مثّلت ظاهرة الربيع العربي الحدث الأهم في تاريخ الدول العربية، منذ محطتي: انهيار الدولة العثمانية، والتحرر من الاستعمار الأجنبي. ومنذ بدأت هذه الظاهرة في بداية العام 2011، وبعد ضربها في جسد خمس جمهوريات عربية، ظلت أنظار حكومات مجلس التعاون الخليجي تراقب تأثيرات هذه الظاهرة على الخليج عن كثب. وقد تعددت الآثار التي انتجها الربيع على دول الخليج، فمن ذلك احتجاجات عارمة في البحرين تبعاً لمطالب سياسية لاتزال معلّقة، وموجة احتجاجات على الحالة المعيشية في عُمان استمرت لأشهر، بالإضافة إلى التضييق والاعتقال لمدونين وناشطين إصلاحيين في الإمارات، ونشاط حالة الجدل والاحتجاج السياسي والإضراب في الكويت، وصولاً إلى موجة من الاحتجاج والمطالبات الإصلاحية في السعودية.

وبجوار هذه الأمور الداخلية المهمة لدول الخليج، كان هنالك هاجسان آخران ساهم الربيع العربي في دفعهما إلى مستويات قلقة غير مسبوقة، وهما: إيران والإخوان المسلمون. وكلا هذين الهاجسين لم يولدا في فترة الربيع العربي، بل كان لهما وجود مستمر وتاريخ مسبق من العلاقة مع الخليج، وإن تفاوتت وتنوعت مستويات هذه العلاقة. يضاف إلى ذلك أن كلا الأمرين ليسا سبباً للربيع العربي، ولا في إيقاد ثورات التحول السياسي، فلا أحد يزعم أن أيا من المثالين هو ما دفع إلى الربيع العربي، فما هو إذن سبب هذا القلق المرتفع الذي صورهما كأكبر خطر راهن على الخليج؟.

إن للإخوان وجود تاريخي متنوع بحسب طبيعة البلدان التي تواجدوا فيها. ووجودهم في دول الخليج كذلك لم يكن على صبغة واحدة. كان حضورهم الأكبر في السعودية والكويت. فخلال فترة تنافر الملكيات الخليجية مع المد القومي الناصري في الستينات، حرصت السعودية والكويت على استقطاب الإخوان لمواجهة هذا المد. وقد نال قيادات الإخوان وناشطوهم (الذين قدموا بالآلاف) مناصب تعليمية ودعوية وغيرها في أجهزة هذه الدول. السعودية استفادت منهم أيضاً في تقديم فكر ديني متقدم على الوهابية السائدة التي عارضت الكثير من وجوه التحديث في البلاد. وقد قبلتهم السعودية كأفراد دعاة ولم تقبلهم كتنظيم.

ومن مظاهر خضوع بنية التنظيم للمرحلة و للبيئة المحلية، نجد أهم تحول شهده الإسلام السياسي في الخليج وهو افتراق بنية الإسلام الناشط في السعودية عن الإخوان، أي حين ظهر الدعاة الناشطون الأبرز في الساحة السعودية بمواقفهم في حرب الخليج وافتراقهم عن طبقة العلماء الذين ساندوا الموقف الرسمي في مسألة التدخل الأميركي في المنطقة. كان هؤلاء الدعاة من الصحوة كسلمان العودة وسفر الحوالي محسوبين على الحركة السرورية عوضاً عن الإخوان الذين تأثروا بهم في بداياتهم. والسرورية هي خط يمزج بين فكر الإخوان وفكر الدعوة السلفية للشيخ محمد بن عبدالوهاب، و في السعودية هي أكثر نشاطا سياسيا وحدّة من الإخوان. لذلك في الأزمة التي حدثت بعد حرب الخليج نجد أن السلطات السعودية قامت بسجن عدد من الرموز السروريين بينما عارض الإخوان التصعيد الذي تم من قبل السروريين. كذلك البنية المغلقة سياسيا وسلفيا في السعودية لم تكن لتتيح إلا المسافات الضيقة للإخوان لذلك التزموا الهدوء وعدم البروز بآراء أو مواقف في المحطات المهمة. فبعد حرب الخليج، أتت محطة ما بعد سبتمبر وحربي احتلال أفغانستان والعراق، خاضت حكومة المملكة صراعا مع الجهاديين الذين قاموا بأنشطة مقلقة ومتطرفة في المملكة، ولم يكن للإخوان حضور ثقافي وصنع مواقف في هذا المشهد، وفي المحطة البارزة الأخيرة، مرحلة بعد الربيع العربي، برز الناشطون المدنيون وظهرت موجة من البيانات المطالبة بالإصلاح لكن لم يكن للإخوان ورموزهم بروز يذكر على هذه الموجة، وعلى الدفع باتجاه مشاركة سياسية وتحول مدني حديث في البلد.

