من نافل القول ان المصالح الأمنية والسياسية والمذهبية هي نقطة ارتكاز للمحور الايراني المكون من نظام الملالي الايراني، وحكومة المالكي العراقية، والنظام العنصري الديكتاتوري في سوريا، وحزب الله المسيطر على الحكومة في لبنان. هذا المحور يمثل الشريط الشيعي في المنطقة ويدعم النفوذ السياسي الاسلامي الايراني المتطرف.

المحور التركي المخفي المجابه للمحور الايراني، يرتكز على مبدأ النظام الاسلامي السني المعتدل المدعوم من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئاسة البروفسور التركي احسان الدين اوغلو، ومن جماعة فتح الله غولان الذي يعتبر الاب الروحي لرجب طيب أردوغان وفي الوقت ذاته العميل المخلص لأمريكا، والأهم من كل ذلك هو الارتباط الوثيق بين حكومة حزب العدالة والتنمية والادارة الامريكية وانكلترا المكملان للدور التركي في العالم العربي والاسلامي بمباركة من الدولة الاسرائيلية، أو ما يسمى بالمحور الانكلو الامريكي التركي الاسرائيلي.

ان سوريا الدولة الاقليمية المهمة تمثل المنافسة الجغرافية السياسية في الشرق الاوسط بين تركيا وايران، اضافة الى تنافسهما ايديولوجيا. يقول أردوغان من خلال ايديولوجيته الديماغوغية: يجب ان تكون تركيا نموذجا للعالم الاسلامي، وصوتا للمسلمين في مختلف أنحاء العالم وهذا ما يعتبره نظام الملالي تهديدا لطهران.

ان العلاقات التركية الاسرائيلية بجميع اتفاقاتها الامنية والعسكرية والاقتصادية لم تتغير، لا قبل عهد حكومة العدالة والتنمية، ولا خلاله. ان تبني أردوغان للمصالح الفلسطينية والدفاع عن غزة وحكومة حماس المستقيلة، وهجومه الكلامي على اسرائيل اثناء فك الحصار عن غزة، وتصدي اسرائيل لاسطول الحرية، ليس إلا دعاية اعلامية رخيصة للعثمانيين الجدد، وتعبير عن خلافات وهمية بين اسرائيل وتركيا، للاستخفاف بعقول الحكومات العربية، والتشويش على عقل المثقفين العرب تجاه قضاياهم الوطنية لإحتضانهم في دائرة العثمانيين الجدد. ان اردوغان يستهدف من وراء ذلك تهيئة الظروف السياسية الملائمة لتنظيم الاخوان المسلمين في العالم العربي لاستلام السلطة، وتبين ذلك بكل وضوح في رفع العلم التركي في انتفاضات الشعب العربي الموجه من بوصلة الاخوان المسلمين وراء الكواليس.

ان تدخل الدول الاقليمية بشؤون الانتفاضة الشعبية، ثم تعقيد الازمة السياسية في سوريا، وتعامل النظام بالاسلوب الامني والمخابراتي والشبيحة الى جانب العسكري مع المتظاهرين العزل الذين يطالبون بالاصلاحات الجذرية في البلاد، وأخيرا بإسقاط النظام، سوف يقود بشعب سوريا الى المستقبل المجهول. وبحسب المعطيات الحالية على الساحة السورية يظهر ان الأحداث تتجه نحو المزيد من التعقيد والتصعيد لسببين: اولهما رفض النظام السوري للاصلاحات الجذرية التي تطالب بها الشخصيات السياسية الوطنية والمثقفون الاحرار. وثانيهما تحريض الحكومة التركية لعملائها في الداخل والخارج لتصعيد الموقف لاجل تسهيل شروط التدخل العسكري على الحدود السورية، كما ظهر ذلك في قول اردوغان : ان علاقات تركيا هي مع الشعب السوري وليس مع النظام السوري.

المعارضة السورية الوطنية تكاد ان تكون معدومة وهشة، لا يوجد هناك تجمع للاطراف السياسية كأحزاب معارضة للتفاوض مع السلطة والتعبير عن مطاليب الشعب السوري في الديمقراطية والحرية والحياة الكريمة، والتعددية الحزبية، واحترام صاحب الرأي. الاحزاب الموجودة حاليا على الساحة السورية هي تابعة للسلطة، لا حول لها ولا قوة، سوى الركض وراء مصالحها الشخصية والحزبية. الحزب الوحيد والمنظم الذي يلعب في الخفاء دورا مهما في توجيه الانتفاضة الشعبية واستثمار شعور المتظاهرين لصالحه، هو حزب الاخوان المسلمين في الداخل والخارج المدعوم تركيا وامريكيا، ومن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

ان المؤتمرات التي تعقد في الخارج تحت يافطة المعارضة السورية هي خاضعة للنموذج الاسلامي التركي، وتحت سيطرة الاخوان ومن يدور في فلكهم من الانتهازيين واصحاب المصالح.

