أثار تصنيف واشنطن لquot;جبهة النصرةquot; الإسلامية المتطرفة، التي تعتبر من أكثر التنظيمات المسلحة تأثيراً في المشهد السوري، تنظيماً quot;إرهابياً أجنبياًquot; بسبب علاقتها بتنظيم quot;القاعدةquot; في بلاد الرافدين، ردود أفعال كثيرة، سواء على مستوى الداخل السوري، ممثلاً بجماعات المعارضة السورية، أو على مستوى الخارج.
الخطوة الأميركية هذه جاءت قبل ساعات من إعتراف مجموعة quot;أصدقاء سورياquot; في اجتماعها الأخير بمدنية مراكش المغربية، والذي حضره ممثلون عن 130 دولة، بquot;الإئتلاف الوطني السوريquot; كquot;ممثل شرعي ووحيد للشعب السوريquot;. لكن الردّ السوري المعارض، على مستوى المعارضتين السياسية ممثلةً بquot;الإئتلاف الوطني السوريquot;، والعسكرية ممثلةً بquot;هيئة أركان الجيش السوري الحرّquot;، جاء هذه المرّة سريعاً.
رئيس quot;الإئتلافquot; الشيخ أحمد معاذ الخطيب، رفض في اجتماع مراكش صراحةً هذا الموقف الأميركي المدعوم أوروبياً من quot;جبهة النصرةquot; بإعتبارها جزءً من quot;القاعدةquot;، مطالباً الرئيس باراك أوباما quot;إعادة النظرquot; في قراره، فquot;الجبهةquot; بحسب الخطيب وquot;ائتلافهquot;، رغم quot;الإختلاف معها في رؤيتها الفكرية والسياسيةquot;، إلا أنها تعتبر جزءً لا يتجزأ من المعارضة السورية المسلحة، التي تسعى إلى هدفٍ واحد ألا وهو إسقاط النظام، بحسب قوله.
بعض المراقبين يقللون من دور الجماعات التكفيرية المتطرفة وتأثيرها على مسار الثورة السورية، لكنّ صراحة الخطيب التي دافع بها عن جبهة النصرة وquot;مشروعيتهاquot; الثورية، بإعتبارها أهلاً للثورة السورية، تشي بعكس ذلك. ربما من هنا جاء حديث الخطيب عن الإسلام كأنه دينٌ لكل الثورة السورية، مؤكداً أن quot;الدين الذي لا يحرر الشعوب هو دينٌ زائفquot; وأن quot;كون الحراك العسكري إسلامي اللون بمعظمه هو شيء إيجابي، فالشهادة في سبيل الله لطالما كانت هي المحرك الرئيس لحرية الإنسانquot;.
من جهته رفض العميد سليم إدريس رئيس quot;هيئة أركان الجيش السوري الحرّquot; القرار الأميركي مشيراً إلى أن quot;الجبهة التي تعتمد على الشباب السوري المثقف لا تعرف التطرف وحريصة كلّ الحرص على حماية الوطن من عصابة الأسدquot;.
أما ردّ جماعات المعارضة المسلحة في سوريا فكان أقوى بالطبع، حيث رفعت العشرات منها شعار quot;كلنا جبهة النصرةquot;، وهو الشعار الذي انتقل بعد القرار الأميركي إلى شوارع الثورة وأزقتها، ومشى تحته أهل الثورة في محتلف المناطق السورية. الأمر لم يقف عند هذا الحدّ من الردّ، وإنما امتدّ على طول الثورة وعرضها إلى أن أصبح شعار الدفاع عن quot;جبهة النصرةquot; شعاراً للدفاع عن كلّ الثورة السورية.