وتركزت جهود الإخوان في السعودية في الجانب التعليمي والدعوي والخيري، وتجلى دورهم الأهم في صياغة المناهج التعليمية والحضور الواضح في الجامعات. ولكن هذا لا يعني أن حضورهم كان مريحا في السعودية، بل صدرت تصريحات متنوعة، منها تصريح للأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية في العام 2002، تحدث فيه أن الدولة السعودية استضافت الإخوان وأمنتهم حين هربوا من الاضطهاد في بلدانهم، لكنهم أخذوا يجندون الناس ويقفون ضد المملكة. وقد ظلت المناكفات للإخوان في تنام مستمر خصوصا من جهات إعلامية تابعة للسعودية وللإمارات.

لقد ساهمت الثورة الإسلامية في إيران في إثارة القلق الخليجي من إيران ومن الإسلام السياسي بشكل عام. وهي ثورة قد أيقظت بالفعل طموح الإسلام السياسي في المنطقة وعلى رأسه تنظيم الإخوان. وفي عُمان هناك حداثة لتجربة الإسلام السياسي في البلد، ورغم شح المصادر التي تتحدث عن ذلك، إلا أن البلد لم يشهد هذا النوع من المصادمات، عدا عن موجة اعتقالات لإسلاميين في العام 1994 اتهموا بالانتماء لتنظيم، وتم العفو عنهم لاحقا.

وقد تحلى تنظيم الإخوان بمرونة في الكويت والبحرين تبعاً للانفتاح السياسي النسبي الذي مكّن الإخوان أن يعبروا عن وجودهم كتنظيم من خلاله. وتجسّد وجود الإخوان في الخليج تحت مسمّى quot;جمعية الإصلاحquot; في كلٍ من الكويت والبحرين والإمارات، وهي جمعية تُعنى بالأعمال الدعوية والخيرية. برزت هذه الجمعية للوجود لأول مرة في البحرين قبل أكثر من سبعين عاماً، لكنها لم تكن نشطة وفاعلة مثل الجمعية التي بدأت بعدها في الكويت بعقدين. ولم تتمكن الجمعية من إثبات وجود سياسي في التجربة والممارسة الانتخابية السابقة في البحرين، قبل انهيار تلك التجربة بحل المجلس الوطني في العام 1975. ويعود ذلك إلى حداثة التجربة بالنسبة لهم إضافة إلى ضغط القوميين عليهم في البلاد.

وبعد أن قدم ملك البحرين مشروعه الإصلاحي الذي تجسد في ميثاق العمل الوطني في العام 2001، بادرت الجمعية إلى العمل السياسي عبر تشكيلها لـ quot;جمعية المنبر الإسلاميquot;. ومن أربعين مقعداً في مجلس النواب، نالت الجمعية سبعة مقاعد في عامي 2002 و 2006. لكن حتى في المجلس النيابي، يصف متابعون أن أداءهم لم يتقاطع مع الهم الإصلاحي وتوسيع مسألة المشاركة السياسة أو دعم مواقف المعارضة في بعض الأحيان، وإنما كان التركيز على المسائل المعيشية ومنع الخمور ومثيلاتها. كانت الجمعية تتحرك بأريحية ونالت مناصب متقدمة في البحرين، نظرا لأن السياسي يثق في قدرة الحركة على ضبط أفرادها، إضافة إلى قربها للسياسي في حال حدث صدام مع قوى سياسية شيعية. ولم يحدث أن كان هناك صدام للحركة مع السياسي طوال هذه العقود.

أما في الكويت، ذات المسار الديمقراطي الذي بدأ منذ ما يقارب الخمسة عقود، تزامنت موجة الربيع العربي مع حركة نشطة للداخل السياسي الكويتي، وهو حراك وتأزم شبه مستمر في حالة الديمقراطية الكويتية النسبية التي عادة ما يتحدى البرلمان النظام فيها. ولا يُعزى الحراك السياسي الإصلاحي في الكويت إلى الإخوان رغم أنهم الكتلة السياسية الأقوى حضوراً منظماً، فهو مزيج من قوى سياسية مختلفة. وقد حققت المعارضة التي يقودها إسلاميين انتصارا واضحاً في الانتخابات الأخيرة لمجلس الأمة الكويتي في شباط/ فبراير من العام 2012، بحيازتها لأربعة وثلاثين مقعدا من بين خمسين يتكون منها مجلس الأمة، الإسلاميون حازوا 23 مقعدا بينها، لكن الجزء الأكبر من هذه المقاعد الإسلامية لم يكن من نصيب الإخوان بل للسلفيين، لولا أنهم ليسوا كتلة واحدة منظمة كالإخوان.

