يحب كثيرون ان يستخدموا عبارة laquo;الضربة العسكريةraquo; عندما يتحدثون عن المسألة الايرانية. اما أنا فلا احب ان استعمل هذه العبارة، لأنها تنطوي على الايحاء بأنها حدث معزول محدود زمنياً بساعات او ربما بأيام، مما يعني انها معروفة البداية ومعروفة النهاية وقصيرة الاجل. إنني افضل استعمال عبارة laquo;الحرب مع ايرانraquo; لأسأل اولاً: هل تريد حكومة الولايات المتحدة بالفعل حرباً مع ايران؟
وهناك سببان لرفضي استخدام عبارة laquo;الضربة العسكريةraquo;:
اولاً، لأن كل ضربة عسكرية هي فعل حرب، مما يعني اننا سنكون في حرب مع ايران.
وثانياً، لأنه عندما تبدأ الحرب لا يعود تقرير انهائها عملاً احادياً. عندئذ تكون للايرانيين كلمتهم في تقرير مدى اطالة الحرب، واذا شاؤوا ان يجعلوها حرباً مفتوحة والاستمرار فيها، فانها سوف تتحول الى حرب اخرى على الارض في آسيا، وانا اقول ذلك بعبارات محددة جداً في المعنى.
انه من الواضح لي ان ادارة باراك اوباما لا تريد الحرب. لا تريد حرباً ثالثة في الشرق الاوسط. بل هي ضد ذلك باصرار. ثم ان هذه الادارة مضى عليها ثلاث سنوات، فلو ارادت ان تفعلها لفعلتها من قبل.
والا هم من ذلك ان البنتاغون (وزارة الدفاع) بشقيه المدني والعسكري بقي طوال السنوات الثلاث الماضيات مصراً على موقفه ضد ما يسمونه laquo;الضربة العسكريةraquo;. لا استطيع ان ابرهن على ذلك لأنني لست معهم في غرفة العمليات، لكنني اظن ان قولي هذا له اسباب وجيهة. فهناك وزيران للدفاع يعتبران من افضل من تسلم المنصب في التاريخ الاميركي اعربا بوضوح لا لبس فيه بأن الضربة او الحرب ضد ايران فكرة سيئة. واذا امعنا النظر في الاسباب التي اورداها لتدعيم هذا الرأي لكان ذلك كافياً للاجابة عن كثير من التساؤلات الاميركية والاسرائيلية حول صوابية الضربة العسكرية ضد ايران، لأن النتيجة ببساطة تشير الى ان السلبيات تفوق الايجابيات بما لا يقاس، فما هي تلك السلبيات:
اولاً، التأثير المحتمل على الاسواق العالمية للطاقة.
ثانياً، سوء وخطورة الاوضاع الاقتصادية العالمية التي هي اشد خطورة على اقتصادات اميركا واوروبا وغيرها في العالم.
ثالثاً، خطر الرد الايراني في الخليج وفي اماكن اخرى. وفي تقديري ان الايرانيين يشهرون عن عمد التهديد باغلاق مضيق هرمز كعنوان لعمليات اوسع مدى. انهم لا يتحدثون فقط عن مجرد اغلاق المضيق. انهم يقصدون جميع الاشياء التي يمكنهم القيام بها على القاطع الجنوبي من الخليج، من ضربات صاروخية ضد امارة ابو ظبي، الى مراكز تكرير النفط، الى تلغيم خطوط الملاحة. انهم ليسوا مضطرين الى اغلاق مضيق هرمز من اجل رفع اسعار البنزين في الولايات المتحدة الى درجة لا يطيقها المستهلكون.
رابعاً، هناك ناحية لا تعيرها النقاشات الدائرة في الولايات المتحدة تتعلق بقدرة ايران على الحاق الضرر بنا في laquo;حرب اوباما الافغانيةraquo;. ذلك ان الايرانيين الآن في مركز ممتاز لجعل الحرب الصعبة الجارية في افغانستان اكثر صعوبة بل مستحيلة. فاذا كان هناك بلد آخر يقدم ملاذاً آمناً للمتمردين فان فرص نجاح الجدول الزمني الذي حددته ادارة اوباما للانسحاب من افغانستان تنعدم، تصبح صفراً. فبوسع الايرانيين ان يقطعوا الطريق السريع الذي يربط غرب ايران بالخليج، لأنهم بذلك يجعلون افغانستان تعتمد اعتماداً مطلقاً على باكستان. انهم عملياً قادرون على اطفاء الانوار عن نصف افغانستان في اي وقت يشاؤون. بامكانهم ان يجعلوا عمل البعثات الايطالية والاسبانية التابعة لحلف الاطلسي مهمة مستحيلة في الغرب، واقول لكم ان ذلك ممكن التحقيق في غضون ايام. وفي يقيني ان الرأي العام الاميركي لم يركز اهتمامه على هذه النقاط، لكنه من المؤكد ان هيئة الاركان المشتركة، وخصوصاً القيادة المركزية (سنتكوم) قد ركزوا كثيراً على نقاط الضعف هذه.
