من الخطأ أن نضع كل الدول العربية في سلة واحدة عندما نتحدث عن الثورات أو الإنتفاضات الشعبية. فلكل بلد ظروفه الخاصة به. لكن الملاحظ أن أغلب الدول العربية تشترك في هم واحد وهو التهميش السياسي وسوء الأوضاع الإقتصادية مع معدلات كبيرة في البطالة، ومن هم دون مستوى خط الفقر، وزيادة الأمية، والأهم هو غياب المشروع الوطني والنظرة التفاؤلية للمستقبل. وعلى هذا الأساس يتسائل البروفسور تورن تينسخو من جامعة ستوكهولم في مقالة له في صحيفة سويدية، بأن السؤال الذي يجب أن يطرح هو: ليس لماذا تحدث الثورات، بل الأصح أن يقال، لماذا لاتحدث الثورات؟ فهو يشرح حدوث الثورات وفي الاخص الثورة المصرية في ثلاث نظريات مختلفة مأخوذة من مشروع بحثي بين جامعة ستوكهولم وجامعة روديس في جنوب أفريقيا.

فالنظرية الأولى تعتمد على التفسير التقليدي في إشارة لتوظيف الأيدلوجيا حين تقول، أن الطبقة الحاكمة أستطاعت أن تلقن الطبقة المهمشة والمضطهدة بأن كل شيء يجري كما ينبغي له أن يكون، والشعب لايستحق أكثر مما حقق من مكاسب أو على الأقل لايمكن أن يكون الوضع أفضل من ذلك بأي حال من الأحوال، فليس بالإمكان أحسن مماكان. إضافة إلى ذلك يلقن المضطهدون بأن الحياة تعيسة ولاتستحق أن تعاش والعالم هو أسوء مكان نعيش فيه، لذلك فنحن نلنا الأفضل بين شعوب العالم. النظرية الثانية تعتمد في تفسير الثورات على أن المضطهدون يحصلون على قدر كاف من التنسيق فيما بينهم لإحداث سلوك جماعي. أما الشعوب التي لاتنتفض فذلك بسبب إنهم لايملكون القدر الكافي من التواصل والتنظيم وتبادل الأفكار فيما بينهم لإنتاج سلوك محدد تجاه السلطة الحاكمة. بالإضافة لذلك يكون المتسلط صاحب السبق بالتنظيم والتسليح على قلة عدده. ودليل على ذلك أن هناك سجن يسمى (سنج سنج) حيث يعمل فيه المئات من السجناء في كسر الصخور بلا قيود مع عدد قليل من الحرس المسلح. يتسائل الكسيس دي توكيفيلي المؤرخ والسياسي الفرنسي لماذا لايقوم السجناء بالإنتفاضة على ظروفهم الصعبة؟ الجواب جدا سهل عند توكيفيلي وهو أن السجناء لايتحدثون لبعضهم، ولو تحدثوا لأحدثوا ثورة. أما النظرية الثالثة فهي من نصيب مدرسة شيكاغو الإقتصادية أصحاب نظرية الخيار الشعبي. هذه النظرية تنظر للإنسان على إنه كائن إقتصادي صاحب نظرة عقلية نفعية. فالإنسان أناني بالطبع، وعلى هذا الأساس يتم حساب الربح والخسارة في الخروج في ثورة. مالم يوجد حافز كاف للإنسان فئنه لايمكن أن يخرج في ثورة، لاسيما وإنه سيكون غير مرئي بين الحشود،لذلك ينتظر الآخرين بالخروج قبله، فإن نجحت الثورة ركب موجتها وإن فشلت فإنه لايعرض نفسه للخطر بأي حال من الأحوال.

يعتقد البروفسور تورن إن لا أحد من تلك النظريات بمفرده ينطبق على الحالة المصرية، لكنه يقدم تفسيرا ً مدمجا ً بين النظريات السابقة. فقد وجد الفيس بوك للتواصل وحين قطع التواصل صارت ساحة التحرير مكان التواصل البديل والتي جاهد النظام السابق للسيطرة عليها لقطع حالة التواصل تلك. ويقدم بعض التفسيرات لحدوث الثورات حيث يقول. لابد أولا ً أن يشعر المضطهدون أنهم كأفراد في وضع لايحسدون عليه ولاسبيل للخروج منه إلا من خلال التضامن والسلوك الجماعي. ثانيا ً، لابد أن يفهموا بأن الوضع السياسي الراهن مستقر ولايمكن أن يتغير إلا بحدث معين. ثالثا ً، لابد أن يكون هناك مثال ناجح للثورة يحتذى به، كالمثال التونسي بالنسبة لمصر، حيث يرون أناسا شجعانا يضحون من أجل تحريك الشارع.

