شعبنا السوري العريق يرزح تحت نيران المدافع, يتشرد في العراء, يلتجأ الى الدول المجاورة هاربا من بطش النظام, ينزح في بلده من منطقة الى أخرى حاملا معه أتراحه, همومه الثقيلة وأحلاما ضاعت سدى في عيون لا تهنأ بنعمة النوم ولا تجف من دموع الألم ومرارة فقدان الأهل , البيت , الانفصال عن تربة الوطن والإحساس بالأمان في زمن أغبر لن ينسى بسهولة هذا الصمت المخزي من المجتمع الدولي الذي يطيل أمد عذاباته ومعاناته.

الولايات المتحدة الأمريكية عمدت منذ بداية الانتفاضة الشعبية في سورية على ارسال الاشارة تلو الأخرى الى النظام بأن لا نية لها مهما حصل أن تقوم بالتدخل العسكري , بأنها تريد أن يقود الأسد بنفسه عملية اصلاح وتغيير ديمقراطي في البلاد وتحويلها من نظام حكم شمولي الى جنة عدن.

الآن اذا نظرنا الى مصداقية مثل هذا الموقف مع الأخذ بعين الاعتبار نهج النظام السوري , سلوكه, ايديولوجية حزبه الحاكم منذ 1963 , عقود الحكم من قبل الأسد الأب و أسلوب انتقال السلطة الى الابن الذي استمر في الحكم على المنوال ذاته بكتم أنفاس شعبه مجهزا بجيش جرار من جلاوزة الأمن والقمع , نرى أن تصريحات أمريكا السابقة حول مطالبة الأسد بقيادة الاصلاحات التي تطورت الى التغيير في النظام من النظام وصولا الى مطالبته بالتنحي هي نكتة سخيفة وضحك على الذقون , أمريكا بحكم خبراتها و امكاناتها وبمقارنة بسيطة مع النظم الشبيهة عبر التاريخ تعرف بأن ذلك لن يتحقق و لم يتنحى أي ديكتاتور عن السلطة طواعية. يقول الكثيرون بأن السبب في ذلك ليس حبا في بقاء الأسد في السلطة , لكنه مزيج من الكره والخشية من البديل القادم المتمثل بالدرجة الأولى بالإسلاميين , لكن الاستمرار في التغاضي عما يجري في سورية من جرائم وانتهاكات أدى الى تواجد البيئة المناسبة لتجمع كل متطرف ومنبوذ و أفّاق في أجزاء كثيرة من الأراضي السورية وسوف يتفاقم مثل هذا التواجد طردا مع اطالة أمد الأزمة , هذا الأمر يجب أن يشكّل مصدر قلق حقيقي ليس لأمريكا فحسب بل كافة الدول المعنية والخطر يأتي من خلال مجموعات مماثلة وليس من خلال انتقال السلطة الى تيارات دينية معتدلة كما حصل في دول الربيع العربي.

فرمز حسين

ميخائيل دوران من المحليين السياسيين المتمرسين في مؤسسة بروكينغز و ماكس بووت مستشار المرشح الجمهوري رومني في حملاته الانتخابية يقولان في مقالة مشتركة لهما بعنوان (سورية حالة للتدخل ) نشرت في صحيفة نيويورك تايمز, فيما يلي ملخصا عنها:
هناك خمسة أسباب لإنهاء نظام الرئيس الأسد يوما قبل الأخر:
أولا: التدخل الأمريكي سوف يقلل من النفوذ الايراني في المنطقة, ايران التي تدعم النظام السوري بقوات من حرسها الجمهوري والمعدات والخبرات تعلم حق المعرفة بأنها سوف تخسر أهم قاعدة لها في العالم العربي و تفقد الشريان الموصل الى حزب الله في لبنان.

ثانيا: بهيمنة سياسية أمريكية يمكن منع النزاع من الانتشار. لقد امتدت الحرب الأهلية الى لبنان , العراق والحكومة التركية قد اتهمت الأسد بدعم المسلحين الكرد لتأجيج الوضع بين الكرد وتركيا.

