بعد أكثر من عشرين شهرا لايزال بعضنا يطرح هذا السؤالquot;هل وكيف ومتى تعود السلمية، وكيف يشارك الشباب السلمي في الثورة في ظل غيابها؟quot; وفي الاجابة عنه أيضا الآن وفي وقت وصلت فيها أعداد الشهداء اليومية إلى مئات، يصبح من النافل بالنسبة لبعضنا الحديث عن مسألة العودة لسلمية الثورة، ومشاركة الشباب فيها من خلال التظاهرات ونشاطات مدنية أخرى ذا طابع سلمي.

من المعروف سلفا أن نقاش السلمية والعسكرة هو نقاشا سياسيا بالمؤدى الأول والأخير وليس نقاشا بين مثقفين، كل منهم يفضل هذا الاتجاه أو ذاك.هذه بداهة لا يجب أن نغفل عنها في طرح هذا الموضوع.

والسياسة ايضا موازين قوى على الارض، وليس احلاما لنا ككتاب ومثقفين عن ثورة مخملية او برتقالية او بيضاء بلا قطرة دم واحدة..لذلك قبل الخوض بتفاصيل طرح المسألة أخلاقيا، لا بد أن نعيدها إلى الشق السياسي والذي من المفترض أن الامور تحال إليه او أنه لشدة حضوره يحيلها إليه، بما هو قوى رابضة على الارض، وبما هو مصالح..

المستوى السياسي هذا يطرح سؤالا، بعدما تدمرت المدن والاحياء، بعدما انتشر السلاح وانتشر الدم السوري في كل بيت وحارة وشارع، هل لايزال هنالك قاعدة مادية لتظاهرات سلمية؟ هل لايزال لدينا من الطاقات التي تفتح صدرها للنار عارية إلا من صوتها الذي يصدح بالشعب السوري واحد، والشعب يريد اسقاط النظام، وسورية بدها حرية...؟

وهل من المفيد أن يلقي الشباب سلاحه ويعود للتظاهرات السلمية؟ إن طرح الموضوع بالنسبة لهؤلاء الآن مجرد طرحه يعتبر خيانة..!!

هذا ما سيرد به كل من حمل السلاح دفاعا عن حياته وحياة من يخصه، ومن اجل سورية بلا آل الأسد..

غسان المفلح

وكذلك سيكون رد العصابة الحاكمة التي قطعت البلاد ودمرتها لمنع التظاهرات منذ البدء، وقبل انتشار السلاح..قبل انتشار السلاح كانت الجموع تخرج.. ويواجهها صوت الرصاص وتزف شهداءها بشكل يومي..ستة اشهر من عمر التظاهرات السلمية، كان المستوى السياسي كله منشغلا بعجزه عن تقديم إجابة واضحة عن السؤال الذي اقلق الجميع حينها، هل التظاهرات السلمية قادرة على اسقاط العصابة الحاكمة، بعدما اتضح خيارها منذ اليوم الأول للثورة في درعا، وهو خيار القتل؟ والمجتمع الدولي يبحث عن طريقة ما لوأد الثورة، التي يرى بأن لامصلحة لديه بانتصارها..

من المفارقات اللافتة في الثورة السورية، ان معظم دعاة السلمية، سياسيا يقفون في صف عدم طلب التدخل الدولي العسكري لحماية المدنيين..وهذا ما اضعف دعواهم وجعل الشباب السوري يشكك بهذه الدعوة..

لأن ستة أشهر كانت كفيلة بالنسبة لهم لكي يقطعوا الشك باليقين أن هذه العصابة، لن تسقطها التظاهرات السلمية مهما قدمت من شهداء..لن يسقطها سوى خيار عسكري داخلي أو خارجي..لهذا اصبح الحديث عن السلمية وفقا لمعطياتهم اليومية في التظاهرات والتي تعمدت بالدم، هو نوعا من خدمة للعصابة الحاكمة.. لأن المعادل الأخلاقي يقول: ببساطة أن العصابة الحاكمة تتعسكر وتقتل وتحشد سلاحها وشبيحتها، والتظاهرات السلمية تقدم القرابين فقط دون أن تحدث خلال ستة أشهر أي خرق يذكر في ميزان القوى الداخلي والدولي لمصلحة الثورة..

لم يحرك المجتمع الدولي ساكنا لحماية المدنيين..الذي وصل عدد شهداءهم اليومي إلى أكثر من خمسين شهيدا اضافة لاعتقال عشرات الألوف..وألوف المفقودين..فهل تقتضي الأخلاق أن ندعو الناس لتخرج للشوارع وتموت بسلاح العصابة دون تغيير يذكر على ميزان القوى إلا اللهم احراج المجتمع الدولي المتواطئ مع هذه العصابة...؟ بينما بالنسبة لهذه العصابة الأسدية ليس هنالك قوة عسكرية كما تفهم تواجهها؟ وطالما انه لاوجود لقوة عسكرية، فهي مستمرة في القتل..وهذا ما لمسه كل الشعب السوري وكتلته الثائرة بالملموس، وغطى الدم كل سورية قبل أن يبدأ الحديث عن تسليح الثورة.. تآثر المثقفين بالغاندية يغيب عنه ان هنالك فارق كبير بين الاستعمار الانكليزي وبين العصابة الأسدية.. لا يوجد عاقل في سورية لا خارجها يرفض اسقاط النظام بالسلمية..والدعوة للسلمية تعطي انطباعا أننا نتعامل مثلا مع نظام يشبه النظام المصري البائد، او يشبه أي استعمار عرفه التاريخ المعاصر..

حتى إسرائيل لم تطلق رصاصا حيا بمواجهة تظاهرات سلمية إلا في حالات نادرة.. التظاهرات السلمية تفترض أن هنالك ارضية مشتركة ما ومن أي نوع ما رابط بين الشعب والدولة، وتفترض وجود دولة أصلا.. هذا الرابط مفقود منذ تلك اللحظة التي سيطرت فيها العصابة الأسدية على الدولة وحولتها لمزرعة خاصة.. لم تعد الدولة تعني سوى آل الأسد وأجهزة مخابراتها وقتلها... فقد قطعت هذه العصابة أي أرضية مشتركة بين الدولة الباقية والاشخاص المفترض أنهم عرضة للتغيير..بالنسبة لهذه العصابة كله قابل للتغيير ماعدا سيطرتها المافيوية على سورية بشخوصهم..حتى لو انهارت ما تبقى من صورة الدولة..وهذا ما تقوم به الآن عمليا..

أعتقد الآن أن الحديث عن السلمية والعودة إليها بعد تهجير وتحطيم المدن التي خرجت فيها هذا التظاهرات السلمية، يجب ان يترافق مع قراءة دقيقة لما تم على الارض بعد عشرين شهرا تقريبا من عمر الثورة..

وكيف يمكن التوفيق الآن بين التظاهرات المأمولة وبين العسكرة المنتشرة؟ وبدون حماية للمدنيين علينا التفكير جديا الآن بقضية الدعوة مجددا للتظاهرات السلمية..مجرد الدعوة تحتاج منا لوقفة مع ما تم على الارض..