وكانت جمعية الإصلاح في الكويت الأكثر حضورا وتنظيما من نظيراتها الخليجيات في أمور الدعم من الخارج والتواصل مع الإسلاميين من خارج المنطقة، مستفيدين من جو الحرية الأفضل في الكويت مقارنة ببقية الخليج. لكن حالة النشاط السياسي في الكويت للإخوان لم تكن نتيجة دعم ودفع خارجي، لأن جمعية الإصلاح، أسست quot;الحركة الدستورية الإسلاميةquot; حين حدث الانفراج السياسي بعد احتلال العراق، في ذات الوقت الذي جمّدت فيه علاقتها بالتنظيم العالمي للإخوان كون الأخير دعم موقف صدام حسين في هذا الاحتلال. واستمر الإخوان بنشاط في حالة الجدل السياسي الكويتي المستمرة.

وبالنسبة للإخوان في قطر، فقد حلوا تنظيمهم في العام 1999، وهذا الحل لم يكن مبنيا على صدام مع السياسي أو التعرض لضغوط واعتقالات، بل عن طريق تأمل وتفاهم داخلي في التنظيم كما يقول المفكر الكويتي عبدالله النفيسي في مقال له على الانترنت بعنوان quot;الحالة الإسلامية في قطرquot;. ويوضح الكاتب القطري عبدالعزيز المحمود في مقال آخر له بعنوان quot;الإخوان المسلمون في قطر.. من هم؟quot; أنه لم يتفق الجميع على هذا الحل، وبقيت مجموعة أخرى بقيادات شابة تربط نفسها بالتيار العام وتحاول الإبقاء على ذات الأنشطة. وعربيا ارتبط اسم قطر بالإخوان بشكل واسع خصوصا بعد ظاهرة الربيع ودعم قطر النشط سياسيا وإعلاميا للثورات العربية، التي ساهمت بدورها في وصول إسلاميين إلى السلطة. لكن لا يوجد ما يدلل على عمل سياسي ممنهج مرتبط بالإخوان في البلد، بقدر ما أن سقف الحرية الذي وفرته قطر مقارنة بغيرها من دول الخليج، ساهم في وجود جماعات متنوعة، كالتبليغ والسلفية والإخوان والليبراليين، وصولا إلى جمعيات مستقلة عربية وغربية متنوعة الأجندة. هذه المساحة برز فيها الإخوان لأنهم أصحاب قدم في التنظيم والعمل كمجموعة مقارنة بغيرهم، وهم أفضل من يستثمرها، وعلى سبيل المثال يمكن تأمل التأثير الذي أنتجه الشيخ يوسف القرضاوي من قطر، والدكتور جاسم السلطان على مستوى التأثير الشبابي.

وقد كان الصدام الأكبر مع الإخوان في حالة الإمارات. رغم أن التنظيم نشأ متأخرا بعض الشيء، وذلك لأن استقطاب الأجانب للعمل في البلد بدأ متأخراً، وفي هذا الوقت من منتصف السبعينات كانت جماهير الإخوان التي انتقلت من مصر قد احتضنها كل من البحرين والسعودية والكويت وقطر. وكانت علاقة التنظيم بالحكومة في البدايات جيدة، ونال الإخوان بعض المناصب منها وزارات، وكانوا مستشارين ولهم علاقة بمسؤولين كبار في الدولة، كعز الدين إبراهيم القيادي في الإخوان والذي رأس جامعة الإمارات، حيث عمل مستشارا لرئيس البلاد الراحل الشيخ زايد آل نهيان. ومع محدودية أعداد الإخوان من الخارج، إلا أن التنظيم المحلي سرعان ما ظهر إلى الوجود حيث نشأت quot;جمعية الإصلاحquot; في العام 1974، وولدت مجلة quot;الإصلاحquot; بعد ذلك بأربع سنوات.

