سنة كانت من اشد السنوات مرارة على سوريا وشعبها.. ستبقى مرسخة في ذاكرة كل سوري، وستتناوله الاجيال ثم الأجيال، وستحكى عنها الحكايات، والألم في عين كل أم وأب وطفل، سيعيشون مع تلك الذكريات التي سترافقهم، بعد الاعصار المدمر الذي ضرب سوريا، والذي لم يرحم لا البشر ولا الحجر..

اعصار كان الاكثر تدميرا ودموية على الاقل في عهدنا الحديث، والذي اخذ العالم والقوى العظمى إلى منحى واتجاه جديد في فرض وبسط النفوذ، وابتكار طرق جديدة للحرب الباردة الساخنة، على حساب شعوب ودول غير شعوبهم ودولهم، بحرب باردة في ما بينهم باستعمال قذارتهم السياسية لفرض سلطتهم على الشرق الاوسط والمنطقة، وساخنة في مناطق يريدون ان يبقونها ساحة لتصفية حساباتهم في ما تصفي شعوب هذه المنطقة بعضهم البعض من دون تدخلهم المباشر.. هذا الإعصار غيّر جميع الاعتبارات الانسانية، وجعل من السياسية مادة سامة تقتل وتفتك في شعوبنا..

فشاء القدر أن يكون الشعب السوري، قرباناً لتغيير قواعد اللعبة الأممية، والسقاطة الدولية، ونقطة التحول في أسس القذارة السياسية، التي لا تأبه لا بتاريخ الشعوب ولا بمصيرهم ومستقبلهم.. ما يقارب السنتين، والسوريون ما زالوا يضحون، ما زالوا يقدمون، وسيقدمون ما يملكون من أجل الحفاظ على كرامتهم وكرامة بلادهم.. فيما نسمع كل يوم خبر جديد ومبادرة جديدة، واتفاق جديد، وعن ما يدار من فوق ومن تحت الطاولة، علناً كان أم في الخفاء، عن مراقبين ومبعوثين، واحد يتلو الأخر، قلنا ذلك سابقاً ونجدد قولها اليوم، وسيذهب ذاك ويأتي هذا، ويليه آخر دون تغيير ودون جديد..

تارة تحججوا بالانتخابات الأمريكية، وتارة بعدم وجود معارضة حقيقية، وأخرى بعدم وجود دعم دولي كامل، إلى ما هنالك من اسباب تساعدهم في تدمير سوريا، وقتل السوريين، وخلق حرب طائفية، وتقسيم البلاد، لنصل إلى إنهاء معنى الدولة السورية من منطلقين، الأول.. في قلب الانسان السوري، والثاني.. كدولة على أرض الواقع..
والسؤال الذي يطرحه كل سوري اليوم، ويشغل باله، أكثر مما يفكر في النظام ورحيله، والمعارضة ونجاحها..
كيف يبقي أولاده خارج دائرة الموت؟.. وكيف يؤمن لقمة الخبز لأولاده؟..
الأطفال الذين لم يذوقوا طعم النوم منذ ما يقارب السنتين، غير الذين قتلوا وتشردوا وتيتموا..
هناك سؤال يراودني كما يراود معظم السوريين.. من المسؤول عن كل هذا؟.. النظام؟.. المعارضة؟.. أم المجتمع الدولي؟.. وبرأي الشخصي ليس هناك اي طرف خارج المسؤولية، وأن الجميع شركاء في اراقة وسفك دماء السوريين..

والشعب السوري الذي اصبح مجرد أرقام تتداوله القنوات الفضائية، والآلات الإعلامية.. مجرد أرقام في ازدياد يومي.. فمن يريد الحل ويبحث عنه، يجده.. ومن لا يريد الحل، يتحجج، وما أكثرها في ظرفنا هذا..
فيما يخص المبادرة الجديدة، والطرح الجديد عن الحوار أو الاستمرار في الوضع الحالي، وبلسان حال السوريين، نسأل..

هل سينتهي هذا الإعصار؟.. وما هي الاتفاقات التي جرت هذه المرة في الخفاء ومن تحت الطاولة، من أجل الإطالة في أمد الأزمة لتدمير دمشق هذه المرة، وقتل المزيد من السوريين؟..
وهل سيرحل النظام وتفوز المعارضة؟.. أم سيبقى النظام وتخسر المعارضة؟.. أم سيخسر الطرفين معاً؟..
والحل سيكون سياسياً أم ستتحول سوريا إلى جحيم، كما قال الابراهيمي، أكثر مما هي عليها اليوم؟..
وإن رحل النظام، هل سيرحل بالكامل، أم بعض الاسماء هي التي سترحل، ولكن الهيكل الاساسي لهذا النظام سيبقى؟..

وهل سيصلون الإسلاميين لسدة الحكم في سوريا؟.. أم سيكونون فقط جزءا من الحكم والسلطة ومشاركتهم ستكون محدودة في الحكومة الجديدة، نظراً لما حصل في مصر بعد وصولهم للحكم..
وإن رحل النظام هل تتوقف الحرب ام تستمر، ما بين من سيأتي لسدة الحكم وبين من سيرفضون الحكومة الجديدة، وأن لهم الاحقية في استلام زمام الأمور في سوريا، على أساس أنهم من قاتلوا على أرض الواقع.. أم أن هناك شخصيات سورية جديدة ستخرج للنور لتكون الحل الوسط؟..

أسئلة كثيرة، والحل يكمن في كل منها، وكلها مرتبطة، ولكن هل سيكون هناك من سيستطيع دمج كل هذا لإعادة السلام إلى سوريا، لكلٍ وجهة نظره، ولسوريا وجهة نظر مختلفة...

بروكسل..