ان نظام الملالي الايراني يعتبر ان سوريا عمقا استراتيجيا له لا يمكن التنازل عنه، وسوريا خط احمر لايران لا يمكن غض النظر عنها، بالاضافة أنها احدى الحلقات المهمة والاساسية في حياة الهلال الشيعي في المنطقة، فضلا عن العلاقات الاقتصادية والثقافية، ومعاهدة الأمن المشتركة بين البلدين في حالة أعتداء خارجي، ومن هنا جاء التهديد الايراني لأي تدخل خارجي في شؤون الدولة السورية، لذلك ترمي ايران بكل ثقلها ضد الانتفاضة الى جانب حليفتها في دمشق بحيث هناك تنسيق في أعلى المستويات، على ان يلعب فيلق القدس الذراع العسكري للحرس الثوري الايراني في الخارج دورا فعالا في التصدي للانتفاضة الشعبية في سوريا والدفاع عن النظام في حال اي تدخل خارجي.

اما تركيا تعتبر الوضع المتأزم في سوريا خطيرا جدا، قد يؤدي الى زعزعة الاستقرار في تركيا والمنطقة برمتها، ويقصد في هذه الحالة القضية الكردية المتطورة سياسيا في سوريا وتركيا، حيث يفصل بين البلدين على طول 800كم خط وهمي فوق ارض كردستان. ان أردوغان فقد العراق وخرج منه بخفي حنين بعد الزيارات العديدة والمتكررة لبغداد وأربيل، وهو الآن لا يريد ان يفقد سوريا حتى لا يختنق ويكون النفس الاخير له، كون سوريا هي الرئة للدولة التركية التي تتنفس من خلالها، لأن مشروع النموذج التركي والعثمانيين الجدد ينطلق من بوابة سوريا.

ان خلق مشكلة اللاجئين التي تمت بتشجيع تركي لدخول أراضيها على الحدود تسهل الطريق أمام تركيا بإغلاقه بحجة ازدياد العدد عن الطاقة التركية مع تشكيل منطقة أمنية عازلة داخل الاراضي السورية، ليكون بمثابة حجة مقبولة لأي تدخل عسكري تركي، وربما دولي، ثم تسليح عناصر اسلامية مدربة، ومعارضة اخرى، لإدخال الشعب السوري في حرب أهلية، وهي أخطر السيناريوهات التي تجلب الفوضى والدمار للبلد، اضافة الى معاناة الشعب من ظلم النظام، في هذه الحالة لا يستفيد منها أحد سوى تركيا والاسلام المنضوي تحت لوائها.

ان رهان تركيا على بشار الاسد أصبح في خبر كان نظرا لرفضه المقترحات التركية الأخيرة والدعم الايراني المباشر له، فلم يبقى أمام أردوغان سوى الرهان على اخوان المسلمين في تسليحهم، وهنا يكمن الخطورة في المواجهة الاقليمية وتحولها الى بركان يحرق المنطقة.

والسؤال هنا على ماذا تراهن الاحزاب الكردية في غياب جبهة وطنية قومية موحدة ؟ هل تراهن على الانتفاضة الشعبية التي تملأ شوارع المدن السورية والتي أصبحت جسما بدون رأس، كما هو الحال في انتفاضات البلدان العربية الاخرى؟. أم تراهن على الشعارات العامة التي يرددها المتظاهرين والخالية من المطاليب الكردية في الادارة الذاتية والحقوق القومية للشعب الكردي، علما ان قيادات احزابنا الكردية تدرك جيدا بأن الساحة السياسية المستقبلية ستكون للنفوذ التركي وسيطرة الاخوان المسلمين، نظرا للفراغ السياسي الذي تعاني منه أحزاب المعارضة السورية الوطنية في مجال التنظيم، وضعف القاعدة الشعبية لهذه الاحزاب، ولكون الوضع الكردي ليس أفضل حالا. لذلك على جميع أطياف المجتمع الكردي السياسية والمدنية، ان تبادر بأسرع وقت ممكن اللجوء الى بناء جبهة وطنية وقومية على اسس واضحة وشفافة للخروج من هذا المأزق قبل فوات الأوان، وأن تفرض نفسها بإرادة واحدة وخطاب موحد على الساحة السياسية السورية، حتى يكون الكرد مفتاحا للحل في الديمقراطية والحرية لكل السوريين، رغم عنصرية أعداء الكرد في الداخل والجوار.

طبيب ومحلل سياسي كردي