خامساً، يجب ان لا ننسى لبنان. هناك المسألة اللبنانية من حيث احتمالات الحرب مع laquo;حزب اللهraquo;، وما قد يعنيه ذلك او يترتب عليه.
ان هذه السلبيات كلها في اعتقادي تفرض على الادارة الاميركية الضرورة والرغبة في اجتناب الحرب مع ايران.
هذا يقودني الى السؤال الثاني، وهو: هل الحرب مع ايران ضرورية للولايات المتحدة بوجه خاص ثم لاسرائيل ايضاً؟
ارجو ألا يفهمني احد خطأ. بل اقول ان امتلاك ايران للاسلحة النووية شيء قبيح. انها نكسة استراتيجية للمجتمع الدولي بكامله. لكن ذلك ليس النهاية الرؤيوية للزمان كما يصورها البعض في الاعلام الاميركي والاعلام الاسرائيلي، او كما جاء على لسان البعض في مناقشات الحزب الجمهوري. فهل يشكل ذلك خطراً وجودياً على الولايات المتحدة، او حتى على اسرائيل؟
انا لا اظن ذلك. انه قطعاً لا يشكل خطراً وجودياً على الولايات المتحدة الاميركية. نحن القوة العظمى الوحيدة في العالم حيث موازنة الدفاع اكبر من موازنات بقية العالم مجتمعة. او كما قال بعضهم نحن في سباق تسلح مع انفسنا فقط. وايران في سباق التسلح هذا بالكاد ابتدأت.
لكن السؤال الاهم الذي يستتبع ذلك هو: هل يشكل التسلح الايراني خطراً وجودياً على اسرائيل؟
وزير الدفاع الاسرائيلي إيهود باراك قال انه لا يشكل خطراً وجودياً. ثلاثة لا اثنان فقط من رؤساء laquo;الموسادraquo; الاسرائيلي السابقين، شبطاي شافيت، وافرايم هاليفي، ومائير داغان، كلهم كانت ايران في رأس مسؤولياتهم وكلهم اجمعوا على ان ذلك لا يشكل خطراً وجودياً على اسرائيل. والسبب ان ميزان القوة بين ايران واسرائيل سوف يبقى مائلاً بصورة حاسمة لصالح اسرائيل، حتى لو امتلكت ايران اسلحة نووية.
بداية من الاسلحة التقليدية: تملك اسرائيل ارقى قوة عسكرية تقليدية في الشرق الاوسط. وليس لها في هذا المضمار منافس حقيقي. ولديها القدرة على بسط قوتها بطرق لا يستطيع ان يجاريها فيها احد في المنطقة. وفي المقابل ليس لايران سوى قوة جوية مؤلفة من طائرات قديمة العهد اشتراها الشاه قبل الثورة الاسلامية، وهي ما زالت في حالة صيانة سيئة منذ ذلك الوقت. وبفضل نظام العقوبات الذي فرضته الامم المتحدة عبر مجلس الامن الدولي في عام 2010 ويقضي بحظر بيع الاسلحة لايران، تجمدت القدرات التقليدية الايرانية عند هذا الحد. ذلك ان قرارات مجلس الامن بحظر بيع الاسلحة الى ايران هي الاشد والاكثر احكاماً من اي قرارات اخرى.
فهل هذا يعني ان ايران لن تستطيع الحصول على اي قاذفة؟ انها تستطيع الحصول على واحدة او اثنتين، لكن هل لديها القدرة العسكرية التقليدية لتحدي اسرائيل؟ ابداً على الاطلاق. لن تستطيع ذلك ما دام ذلك القرار بالحظر الدولي نافذاً، وهو قرار للتذكير حظي بموافقة اكيدة من روسيا والصين.
