداد العصور..
-التقين من أن معاناتها التى نبعت من إستخدام نظام الحكم المصري السابق لها كفزاعة لإخافة الداخل والخارج لا تمنحها حق الإنفراد بخطف الثورة الشبابية الشعبية، لأنها ليست سوي فيصل من بين فصائل وقوي سياسية كثيرة تتفاعل علي إتساع رقعة المجتمع دون ان يكون لأي منها الهيمنة أو القدرة علي التربع بمفردها علي القمة..
-أن لا تخلط بين العمل الحزبي والجهد الدعوي، لأن لكل منهما أدواته ونظرته الكلية للعمل علي مستوى المجتمع.. فالحزب يجمع في إطاره كل المواطنين دون تفرقة بسبب النوع / الجنس أو اللون أو العقيدة وفق ما يرتضيه أنصاره من قيم وما يتفقوا عليه من مصالح قابلة للأخذ والرد والتطوير والتحديث وربما الإنتهازية السياسية..
-رفع شعار الشفافية والعلنية في كل ما تدعو إليه وعلي كافة مستويات تعاملها مع الواقع حقوقياً ومالياً وإعلامياً.. وأن تفتح جميع دفاترها للمراجعة الجماهيرية وأن تُخضع نفسها للمساءلة من جانب أعضائها..

لأن تجربة الاستفتاء ( يوم 19 مارس الحالي ) على بعض مواد الدستور المصري التى عُدلت مؤخراً برهنت بجلاء فاق كل التوقعات علي quot; ضرورة وحتمية quot; ان نحترم جميعاً أن المواطن المصري لم يَعد قابلاً للإنقياد بعد اليوم.. وأنه قادر علي التخلص من بذرة الفتنة الطائفية والعنصرية.. وأنه قادر علي الحوار وممارسة حقوقه سلمياً.. وأنه لن يقبل بعد اليوم من أي فرد مسئول أو غير مسئول أن يعتدي عليه أو يحرمه من ممارسة حقوقه..

لذلك ستبقي جماعة الإخوان المسلمين ndash; في رأي - رائدة في تعاملها بندية مع غيرها طالما تمسكت بمنهج الإعتراف بالآخر عبر مصداقية وشفافية تُلزم بها نفسها قبل أن تطالب بها كل من هم حولها من تنظيمات حكومية وشعبية دعوية كانت أو سياسية أو حقوقية..

bull;استشاري اعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]