ثالثا: من خلال تجهيز وتدريب شركاء لها من ثوار المعارضة السورية في الداخل تكون أمريكا قد أقامت حصن منيع في وجه الجماعات المتطرفة مثل القاعدة المتواجدة فعلا والتي تبحث عن منطقة امنة في الزوايا التي لا تخضع للحكومة.

رابعا: القيادة الأمريكية تستطيع تحسين علاقاتها مع حلفائها مثل تركيا وقطر. رئيس الوزراء التركي أردوغان ونظيره القطري انتقدا الولايات المتحدة لتقديمها مساعدات غير مجدية للثوار. الاثنين يفضلان حظر جوي وإقامة مناطق أمنة للمدنيين السوريين داخل الاراضي السورية.

أخيرا: التدخل الأمريكي سوف ينهي كارثة الانتهاكات الفظيعة لحقوق الانسان في سورية ويوقف تدفق اللاجئين التي تشكل عبئا ثقيلا على الدول المجاورة.
الآن الفرصة مهيأة للولايات المتحدة بمنع الابادات الجماعية والقتل العام بوضع الحلفاء في المقدمة يستطيع أوباما فعل ذلك دون الانزلاق الى التدخل البري.
الأصدقاء المقربين في المنطقة يريدون رؤية الأسد ساقطا بأسرع وقت ممكن. فرنسة وبريطانيا يمكنهم المساعدة. لكن لن يتحرك أيا منهم قبل ان تفعلها الولايات المتحدة.
لا نستطيع الانتظار حتى تقوم الأمم المتحدة بعمل , كما ان ذلك غير مأمول , لا نستطيع التوقع بأن الجيش الحر سوف ينتصر على الأسد بالاعتماد على ذاته فقط , انه ليس تنظيما متماسكا.

على الولايات المتحدة معرفة القوى الأكثر فاعلية على الأرض الذين يمكن تجهيزهم ومساعدتهم بسهولة.
التركيز يجب ان يقع على حلب ثاني أكبر مدينة سورية و محورها الاقتصادي , الجيش الحر يسيطر فعليا على مساحات كبيرة بين حلب والحدود التركية على بعد 65 كم فقط.
بالمساعدة الأمريكية يستطيع الجيش التركي بسهولة اقامة ممرات امنة للمساعدات الانسانية والتزويد بالاحتياجات العسكرية. الحاق الهزيمة بقوات النظام في حلب سوف تشكل ضربة قوية ورسالة للجالسين على الأريكة بأن نظام الاسد في طريقه الى الزوال.

الهدف الثاني يجب أن تكون العاصمة. لكن ليس مثل حلب فلا يمكن الوصول اليها بسهولة عن طريق القواعد التركية. لكن يمكن تزويدهم من درعا التي تبعد 110 كم من دمشق وأقل من عشرة كيلومترات للحدود الأردنية والمدينة التي انطلقت منها طليعة المعارضين للأسد. بالتعاون مع الأردن تستطيع الولايات المتحدة اقامة ممر امن ثاني الى درعا لخدمة القاعدة الجنوبية للتمرد.

لمنع الأسد من القيام بأعمال انتقامية مدمّرة على أمريكا وحلفائها فرض الحظر الجوي على سائر البلاد. الأسد استخدم الطائرات الحربية والمروحيات في القتال ضد الثوار مع الحظر الجوي سوف ينتهي مفعول كل السلاح الجوي لديه بسرعة. عندئذ تتمكن طيارات الناتو الحربية من تقديم دعم شبيه بالذي قدم في كوسوفو وليبيا. في الوقت الذي يقوم حلفاءنا بعملية الحظر الجوي تعمل أمريكا على ارساء ذلك مثل ما حدث في ليبيا. فقط قواتنا الجوية والبحرية لديها السلاح اللازم لإبطال مفعول سلاح الدفاع الجوي السوري الروسي بأدنى المخاطر.أسلوب الدعم من الخطوط الخلفية سوف يحقق الغرض في سورية على أوباما التنفيذ.

مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]