أمس سمى الثوار جمعتهم بجمعة quot;لا إرهاب في سوريا إلا إرهاب الأسدquot; ومشوا فيها من سوريا إلى سوريا، وذلك في ردٍّ واضح على أميركا وحلفائها، التي أدرجت quot;جبهة النصرةquot; على قائمتها السوداء للمنظمات الإرهابية الأجنبية. ما يعني أنّ كلّ من يعتبر نفسه جزءً من الثورة السورية، هو، شاء أم أبى، جزء من quot;جبهة النصرةquot; تماماً مثلما هذه الأخيرة هي جزء من الحراك الثوري السوري.
إذن، حرية الثورة وعدالة قضيتها، هي بحسب أهل الجمعة الأخيرة، من حرية quot;جبهة النصرةquot; وحقوقها. من هنا كانت دعوتهم إلى أحرار العالم أمس بquot;نظرة حقquot; إلى أهل quot;الجبهةquot;، لأنهم quot;أحرارquot; في مواجهة نظام الأسد، حسب شعارهم الذي رفع من سوريا إلى سوريا: quot;جبهة النصرة وأحرار الشام جميعهم أحرار بمواجهة نظام الأسد.quot;!
لا خلاف بالطبع على أن ما مارسه النظام السوري بحق شعبه منذ أكثر من أربعين عاماً ولا يزال هو إرهاب ما بعده إرهاب، بكلّ ما تعني هذه الكلمة من معنى. لكنّ ذلك لا يعني أنّ quot;لا إرهاب في سوريا إلا إرهاب الأسدquot;.
إرهاب الأسد حاضرٌ وموجود وقائم على قدمٍ وساق. هو إرهابٌ كان في سوريا ولا يزال، لكنّ ذلك لا يعني تصحيح الإرهاب بالإرهاب، أو مسح أو محو أو إلغاء الإرهاب بالإرهاب.
إصرار أهل الثورة على أن quot;جبهة النصرةquot; وأخواتها لم يقوموا إلا بما هو quot;خيرquot; وquot;جميلquot; للسوريين ووطنهم، فيه من الجناية ما يكفي، ومن التستر على الإرهاب ما يكفي، ومن شرعنة الإرهاب ما يكفي لوضع أكثر من علامة استفهام على قادم سوريا وقادم ثورتها وقادم أهلها، الذين ثاروا على الإرهاب لا لصناعة أو quot;شرعنةquot; إرهاب جديد، وإنما لصناعة سوريا مشروعة جديدة، بحرية جديدة، وكرامة جديدة، لإنسان سوري جديد.
quot;جبهة النصرةquot;، كما يقول لسان حالها، في العشرات من مقاطع الفيديو المصوّرة، تؤسس في سوريا لquot;إرهاب منظمquot;، ككل التنظيمات القاعدية، التي تريد إعادة العالم 14 قرناً إلى الوراء. سواء صنفّت أميركا الجبهة تحت خانة الإرهاب أو لم تصنّفه، فهذا لن يغيّر من حقيقة إرهاب هذه الجماعة، وحقيقة قاعديتها بشيء. القضية ههنا، ليست قضية موقف مضاد من الموقف الأميركي، بقدر ما أنها قضية موقف من إرهاب وجماعة إرهابية ركبت الثورة السورية، تريد تحويل سوريا إلى أفغانستان جديدة. وهو الهدف ذاته الذي سعى إليه الأسد ولا يزال، كما صرّح بذلك أكثر من مرّة. إذن الغاية ههنا، واحدة مهما اختلفت الوسائل إليها.
الأسد قالها للسوريين ولا يزال: quot;أنا أو الخرابquot;. وأهل quot;دولة الخلافةquot; وجماعاتها الإسلامية المنتطرفة كquot;جبهة النصرةquot;، يرددون الأنا ذاتها، والخراب ذاته، في سوريا ذاتها، للعبور إلى سوريا على مقاسها، quot;سوريا واحدة لا شريك لهاquot;: سوريا بدين واحد، ونبي واحد، وكتاب واحد، وشرع واحد، ولسان واحد، وتاريخ واحد، وثقافة واحدة، واجتماعٍ واحد...إلخ.