لكن المسألة ليست مجرد اسلحة تقليدية. انها مسألة التوازن في الاسلحة النووية. وهذه المسألة لا يريد احد التكلم فيها. ذلك ان اسرائيل تملك اسلحة نووية منذ اواخر الستينات، او منذ 1967 على الاقل. ولا احد يعرف خارج اطار المؤسسة العسكرية الاسرائيلية وقلة في المؤسسة العسكرية الاميركية، كم هو عدد القنابل النووية التي تملكها اسرائيل. لكن الشائع في اوساط مراكز البحوث حول العالم ان هذا العدد يتجاوز المائة قنبلة. ولديها انظمة قذف متعددة الرؤوس تتمثل في صواريخ laquo;اريحاraquo; من فرنسا، وطائرات laquo;أف ـ 15raquo; من اميركا، وغواصات laquo;دولفينraquo; من المانيا، وهذا يشكل قاعدة دعم دولية جيدة لانظمة القذف.
من نافل القول ان اسرائيل تحظى بدعم الولايات المتحدة: انها تحصل على ثلاثة مليارات دولار سنوياً منذ نهاية السبعينات. ولم يجرؤ احد من السياسيين الاميركيين، سوى واحد فقط، على معارضة فكرة الاستمرار بامداد اسرائيل بهذه المعونة. فقد تناول الموضوع الحاكم ريك بيري، (حاكم ولاية تكساس الحالي الذي خلف جورج دبليو بوش بعد فوز هذا الاخير برئاسة الولايات المتحدة في عام 2000) ليكتشف على الفور انه ليس من الفطنة ان يقول احد في العالم بتصفير المساعدات العسكرية لاسرائيل، ثم ما لبث ان تراجع ولحس كلامه بعدما زل لسانه من البداية.
فهل ينفع هذا الرادع ضد ايران؟
هذا هو السؤال المحيّر. فلا احد يستطيع ان يعرف قبل الاوان. لكنني اقترح عليكم ان تدرسوا تاريخ الجمهورية الاسلامية في ايران. انكم لن تجدوا اي دليل يوحي بأن الجمهورية الاسلامية لها منحى انتحاري او انها تسعى الى افناء نفسها بلحظة ظلامية. بل العكس هو الصحيح. فالاساس الذي قامت عليه من يومها الى اليوم هو بقاء الثورة حية في ايران لا فقدانها. والقيمون على هذه الفلسفة هم قوات laquo;الحرس الثوريraquo; الايراني. وهذا هو مبرر انشاء قوات الحرس، وهو ما يحرك مسلكهم وتصرفاتهم. وكما شاهدنا كيف تزايدت اهميتهم في السنوات الاخيرة، فانني اظن اننا نستطيع ان نرى بوضوح ان ذلك هو دافعهم الاول قبل اي شيء آخر.
استطيع ان اقول لكم في هذه الجدلية ان القدرات التقليدية، والقدرات النووية، وتوازن القوى العظمى، يميل بقوة الى جهة واحدة، وان ردع ايران ممكن، لكن نهاية العالم لن تأتي مع امتلاك ايران اسلحة نووية. وهذا لا يعني ان امتلاك ايران اسلحة نووية هو امر حسن، او انه لن يؤدي الى زعزعة استقرار المنطقة، بل هو سوف يؤدي الى ذلك بالفعل.
اننا نملك سجلاً حافلاً حول ما يحدث عندما تصبح الدول مالكة للاسلحة النووية. انها تصبح اكثر عرضة للمخاطر، وتصبح اكثر ثقة بالنفس، وتتعاطى بنشاطات غير محمودة. والامثلة على ذلك بيّنة: الاتحاد السوفياتي في أزمة الصواريخ الكوبية، باكستان في حرب الكرجيل (الحرب التي جرت بين باكستان والهند في كشمير عام 1999) بل اقول بعض النشاطات الاميركية في الحرب الباردة، لأصل الى القول ان الدول عندما تحصل على الاسلحة النووية تصبح اخطر واكثر ميلاً الى المغامرة.
غير اننا عالجنا تلك المخاطر وتعاطينا معها خلال الثلاثين سنة الفائتة. انها قضايا صعبة ومعقدة ولكنها ليست نهاية العالم، ويمكن ادارتها. وفي اعتقادي ان المخططين العسكريين الاميركيين في الخليج قد ادخلوا في حساباتهم خطر عناصر مارقة تخطئ الحساب، او وقوع حادث بسيط يشعل الحرب، او يدفع في طريق الحرب، وانهم اصدروا التوجيهات الملائمة للقادة العسكريين الاميركيين على الارض ليكونوا حذرين جداً جداً في ردودهم.
