ما من شك أن الأحداث الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة، وهي تقف على حافة حرب، وتنذر بانفجار إقليمي موشك، قد يدفع بالجميع لاتخاذ احتياطات أمنية أو عسكرية أو حتى سياسية، لتفادي آثار وعواقب هذا الزلزال المتوقع أو على الأقل التخفيف من أضراره ونتائجه. لكن الكيان الإسرائيلي، بما هو عليه من قدرة على توظيف المعطيات والتحديات، بشكل قد يفاجئ الأصدقاء قبل الخصوم، قد يتخذ من الأفعال والممارسات ما يوحي بأنه سائر إلى حفته ومصيره، ومحرض على اندلاع حرب إقليمية شاملة، أو على الأقل، انتفاضة فلسطينية ثالثة ضده، عبر ممارساته التحريضية في المسجد الأقصى والدفع في اتجاه المزيد من عمليات التهويد للمدينة المقدسة والضفة الغربية.
صحيفة (هآرتس) كشفت مؤخراً أن التقديرات الاستخباراتية السنوية التي تقدمها وزارة الخارجية الإسرائيلية، أكدت أن استمرار الجمود في العملية السلمية، وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، من الممكن أن يدفع الفلسطينيين في الضفة الغربية نحو التصعيد العنيف ضد quot;إسرائيلquot;.
التقديرات الصادرة عن دائرة الأبحاث التابعة لوزارة الخارجية، والتي رفعت قبل أسابيع إلى أعضاء المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية، أشارت أيضاً إلى أن وزارة الخارجية تعتقد أن عملية عسكرية إسرائيلية في قطاع غزة ستستجلب عنفاً من الجانب المصري.
وبحسب التقديرات، فإن السيناريوهات تدور حول احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة في عام 2012، سواء قررت القيادة الفلسطينية ذلك، أو كنتيجة انفجار شعبي متأثر بموجة الثورات في العالم العربي. ويشير التقرير إلى أن الملاحظ أنه لا يوجد رغبة لدى القيادة الفلسطينية أو الجمهور الفلسطيني بالتصعيد العنيف في هذه المرحلة ضد quot;إسرائيلquot;، إلا أن استمرار الجمود في العملية السلمية، إلى جانب عمليات إسرائيلية متطرفة في المستوى العسكري أو الاقتصادي، مع استمرار الثورات العربية من الممكن أن يؤدي إلى تغيير هذه الوجه.
وزارة الخارجية الإسرائيلية تعتقد أن قيادة السلطة الفلسطينية لا ترى في الحكومة الإسرائيلية شريكاً يمكن التقدم معه في عملية السلام، وأن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، حاول تدويل الصراع من خلال العمل على زيادة تدخل المجتمع الدولي إزاء ما يحدث في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأن سلطته مهتمة بالعمل مع المجتمع الدولي من أجل إنجاز شروط بدء جيدة جداً لأي مفاوضات مستقبلية مع quot;إسرائيلquot;. ويرجح المراقبون الإسرائيليون أن تجدد السلطة الفلسطينية التوجه إلى مجلس الأمن من أجل قبول فلسطين عضواً في الأمم المتحدة، أو بطلب للجمعية العمومية من أجل الاعتراف بفلسطين كعضو في المنظمة الدولية.
كما تطرق التقرير إلى الملف الأردني، مشيراً إلى أن الأردنيون يرون أن الحكومة الإسرائيلية غير ملتزمة بمبدأ حل الدولتين، ويعتبرون سياسات quot;إسرائيلquot; في شرقي القدس كمحاولة تقزيم لمكانة الأردن في المدينة، وهذه السياسات تترجم بعدم ثقة عميقة من ناحية القيادة الأردنية تجاه الحكومة الإسرائيلية.
كما تعرض التقرير إلى الهجوم على السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وبين أنه نجح في منح الشارع المصري فرصة لفرض رأيه على الجيش المصري، علماً أن المجلس العسكري الأعلى يعترف بقيمة السلام، إلا أن عناصر داخله غير راضية عن أجزاء من اتفاقية السلام. وترى وزارة الخارجية أن الهدف الأول للنظام المصري الجديد بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية سيكون لتغيير الملحق الأمني لاتفاقية السلام بشكل يسمح بزيادة التواجد العسكري المصري في شبه جزيرة سيناء، وهي المنطقة التي تحولت من وجهة نظر صانع القرار في quot;إسرائيلquot; إلى بؤرة محتملة لانطلاق العمليات المسلحة والمهددة لأمنها، كما تزعم، وحولت معها مصر إلى عدو حقيقي، بعد أن كان جاراً مسالماً بسلام بارد، لا يسمن ولا يغني من جوع!
التغيير الجاري في مصر من الممكن أن يؤدي إلى تقييد حرية quot;إسرائيلquot; للعمل في قطاع غزة، وأي أحداث تعتبر استفزازية مثل عملية عسكرية في غزة أو سيناء، من الممكن أن تؤدي إلى رد مصري أشد مما كان عليه في الماضي، كما ترى وزارة الخارجية الإسرائيلية التي لم تخف تشاؤمها أيضاً بخصوص نية إيران التنازل عن برنامجها النووي، وأن الأخيرة تريد الحفاظ على شروط سياسية تسمح لها بتقديم برنامج النووي من خلال دفع ثمن تعتبره مقبولاً، وأنها قد تلجأ في لحظات يزداد فيها الضغط الدولي إلى خطوات حسن نوايا تكتيكية، ولكنها غير مستعدة لتلين موقفها بخصوص برنامجها النووي، وأي مفاوضات مستقبلية بين إيران والمجتمع الدولي ستتميز بالبطء والدقة في الإدارة.
فهل تشي رؤية الأمور من منظور صانع القرار والدبلوماسية الإسرائيلية في المنطقة، إلى رغبة في مغامرة غير محسوبة، قد تغير من وجه المنطقة وربما العالم، بعد وصل التأزم في الملفات القائمة إلى طريق مسدود؟ وهل يكون المكون الفلسطيني الحلقة الأضعف لتفجير أتون مخططات إسرائيلية تجاه تغيير أوراق اللعب في المنطقة، عبر ممارسات تصعيدية في المسجد الأقصى ومدينة القدس بالذات، لما لهما من مكانة رمزية عند الفلسطينيين والعرب والمسلمين؟


... كاتب وباحث

[email protected]