بعد بذل مساعي كبيرة ومحاولات عديدة لحلحلة الوضع الناتج بعد الانتخابات البرلمانية، وتدخل الرئيس الامريكي باراك اوباما ونائبه جون بايدن تم تشكيل الحكومة برئاسة نوري المالكي واقتراح المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية برئاسة اياد علاوي رئيس القائمة العراقية، وبعد مرور أشهر على المشهد المدعوم بالتوافق السياسي عادت العلاقة بين المالكي وعلاوي الى المربع الاول وكأن شيئا لم يكن في السابق، والمثير نجد كل منهما يخرج بين فترة وفترة بتصريحات نارية تحمل طابع التنافر الشديد بينهما بدل التقارب والتفاهم والتحاور لوضع المصلحة العليا للعراقيين فوق كل اعتبار شخصي بغض النظر عن احقية اي منهما بالسلطة الفعلية لادارة العراق. ولا شك أن الخلافات الاخيرة التي ظهرت بين القياديين تبين انها غير مبنية على النيات والمقاصد الوطنية الحقيقية، وانما مبنية على مطلب تقسيم السلطة وتوزيع المناصب والامتيازات، واقساح المجال للجهات الاقليمية والدولية للتدخل في الشأن العراقي بحجة حلحلة الموقف واعادة الطرفين الى طاولة اتفاقات رعاية المصالح الشخصية والحزبية وتعليق الحل وعدم الوصول الى تفاهم وطني بينهما والاكتفاء بتوزيع الغنائم، ولا شك ان هذا المنظور للطرفين قد ترك العراقيين امام تساؤول كبير حول جدية ووطنية كل منهما، والموقف الناتج منهما والحالة المتذبذبة التي تشهدها الساحة السياسية وضعتا الواقع الراهن امام احتمالات خطيرة خاصة بعد أن ازدادت وتيرة الأعمال الإرهابية في الفترة الأخيرة في ظل وضع شهد تحسنا في الحالة الأمنية في السنوات الاخيرة بعد القضاء على مجموعات مسلحة لشبكة القاعدة الارهابية في العراق والمنظمات المرتبطة بها. ولا يخفى أن أشكال الأعمال الإرهابية التي زادت زخمها في الفترة الأخيرة من خلال زيادة عمليات القتل بالاسلحة الكاتمة ومحاولة الاستيلاء على مباني مجلس المحافظة في تكريت وديالى وتفجير منزل محافظ الديوانية، كل هذه النشاطات الارهابية تبرهن على ان العملية السياسية دخلت في منعطف خطير حيث أخذت بعدا جديدا وهو الظهور المؤثر للارهاب بعد كل أزمة سياسية جديدة بين المكونين السياسيين الرئيسيين في بغداد التحالف الوطني والقائمة العراقية، والغريب ان العمليات تحدث في وضح النهار وفي مناطق تقع تحت سيطرة القوات المسلحة والاجهزة الامنية العراقية، ويبدو ان استمرار الوضع الراهن على ما عليه سيخلق ترديا حقيقيا في الوضع العام بسبب الخلافات الحاصلة بين المالكي وعلاوي وحزبيهما والبعيدة كل البعد عن المصلحة الحقيقية للعراقيين. ويذكر ان الحالة السياسية المستعصية التي ظهرت نتيجة نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة كانت فرصة كبيرة للمالكي وعلاوي للدخول في اختبار حقيقي لتقديم النموذج القيادي الوطني الحقيقي للتعبير عن الانتماء الحقيقي للوطنية العراقية، ولكن ما يؤسف لها ان التأخير الذي حصل في تشكيل الحكومة والحالة المعلقة التي حصلت قد صدمت العراقيين على ارض الواقع بسبب تقديمها لنموذجين مشوهين من القيادة بسبب تفضيل الحسابات الشخصية على المصالح الوطنية، والخلافات الجديدة الناشئة بين الطرفين تقدم صورة أكثر ضبابية من السابق وحالة أكثر ارتباكا للتصور المستقبلي القصير الأجل للعملية السياسية في البلاد بسبب عدم استيعاب كل من الطرفين للمفاهيم ومباديء الديمقراطية الحقيقية الناشئة في العراق الدستوري وأثبتت الوقائع انهما فشلا فشلا ذريعا في تقديم صورة