ومن الملحوظ أن حالة الإخوان في الإمارات تجسدت فيها منزلة بين المنزلتين بالنسبة للتنظيم وهذا ما ولّد معاناة هذا التنظيم. فلم يكن هناك انفراج سياسي نسبي في البلد يمكنهم من الحركة كما لدى تنظيم البحرين والكويت، كما أن التنظيم لم يسحب نفسه ويتحفظ كما فعل في السعودية وقطر، بل استمر الإخوان في طلب عودة وظائفهم ومراكزهم التعليمية السابقة، وعودة فروع جمعيتهم ومجلة الإصلاح إلى أيديهم وتخليصها من أيدي المحسوبين على الحكومة. وقد كان هناك تواجد واضح للإخوان في العريضة التي قدمها 133 ناشط وحقوقي إماراتي في شهر آذار/ مارس للعام 2011، إلى رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وهي وثيقة تطالب بانتخاب كامل أعضاء المجلس الوطني الاتحادي (البرلمان) عبر الاقتراع المباشر، وتزويد المجلس بصلاحيات رقابية وتشريعية. وهي تعتبر وثيقة وطنية فيها قوميون وإسلاميون وغيرهم ولا تحسب على تنظيم الإخوان، الذين شاركوا فيها كأفراد لا ككيان، مثل طريقتهم في عرائض مماثلة في السعودية.

ويمتاز الإخوان في الإمارات بأن لديهم بنية واضحة ومعروفة تنتمي لها خبرات أكاديمية وشخصيات معروفة في البلاد، وهم يعترفون باقترابهم من تنظيم الإخوان، ووجود البيعة التي قالوا أنهم تخلوا عنها من العام 2003 بحسب تصريح للقيادي في إخوان الإمارات المحامي محمد المنصوري، عكس السعودية والبحرين، مثلا، حيث لا تكاد تجد أحدا من الرموز يتحدث عن انتمائه للإخوان!.

وكانت الحكومة الإماراتية قد جمّدت أنشطة quot;جمعية الإصلاحquot; في الإمارات في العام 1994 بعد مضي ما يقارب من 21 عاماً على بدء عملها. واستمر هذا الدفع بهم إلى مناطق أضيق، حين تم توجيه الاتهام أنهم تنظيم عسكري في 2001، وفي العام 2003 وبعد عدة محاولات للحوار مع الحكومة، تم إبعاد 170 من الإخوان من التعليم لدوائر حكومية أخرى. ولكن المواجهة الحادة أتت لاحقاً بعد انطلاق ظاهرة الربيع العربي، فبعد اعتقال خمسة من الموقعين على العريضة المذكورة والعفو عنهم، سحبت الحكومة الإماراتية الجنسية عن سبعة ممن ينتمون لتنظيم الإخوان، وأيد القضاء الإماراتي هذا القرار مؤخراً في تشرين الثاني/ نوفمبر، كما كانت هناك موجة اعتقالات تمت على مدى أشهر، ووصل عدد المعتقلين إلى 64 معتقل كلّهم من الإسلاميين، وكثير منهم شخصيات أكاديمية وحقوقية معروفة في البلاد. وبعد ظهور عدة تصريحات أشارت إلى أنهم يمثلون تنظيما مسلحا في البلاد، ينتظر الكثير من المتابعين اليوم ليروا كيف ستجري المحاكمات وأمر إثبات أن هذه الشخصيات المعروفة للناس بجهدها العلمي والتربوي والحقوقي هي شخصيات انقلابية مسلحة!.

وإضافة إلى انطلاق ظاهرة الربيع والاحتجاجات المختلفة في المنطقة، يعزو البعض تصرف الحكومة الإماراتية الاحترازي إلى تأثير للمستشارين الأمنيين من مصر والمحسوبين على نظام مبارك. حيث أن نظام هذا الأخير أخذ يستشعر بمرور الوقت خطورة التمويل القادم من الخليج للإخوان في مصر، ففي العام 2009 أصدرت نيابة أمن الدولة العليا في مصر قائمة بأسماء 36 متهم بالانتماء للتنظيم الدولي للإخوان منهم ثلاثة رجال أعمال من الإمارات.

وبالنسبة لإيران فهي قد خسرت في الربيع العربي. فأولا، كانت تلح على أن أنموذجها الثوري الإسلامي هو أنموذج تصبو إليه الشعوب العربية، لكنها وجدت أن الشعوب حين تحررها قد غايرت هذا الأنموذج، وهذه خسارة ثقافية. خسارة أخرى في الجانب المادي، وهي أن إيران كانت تسعى وتلمح إلى استعدادها للتصعيد وإبراز قوتها المادية، لكن حين أتت لحظة تصعيد حاسمة ودخلت قوات در ع الجزيرة الخليجية إلى البحرين أثناء الانتفاضات في آذار/ مارس 2011، لم تكن إيران ممن يملك أوراقا يتدخل بها!. يضاف إلى ذلك خسارتها المعنوية والسياسية الكبرى، حين دعمت موقف نظام الأسد الدموي على حساب شعبه، وكان لهذا الموقف تأثير بالغ على صورة إيران أمام الجماهير العربية.