الشيخ الخطيب في معارضة الخارج، تماماً كأهل الشارع وأهل السلاح في معارضة الداخل، كان واضحاً وشفافاً في انحيازه الفصيح إلى quot;جبهة النصرةquot; طالما أنّ الهدف من جهادها هو الهدف ذاته الذي تقاتل من أجله الجماعات المسلحة الأخرى في سوريا. فغاية الثورة التي هي quot;إسقاطquot; النظام، تبرر إذن، بحسبهم، كلّ وسائلها، أياً كانت هذه الوسائل.
القضية ههنا إذن، بحسب رأي quot;الإئتلاف الوطني السوريquot; ورئيسه، وكل من حولهما من المعارضات السورية السياسية والعسكرية، لا تكمن في quot;الإختلاف الفكري أو السياسيquot; بين هذه الجماعات، بقدر ما أنها تكمن في الإتفاق على إسقاط الأسد ونظامه.
إذن، الغاية التي وحدّت المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، هي أقوى وأكبر بكثير من أن تفرّقها الوسائل إليها، أياً كانت هذه الوسائل. ما يعني بوضوح أنّ قتل quot;الناطور السوريquot; بالنسبة لهم، أهم بكثير من أكل عنب سوريا، وحرية وكرامة هذه الجماعات الإسلامية التكفيرية المتطرفة وأخواتها أهم بكثير من حرية وكرامة سوريا، وإرهابها أهم من سلامة سوريا، وواحديتها أهم من كثرة وتعددية سوريا، وخلافتها أهم من ديمقراطية سوريا، وحقوقها في أن تكفّر وتقصي وتلغي وتمحي في quot;سوريا الخلافةquot; من تشاء، وأن تذهب بسوريا إلى الوراء القصي 14 قرناً كما تشاء، وأن تلغي الدنيا بالدين وحقوق البشر على الأرض بquot;حقوق اللهquot; في السماء كما تشاء، هي على ما يبدو أهم بكثير من حقوق الشعب السوري، بكلّ ألوانه وأطيافه وفسيفسائه، في أن يكون سوريا(ه) الملّونة الكثيرة المتعددة كما يشاء.
ما يقوم به الأسد ضد شعبه هو إرهاب في إرهاب، لكنّ ذلك لا يبرر إطلاقاً دفاع أهل الثورة في سوريا عما تمارسه بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة، كquot;جبهة النصرةquot; وأخواتها الأخريات من إرهابٍ مضاد. إذا كان ما يمارسه نظام الأسد إرهاباً، وهو دون أدنى شك لكذلك، فإن ما تمارسه quot;جبهة النصرةquot; وسواها من الجماعات التكفيرية، هو إرهاب مضاد.
كلاهما يمارسان الإرهاب، كلّ على طريقته، والضحية هي واحدة: سوريا.
لا يوجد لا في قاموس الله، ولا في قاموس البشر شيء إسمه quot;إرهاب مشروعquot;. كلّ الإرهاب بحسب كلّ قواميس الأرض والسماء، هو (أو هكذا من المفترض به أن يكون) خارج عن كلّ الشرعيات. أما أن يسمي أهل الثورة في سوريا quot;الإرهاب المعارضquot; المضاد لإرهاب النظام، بquot;الإرهاب الحلالquot; لإسقاط quot;الإرهاب الحرامquot;، كما يُفهم من اختزالهم quot;الثوريquot; لجبهة الثورة السورية في quot;جبهة النصرةquot;، فهذا quot;فقه ثوريquot; آخر.
عاجلاً أم آجلاً، سيتحرر السوريون من إرهاب أهل النظام quot;الحرامquot;، لكن السؤال الذي سيبقى في سوريا قائماً، وسيتردد من أقصاها إلى أقصاها، هو: من سيحرر السوريين من إرهاب أهل الثورة quot;الحلالquot;؟
التعليقات