هل كان الموقف الروسي مفاجئاً بالنسبة للعرب والعالم وحتى السوريين أنفسهم؟ يتساءل كثير من المواطنين السوريين بعد أن شاهدوا المندوب الروسي في مجلس الأمن، فيتالي تشوركين، يرفع يده، في زهو، عند إعلان المعترضين على قرار مجلس الأمن الأخير بخصوص سورية، فيما بدا الموقف الصيني متمثلاً في الصورة التي تركزت على مندوبها في المجلس، وهو ينظر إلى المندوب الروسي للتحقق من رفعه يده اعتراضاً واستخداماً للفيتو للمرة الثانية، كي لا يقف وحيداً في مواجهة ثلاثة عشر دولة وافقت على القرار دون اعتراض، من بينهم حلفاء الأمس (جنوب إفريقيا والهند)، ولم يمتنع عنه أحد.
يرى البعض أن فشل الجامعة العربية ودول الخليج، ومعهم الغرب ممثلاً في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، في استمالة الموقف الروسي سياسياً ومادياً، وتأمين مصالحه المستقبلية في سورية ما بعد النظام الحالي، يقف وراء الفيتو الروسي الذي هزّ أركان المجلس للمرة الثانية في الملف السوري، لكن قراءة متأنية في مواقف الدول ودوافعها تشي بسبب أكثر أهمية من مجرد امتيازات مالية أو ضغوط سياسية كان يمكن لموسكو أن توافق عليها لولا ذلك.
ما من شك أن قدرة دول الخليج على تعويض موسكو عن خسارة امتيازاتها المالية، ودول الغرب على تعويض امتيازاتها السياسية والاستراتيجية في سورية، كبيرة جداً، لكن الخوف الروسي من تداعيات زلزال الربيع العربي واحتمال وصوله إلى قلب الامبراطورية الروسية الممتدة من أقصى الشرق على حدود اليابان حتى عمق أوروبا وقلب آسيا، بما تمثله الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد الروسي كالشيشان وغيرها، والجمهوريات الآسيوية والأوروبية المسلمة في وسط آسيا وشرق أوروبا كأوزباكستان وكازاخستان وطاجيسكتان وقرغيزستان، هذا الخوف من امتداد نسيم الحرية إلى هذه الجمهوريات التي تعد حديقة خلفية لروسيا، أو ضمن الكيان الروسي نفسه، يشكل هاجساً أمنياً واستراتيجياً لا يمكن الاستهانة به.
مصدر الخوف الروسي من وصول نسائم التغيير إلى وسط آسيا وداخل الكيان الروسي لا يقف فقط خلف تصلب موقفها في سورية بعد أن خسرت حليفها الليبي بسهولة، بسبب برودة الموقف الروسي الدبلوماسي والسياسي إزاء الموقف من الأزمات الدولية، كعادة الدب الروسي، بل يمتد إلى وجود حرب باردة خفية بين روسيا وتركيا بالذات، وأبعاد الخوف الروسي في الأزمة السورية يكمن في الدور القوي للجار التركي في الشأن السوري، وهو الدور الذي تخشى روسيا أن ينتقل مع نسائم الحرية والتغيير إلى وسط آسيا وداخل الكيان الروسي بحكم علاقة تركيا القوية بجمهوريات وسط آسيا لغوياً ودينياً وثقافياً، والجهموريات المسلمة الروسية تاريخياً ودينياً وحتى ثقافياً.
وعليه، فقد يفسر تراجع الدور التركي في الآونة الأخيرة في الملف السوري لحساب بروز الدور العربي ممثلاً بقطر والجامعة العربية، على أنه مراعاة للمخاوف الروسية من دور تركي محتمل في مستقبل سورية، قد يكون مستفزاً لروسيا بالذات، ومخيفاً لها فيما لو انتقلت عدوى الديمقراطية، من وجهة نظرالبعض، إلى قلب روسيا وأواسط آسيا الجغرافية، لكن الفيتو الروسي الأخير الذي حاول فيه العرب والغرب على حد سواء مراعاة المخاوف الروسية، والصينية بدرجة أقل، قد قطع شعرة معاوية من وجهة نظر المراهنين على إخفاء الدور التركي وطمأنة الدب الروسي، وهو ما يمكن به تفسير عودة النشاط لبروفيسور الدبلوماسية التركية، أحمد داود أوغلو، ورئيس الحكومة، أردوغان، والجمهورية (غول) للعب دور متقدم على صعيد الحلول السياسية وربما العسكرية للأزمة السورية المتفاقمة.
فهل تشهد المرحلة المقبلة مرحلة الحسم بعد أن بدا أن مراعاة المخاوف الروسية بكل أبعادها في الأزمة السورية قد تراجعت أخيراً، وفشلت في الوصول إلى تسوية مرضية لجميع الأطراف؟

.... كاتب وباحث
[email protected]