صحيح أن سلوك إيران المستعلي على دول الخليج وتصريحاتها استمرت في فترة الربيع العربي، وهو سلوك إيراني معتاد ومن قبل الثورة الإسلامية بعقود. لكن هذا الوضع المتراجع لإيران للأسباب المذكورة، إضافة لما عانته إيران من تراجع اقتصادي بسبب الحصار وهو وضع قد يؤثر على الخليج نفسه، كل ذلك كان يرشح أن يكون هناك تفاوض جاد ومباشر بين إيران ودول الخليج، تُستثنى منه القنوات الغربية التي لم تلعب أبدا دور الموصل بين هؤلاء المتجاورين. لقد أعلنت السعودية رسميا أنه لا دلائل لتورّط quot;دول معينةquot; في أحداث القطيف، وكذا في البحرين رأى تقرير لجنة بسيوني الذي أقرته الحكومة البحرينية عدم وجود دلائل لتورط إيراني في أحداث الانتفاضة البحرينية. ومن هنا، ورغم وجود محطات إساءة ونشاط إعلامي حاد بين الطرفين الخليجي والإيراني، إلا أن الوضع لم يكن يستدعي تصويرها كخطر أكبر على الخليج.

يبقى أن إيران لاتجد مساحة إلا وتسارع لملئها. كما حدث في العراق بعد الاحتلال وفي سوريا في حالة الثورة الراهنة، وهي مواقف غاية في السلبية ولا ترى سوى بعد مصلحي إيراني يأتي على حساب شعوب المنطقة. وهذا الموقف المتوجس مع اليقين بصحته، إلا أنه لا يرشح دوراً لنفسه إلا في حالة الأزمة والفراغ، وليس في حال دول قائمة يوجد لدى شعوبها مطامح للمؤسسية المدنية وتوسيع مجال المشاركة الشعبية السياسية.

لقد عُرف الإخوان في الخليج كجمعيات خيرية ودعوية، ولم يعرفوا كتنظيم بمطالبات سياسية إلا حين فتح لهم المجال كما في البحرين والكويت، وتجلّت مطالباتهم السياسية فقط في وثائق يوقعونها مع غيرهم من القوى الوطنية، ومطالبات الإخوان في الإمارات، على سبيل المثال، كانت حرصا على مكاسبهم التي خسروها قبل الربيع بسنوات مثل مجلتهم وجمعيتهم التي تم تغيير طبيعتها في بعض الفروع وحمايتهم من الاعتقالات والتضييق عليهم في الوظائف.

إن الحالة الإسلامية هي حالة قوية في الخليج، لكن هذا لا يعني بالضرورة حالة قوة للإخوان. ذلك لأن المزاج الاجتماعي العام والقبلي في طبيعته هو أقرب لطبيعة الدعوة السلفية، ومثله مزاج السياسي المسيطر والفاعل بقوة في هذه البلدان. يضاف إلى ذلك تفكير الإخوان الهادئ والبراغماتي الذي يحتفظ لهم بمسافة عن النشاط والتدخل، إذا استثنينا الكويت حيث أن الحالة السياسية تمكنهم من ذلك. وفكر الإخوان في الخليج كما وصفهم أحد الباحثين: يتمتعون بمرونة عالية، ويتجنبون الصدام وقت الأزمات، ويحتفظون بأنفسهم مستعدين لاستثمار لحظات الانفراج السياسي.

وكأن هذه الحكومات الخليجية تخمّن وتعرف أنه في حالة وجود انفتاح سياسي فإن إيران والإخوان سيستفيدون منه فورا. ذلك لأن إيران سوف ستنشئ مؤسسات تابعة لها بشكل قانوني في بلدان الربيع، كما حدث في أفغانستان وبدأ يحدث في مصر بعد الثورة. وأيضا الإخوان تحلّوا بصبغة منظمة وبراغماتية تنتظر الانفراج السياسي لتستثمره فوراً قبل غيرها.. لكن يبقى أن هذه التوجسات ليست السبب الرئيسي للتصعيد في هذه البلدان ضد إيران والإخوان، فهذا التصعيد يحقق اليوم هدفاً أهم، وهو التخويف من المسار الديمقراطي نفسه. هذا الهدف الأخير هو هدف قريب وأكثر إلحاحا لدى الدول الخليجية في اللحظة الراهنة.