ثم اذا قررت اسرائيل ان قائل هذا الكلام تافه وانه على خطأ، وانها بحاجة الى التصرف في اي حال، فهل هي ستبلغ الولايات المتحدة مسبقاً؟
التاريخ يقول لنا بالنفي. لا لن تخبرنا. والمشكلة من سوء الحظ ان الامثلة التاريخية التي اسوقها عمرها اكثر من عشرين عاماً. فالاسرائيليون لم يبلغونا مسبقاً بعزمهم على ضرب المفاعل النووي العراقي بالقرب من بغداد في عام 1981. ولم يبلغونا مسبقاً عن العمليات التي قاموا بها في تونس عام 1985 ثم في عام 1988. اما الضربة في سوريا عام 2007 فهي مسألة مختلفة. ويمكن القول ان الاسرائيليين لا يبلغوننا مسبقاً لأنهم يسألوننا قبل ذلك ما اذ كنا نريد نحن ان نفعل ذلك، فنقول لا. وعندما يطرحون علينا هذاالسؤال يصبح معروفاً وواضحاً انهم سوف يفعلون ذلك بأنفسهم. لكن حسب علمي، لا اظن انهم ابلغوا الولايات المتحدة مسبقاً بتوقيتاتهم ابداً.
وهناك حالة واحدة على الاقل كانت فيها الولايات المتحدة قاطعة وحازمة في منع اسرائيل من شن ضربة وقائية ضد العراق في عام 1991. فالرئيس بوش الأب (الرئيس الواحد والاربعون للولايات المتحدة) قال لهم بصريح العبارة وبالقلم العريض: لا. اننا لن نعطيكم رموز الاستبيان المانعة لوقوع حرب جوية بيننا وبينكم اذا مضيتم قدماً في ضربتكم، واضربوا اذا شئتم!
وهذه اللا هي اقصى اللاءات التي يمكن ان تصدر عن البنتاغون، فصرفت اسرائيل النظر عن ضربتها. واظن ان ادارة اوباما ووزيري دفاعها (غايتس وبانيتا) حاولت ايصال هذه اللا الى اسرائيل بنفس اللهجة غير المواربة. لكنني لست متأكداً من انهم سوف ينجحون في ذلك.
إنني اوافق القائلين انه ليست هناك اجوبة بسيطة عن هذه المسألة. وفي الحقيقة ليست هناك حلول جيدة وواضحة لمشكلة الطموحات النووية الايرانية. إنني ادعم الجهود الديبلوماسية. وأؤيد العقوبات. وأدعم بحماس العمليات السرية التي مارستها طوال 30 سنة هناك، فلماذا لا ادعمها؟ ففي نهاية المطاف تساورني شكوك كثيرة بأن هذه كلها او اياً منها يمكن ان يقنع ايران بصرف النظر عن امتلاك
الاسلحة النووية، لأنني اضع نفسي في مكان المخططين للامن القومي الايراني. فلو كنت من مخططي الامن القومي الايراني فانني اسعى للحصول على اسلحة نووية. انظر الى الجوار الذي اعيش فيه: كل من له شأن في هذا الجوار يملك اسلحة نووية، والذين ليس لديهم لا شأن لهم، وتتجرأ الولايات المتحدة الاميركية على غزوهم.
ليست هناك اجوبة حسنة. وليست هناك حلول بسيطة. بل هناك اسئلة معقدة. فالنقاش في رأيي يجب ان يكون شاملاً ووافياً. ولا يجوز ابعاد اي موضوع عن طاولة البحث. والمنطق واضح: اذا لم يكن مستبعداً اي خيار فلا يجوز استبعاد اي موضوع عن طاولة البحث. ولذلك يتعين علينا ان ننظر الى الميزان العسكري الحقيقي، بما في ذلك الميزان النووي، وان نخرج الى العلن، خصوصاً في مراكز الابحاث. فالحكومات يمكنها التستر على قاعدة raquo;لا تسأل لا تخبرraquo;. لكن مراكز الابحاث يجب ان تخرج الى العلن لتتحدث بواقعية عن الميزان العسكري.

* بروس ريدل سياسي اميركي عمل في البيت الابيض على زمن الرئيس بيل كلينتون . تولى ملفات ايران وباكستان وافغانستان ، اضافة الى ملف الصراع العربي - الاسرائيلي ، وهو الآن محاضر زائر في quot; معهد بروكنغز للابحاثquot;. وهذا المقال تنشره quot; ايلافquot; باتفاق خاص مع شهرية quot; الديبلوماسي quot; - العدد 136 - آذار / مارس 2012