ايجابية للالتزام بخيار الاستحقاق الانتخابي احتراما وتقديرا لاصوات الناخبين العراقيين. واستنادا الى الحقائق والاحداث، وكتحصيل حاصل لما وصل اليه الموقف السياسي في بغداد على المستوى الحكومي والرئاسي والبرلماني، وعلى مستوى محاولة الرئيس الطالباني لفتح باب مشاورات جديدة المالكي وعلاوي وبين الكتل النيابية، يتبين بعد بيان مواقف رئيس الوزراء ورئيس القائمة إن مصير العراقيين يترنح بين مطرقة الأول وسندان الثاني، وبين حاضر ضبابي ومستقبل غامض، وبين واقع مأساوي للحياة وفقدان شبه تام للخدمات، وبين حالة متفائلة للخروج من الازمة وحالة متشائمة للدخول في ازمات متلاحقة، وكل هذا بسبب غياب المعيار الوطني في بناء المواقف والالتزامات القيادية التي تحولت الى مظاهر وممارسات سياسية متشنجة ومتوترة على حساب المواطن العراقي. من خلال قراءة هذه المشاهد على الساحة العراقية يتبين أن قرار تحديد مصير الواقع الراهن بات في يد الغالب المالكي والمغلوب على امره علاوي، والمشكلة ان الاثنان متمسكان في اقتناص هدف واحد الا وهو السلطة، وبالرغم من مظاهر التبرير التي يبديها كل طرف لتحديد وحل الأزمة الا ان الحالة المعيشية والحياتية السيئة التي يعيشه المواطن تبرهن ان الصراع ليس من أجله وانما من اجل السلطة. ومن تعقيدات الوضع الجديد ان رئيس القائمة العراقية من خلال تهربه من طاولة مبادرة الطالباني للحوار مع المالكي وابتعاده الى لندن قد سجل موقفا لغاية سياسية يفسر بانه قد يبغي الى وضع منافسه في حرج كبير بسبب قرب حسم الامر بخصوص مسألة بقاء القوات الامريكية في العراق وهو أمر يحتاج الى موافقة جميع الكتل البرلمانية للاقرار بالبقاء او بعدم بقاء قوات الجيش الامريكي في ظل ضغوطات تمارس من قبل الحكومة الامريكية على الساسة العراقيين للموافقة على تمديد بقاء قواتها في العراق، وفي هذه الحالة فان الموقف أمام المالكي يتسم بالصعوبة لاتخاذ القرار لحسم الامر بعيدا عن القائمة العراقية ورئيسها، وهذا ما يريده علاوي لوضع مسؤولية القرار العراقي ببقاء او عدم بقاء القوات الامريكية على كاهل نوري المالكي رئيس الحكومة لابعاد مشاركته في مسؤولية اتخاذ القرار لاسباب سياسية. ولكن مع كل هذه المواقف المـتأزمة تبقى تقدير الحسابات العراقية من الأمور الأساسية التي تلزم الأخذ بها ضمن الرؤية العامة للعملية السياسية الجارية في البلاد لارتباطها بمسألة تحديد حاضر ومستقبل العراق، وهناك من ينظر للآتي بمنظار من التفاؤول وهنالك من ينظر بمنظار التشاؤوم، ولكن تبقى مسألة حسم مشهد الواقع السياسي المتعلق بالشؤون الداخلية والامور الخارجية لصالح العراقيين مسالة في غاية الضرورة للبدء بمعالجة كافة الملفات المتعلقة بالإحتلال وبالمشاركة السياسية والخدمات والازمات المعيشية والاقتصادية وتحسين الوضع الأمني، ولغرض البدء بالعمل الجدي بعملية البناء والتنمية لإعمار بالعراق. لذا نرجو أن لا تطول الأزمة والخلافات بين المالكي وعلاوي في ظل صيف ساخن، وندعو الطرفين وساسة وقادة الكتل البرلمانية والقوائم والاحزاب السياسية الى العمل الجدي للخروج بحل حاسم للازمة في القريب العاجل، لاسيما ونحن العراقييون نعيش في فصل صيف لاهب وساخن، ونأمل ان لا تزيد سخونة الصيف في لهيب الأزمات السياسية والخدمية التي يعيشها المواطن العراقي بألم وقساوة في ظل غياب ونقص المقومات الرئيسية للحياة. كاتب صحفي - بغداد
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات