لا يختلف اثنان أن حراك الربيع العربي قد شابه تدخلات خارجية حاولت ركوب موجة التغيير الشعبي، ومواكبة المزاج الجماهيري للحفاظ على مصالح استراتيجية في منطقة هامة وذات موقع متوسط للقارات كالمنطقة العربية، وبالذات أوروبا والولايات المتحدة، ولاحقاً روسيا والصين.
لكن الحراك العربي الذي اكتفى بتغيير وجوه النظام دون إحداث تغييرات جوهرية؛ اجتماعية أو اقتصادية أو بنيوية، مواكبة لهذا التغيير quot;السياسيquot; إن جاز لنا التعبير، مدعو الآن في أكثر من بلد عربي صحا في الذكرى السنوية الأولى لاندلاع ثورته إلى مراجعة ما تحقق وتم، وإنجاز واستكمال ثورته ومعطياتها.
التقرير الصادر عن quot;المركز الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائيquot;، دعا الدول العربية التي عرفت تحولات ثورية إلى التحول من نظام quot;الدولة الريعيةquot; إلى quot;نموذج الدولة التنمويةquot;، وبين أن موجة التغيير التي بدلت الخريطة السياسية في المنطقة العربية منذ بدايات 2011 تستدعي ذلك التحول، وأن مثل هذا التحول يعتمد على تصميم وتنفيذ إطار جديد للمساءلة ينهض على الفصل بين السلطات، ويعترف بالحق في المعلومات.
وقال التقرير الذي صدر في القاهرة بعنوان quot;تحديات التنمية في الدول العربية 2011: نحو دول تنموية في المنطقة العربيةquot; أن موجة التغيير التي بدلت الخريطة السياسية في المنطقة العربية منذ بدايات 2011 تستدعي ضرورة التحول من quot;الدولة الريعيةquot; التي تعتمد على العائد من إيجار الموارد الطبيعية وبيعها إلى quot;نموذج الدولة التنموية التي تعطي أولوية لقضايا الحوكمة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والعمل اللائقquot;.
كما بين التقرير أن الدولة التنموية قادرة على تحويل الإمكانيات الهائلة والموارد الطبيعية في المنطقة إلى قاعدة يتأسس عليها النمو الاستيعابي الذي يحترم حقوق الإنسان، ويحد من الفقر ويخلق فرصاً للعمل اللائق، وينظر إلى الانفاق الاجتماعي على أنه استثمار حقيقي في المستقبل، مشيراً إلى أن إدارة استخدام الموارد الطبيعية بصورة مستدامة تشكل أخطر تحديات التنمية طويلة الأجل في المنطقة العربية.
اللافت في التقرير الأممي دعوته مجدداً إلى التكامل العربي أصبح quot;ضرورة ملحة للمنطقة على المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصاديةquot; بحسب تعبير معدي التقرير، وهو ما يصب في جهود الرئيس التونسي المنصف المرزوقي ودعوته دول الاتحاد المغاربي إلى تفعيله مجدداً، كواحد من أهم منجزات التغيير الثوري في المنطقة العربية.
التقرير اعترف أن المنطقة فشلت عموماً في تحويل ثروتها النفطية الهائلة إلى تحسين مستوى رفاهية الإنسان وخفض الحرمان البشري، وبين أن شدة الفقر في الريف والتفاوت الكبير بين التنمية الريفية والحضرية يدلان على فشل سياسات التنمية الريفية. ويقطن 50 بالمئة من السكان العرب في المناطق الريفية، في حين أن الزراعة وهي النشاط الاقتصادي في الريف تسهم بما لا يزيد على 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العربي. واعتبر التقرير أن المنطقة العربية quot;هي الأكثر تعرضاً لزيادة الفقر نتيجة للصدمات مثل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والركود الاقتصادي.quot;
ولكن ما السبيل للانتقال إلى المطلوب، وهو نموذج الدولة التنموية؟
يبين التقرير أن الانتقال من الاقتصاد السياسي القائم على الريع إلى نموذج الدولة التنموية أمر ممكن من خلال تبني آليات المساءلة السياسية والاجتماعية والإدارية التي تعزز التنمية الاستيعابية في كلا المجالين السياسي والاقتصادي، وأن مثل هذا التحول يعتمد على تصميم وتنفيذ إطار جديد للمساءلة ينهض على الفصل بين السلطات ويعترف بالحق في المعلومات. وشدد أن الأمر الأكثر أهمية هو أن quot;التحرك باتجاه الدولة التنموية يتطلب جهوداً مكثفة لإدارة أربعة موارد أساسية بشكل ملائم وهي.. الطاقة والمياه والأرض الزراعية والموارد البشريةquot;، ولكن.. أين النفط من خطة التنمية المطروحة؟.
يبدو أن معدي التقرير يوجهون تقريرهم إلى الدول العربية التي لا تعتمد النفط في سياساتها المالية والاقتصادية، لكن أياً من الدول العربية لا يفعل ذلك؟، وعليه، فإن مطالبة الدول العربية جميعاً بالتخلي عن إيرادات النفط الحالية وحذفها من مشاريع التنمية أمر يثير العديد من علامات التعجب والاستفهام، إلا إن كان مقصود التقرير توجيه النصح والمشورة إلى دول بعينها، وحينها من الخطأ التعميم واعتماد معايير موحدة لجميع الدول العربية، تفضي إلى فشل هذه الخطة أو ادعاء الجميع عدم مناسبتها له مسبقاً!


... كاتب وباحث
[email protected]