إذن، هذا مايعتقده البروفسور تورن، ولكن هل يمكن أن ينطبق هذا التفسير وتلك النظريات على باقي الدول العربية؟ أعتقد بأن هذا التفسير يمكن أن ينطبق على الحالة التونسية والمصرية إلى حد كبير، إي المجتمعات المتجانسة نسبيا ً، لكنه غير ملائم لحالات كثيرة في عالمنا العربي. فالكثير من الدول العربية، لاسيما الخليجية منها، لها علاقات اجتماعية ذات طبيعة قبلية. حيث تهيمن بعض القبائل أو الفئات على مقدرات البلد باجمعه. ومن جهة أخرى، تلعب المؤسسة الدينية ربما دورا ًحاسما ًفي توجيه الجماهير بإتجله معين، وغالبا ًماتمثل هذه المؤسسات الوجه الطائفي للدين. فالدول ذات التنوع الإثني والطائفي، كسوريا ولبنان، تكون أقل عرضة للثورات في وضع لايمكن للمؤسسة الدينية أن تقف على الحياد. أما الدول التي تقع على خط التماس الطائفي، كالعراق والبحرين، فإن أي تحرك شعبي يمكن أن يولد إصطفافا ً طائفيا ً فيضيع الحق على أهله.

لكن، وكما يبدو، فإن الطبقات الحاكمة قد فهمت طبيعة العلاقات الاجتماعية لتستغلها محاولة المحافظة على السلطة. فترى الحكام يعتمدون على عنصرين أساسيين في مسك زمام الأمور. الأول هو الإرتكاز على القبيلة أو القومية حيث يستغل الحاكم مصادر الثروة لتمكين قبيلة أو قومية على أخرى، وذلك لإنشاء شبكة من المصالح تكون له سند قوي في الحفاظ على السلطة، وهذا مافعله صدام حسين في قمع إنتفاضة 1991، ومايفعله القذافي وعلي عبد الله صالح. فهؤلاء يحركون شبكة المصالح المرتبطة بهم من أجل كبح الثورات والتمرد أو خلق ثورة مضادة. أما العنصر الثاني فهو إرتكاز السلطة على المؤسسة الدينية من خلال الدعم المادي وذلك لتكريس خطاب ديني واحد، وغالبا ً مايكون طائفيا ً لضمان شق الصف حسب نظرية فرق تسد. فتعمل المؤسسة الدينية كما في النظرية التقليدية الأولى بإشاعة الروح القدرية والغيبية في تفسير الأمور. فليس بالإمكان أفضل مما كان. وتقوم تلك المؤسسات بإصدار الفتاوى التي تحرم الخروج على ولي الأمر بحجة عدم إشاعة الفوضى، مهما كانت الظروف والنتائج عن عدم الخروج. ولتلك المؤسسة الدينية مايدعمها الكثير من الأحاديث في التراث الإسلامي في النهي عن الخروج على الحاكم. بالإظافة لذلك، تقوم تلك المؤسسات بدعم الحاكم بحجة الحفاظ على المذهب أو الطائفة الحقة محولة الأداء السياسي إلى أداء طائفي إنطلاقا ً من تفسيرات دوغمائية للدين، ومن خلال نشر فكرة الفناء والتحول إذا ماوصل الآخر لمراكز السلطة وإتخاذ القرار.

إذن، لانستطيع أن نفسر كل الحركات الثورية من خلال نظرية واحدة. فلكل بلد ظروفه الموضوعية والتي يمكن أن لاتؤدي لثورة أو تؤدي لحرب إثنية أو طائفية إن حدث تحرك شعبي. لكن، يبقى الوعي الشعبي هو الوحيد الذي يمكن أن يتغلب على التصور القبلي والطائفي لمفهوم الدولة ويمكن أن يسيطر على اللأداء الشعبي ليخلق متنفسا ً للشعوب بأن تثور وهي موحدة بلا خسائر تذكر فيخلق سببا ً مقنعا ً للثورة متجاوزا ً عقلية الحاكم بطريقته في الحفاظ على السلطة.

[email protected]
http://www.elaphblog.com/imadrasan