يستغرب كثير من المهتمين بالشان العراقي أن ينادي بعضهم بحكومة أغلبية سياسية باعتبارها الحل الناجع للازمة العراقية، ففي تصور هؤلاء المهتمين أن حل الازمة العراقية أكبر من حكومة توافق أو أغلبية سياسية، ويطرحون اسبابا كثيرة تدعو إلى مثل هذه الرؤية، لعل منها: ان العراق بحد ذاته تحول إلى ساحة صراع عالمي واقليمي، ومنها: إن القرار السيادي العراقي مفتقد، ومنها: إنَّ البلد هش امنيا واقتصاديا واجتماعيا، وبالتالي، فإن التعويل على حكومة توافق أو أغلبية لحل الأزمة العراقية بمثابة تسطيح للغاية.

إن حل الازمة العراقية بكل تعقيداتها ومضاعفاتها وتشعباتها تحتاج إلى إجراءات ومواقف جذرية من شانها معالجة الأزمة بنيويا لا سطحيا... وبدون ذلك سيبقى العراق يراوح مكانه، بل قد يشهد المزيد من التازم، الامر الذي يهدد وحدته ومصيره، وفيما يتساءل بعضهم عن امثلة ونماذج لهذه الاجراءات والمواقف يجيب آخرون بما يلي: ـ
أولا: إقرار مبدا الاقليمين، أي الاقليم الكردستاني والاقليم العربي، وترسيم العلاقة بينهما كونفدراليا أو فيدراليا، وبذلك نتحرر من مضاعفات ومشاكل الفدراليات الجزئية، إن إقرار مبدا الاقليمين من شانه تخفيف حدة التوتر داخل العراق، ويهيء لوضع شبه مستقر، وربما يحسم مشكلة توزيع ثروات البلد، ولا توجد أمثل من هذه الصيغة في رسم العلاقة بين القوميتين العراقيتين الكبيرتين، هذا بصرف النظر عن التفاصيل هنا بطبيعة الحال.
ثانيا: حسم الموقف السياسي المتردد بين ولائين أو بالاحرى بين قوتين ضاغطتين، فإما أمريكا أو ايران، لا يُراد ذلك على نحو مطلق بطبيعة الحال، لان لا مطلق في السياسة، ولكن على النحو العام، فالعراق هو النظام الوحيد المتذبذب بين الضاغطين من بين الانظمة التي تجاوره أو تقاربه ويقاربها، على نحو فاعل مؤثر كما هو إيران وتركيا أو على نحو منسجم ومتناغم كما هو في السعودية ولبنان وسوريا والاردن والكويت ودول الخليج العربي بشكل عام.
ثالثا: مشروع التجنيد الاجباري، إنه مشروع من شانه يمتص الكثير من الطاقات المعطلة، ويتيح الفرصة للتواصل الاجتماعي الحي، ويرسِّخ مبدا المواطنة، بل ربما يساهم في إعمار البلاد وإغنائها فيما لو أحسن استثماره واستغلاله.
رابعا: عدم المساس بالهيئات التي من شانها ان تكون مستقلة بنص الدستور، فإن أي محاولة لتزييف استقلال هذه المؤسسات أو حرفه يزج البلا د في مشاكل كثيرة ومعقَّدة، ان استقلالية هيئة النزاهة والانتخابات والاعلام والبنك المركزي يعزز استقرار البلد، ويكرس مفهوم دولة المؤسسات، ويهيء لحياة سياسية أكثر استقرارا في المستقبل.
خامسا: إمضاء قانون الاحزاب، بلد مثل العراق بلا قانون ينضم الحياة الحزبية يهيء الارضية الخصبة لنشاط العمل السري، ويتيح الفرص الثمينة للاعمال الارهابية، الحياة الحزبية المفتوحة قد تخلق فوضى ولكنها تجنب البلد كثيرا مفارقات العمل تحت الارض.
سادسا: إلإسراع في تكريس هوية الدولة الاقتصادية والسياسية، فما زالت هذه الهوية مفقودة، والبداية من الدستور، فالدستور العراقي عبارة عن الغام منتشرة في أكثر مساحاته، لعله الدستور العراقي المضطرب الهوية من اسباب بعض مشاكل العراق.
هذه بعض مقتربات يطرحها بعض المهتمين بالشان العراقي لحل الأزمة العراقية، ربما هناك تداخل، وربما هناك عدم ترابط، وربما بعضها لا يمكن أن يجد طريقه الى الواقع بسبب مزاحم، ولكنها مقتربات جديرة بالدراسة، وليس حتما أن تؤخذ جميعها أو تُرفض جميعها، والانتقاء اليوم احد مدارس التعامل مع النظريات السياسية.