بعدسة كاتب المقال

كان ياما كان..
هذه هي بداية كل الحواديت والأوهام التي تسكن مخيلة شعب بأكلمه، عن بطل مضطهد غلبان، وسلطان قوي غاشم شرير يمارس عليه كل آليات القمع، وبعد أن يخوض البطل سنوات العذاب، يُكتب له الانتصار في النهاية، فيتزوج الجميلة، ويحل محل السلطان الجائر. وهنا تتوقف أحداث الحكاية، فلا تفسر لنا ماذا فعل البطل المغوار الذي عانى الأمريين، بعد أن ملك وتحكم وتسلطن على رقاب العباد، فهل حكم بالعدل!!، أم انتهى كنهاية الظالم الذي حل محله!!.فنهاية الحواديت سؤال مفتوح على كل الإحتمالات، خاصة أن الحكايات كالتاريخ يرويها المنتصرون فيعيدوا تشكيل الواقع كما يرون، أو كما يريدون من الآخريين أن يشاهدوه.
ونحن شعوب تعشق الحكايات، تخلق الواقع وهماً على مقاس أدمغتها القاصرة، تبجل الكاذبين، وتمجد الشطار واللصوص، إذا أجادوا سرد الحواديت والحكايات على مزاج المستمعين، فتخلق من هذا بطلاً، ومن ذاك صاحب كرامة يشفي المرضى، ويحقق المعجزات، فبنية الوهم هي التي تشكل الواقع في بلادي، وما السياسة في مجتمعنا إلا إعادة خلق للأسطورة بكل ما تحمله من ثنائيات الخير والشر، الإله والشيطان، البطل والشرير، ثنائيات سطحية تفرز وتصنف الأشخاص والمواقف، والضحية مجتمع يعاني الجهل والأمية والفقر، ويُجسد الوهم حلاً.
الشاطر خيرت الشاطر، رجل الأعمال الناجح، صاحب المشاريع الريعية التي لا تسمن ولا تغني من جوع إلا له، يوسف مصر كما أسماه أصحابه، مهندس أموال الجماعة المحظوظة، التي خرجت من غياهب الجب، بعد رحلة طويلة من الصفقات والمؤامرات استمرت لثمانين عاماً، لتحكم وتتحكم وتحدد مصير وطن كمصر، قرر أن يقدم نفسه هو وجماعته ومرشحهم الجديد للرئاسة محمد المرسي رئيس حزب الجماعة، كالبطل المغوار وشاطر الشطار، المنقذ لمصر من

بعدسة كاتب المقال

براثن العسكر، الذي احترف هو وجماعته العمل معهم ولهم منذ بداية الثورة المصرية وإلى الآن، ضد الوطن بأكمله، فيخرج في ثوب المضطهد المهدد بثورة ثانية تأتي على الأخضر واليابس، لاستبعاده من سباق الرئاسة على خلفية قضية مليشيات جامعة الأزهر، والتي اعتدى فيها على هيبة الدولة والقانون، فيحشد الميدان ويجمع الأنصار من كل الأمصار، ليخطب فيهم ويؤجج ناراً وقودها حواديت الوهم، ويهدد ويندد، ويدعو لمناصرة لقمان مصر محمد المرسي كما وصفه أحمد أبو بركة المستشار القانوني لحزب الحرية والعدالة، فيصدّر لنا حدوتة وهمية جديدة مفادها أنه وجماعته ضد حكم العسكر الممثلين في المجلس العسكري، نافياً تاريخ الصفقات التي بدأت ولن تنتهي إلا بفوز الجماعة على الأقل بكراسي الحكومة الجديدة في ظل رئيس جديد يرضى عنه طرفي المجلس العسكري وجماعة الأخوان.فالشاطر خيرت هو المجسد لكل فكر الجماعة التي خرجت كلها من السجون لتحكم مصر، متمثلة شخصية السجان.
واستكمالاً لدائرة الوهم والسلاح، قررت الجماعة أن تتوحد سياسياً مع أنصار صاحب الكرامات، الشيخ حازم أبو إسماعيل، الذي اُستبعد بعد أن تبين كذبه وفصامه الذي يمارسه على رؤوس الأشهاد، بين سب أمريكا والاستفادة بكل إمكانيات الحكومة الأمريكية ليس أهمها جنسية والدته رحمها الله.ذلك التوحد قد يكون سببه الجذور الأخوانية للشيخ حازم نفسه أو لوالده الشيخ صلاح أبو إسماعيل، وقد يكون بسبب أن من ضمن أنصار حازم جهاديين من أصول قاعدية أو العائدون من بلاد الإرهاب، والذين يتلقون أوامرهم ليس من الشيخ حازم كما يظن هو أو كما يظن البعض، وإنما من أمراء القتال في بلاد بعيدة، وهنا مكمن الخطورة، فجماعة الأخوان التي تحاول أن تنفي من تاريخها أي علاقة بالجماعات الإرهابية، تحاول استغلال غشم أنصار أبو إسماعيل كيد ضاربة في أي وقت يكون فيه تهديد فعلي لأحلام الجماعة، ولنا في الجماعة الإسلامية بكل تاريخها الدموي والتي قررت دعم الشيخ حازم خير مثال على ذلك، خاصة بعد تخلي التيار السلفي بمختلف توجهاته، الدعوي منها أو السياسي المتمثل في حزب النور عن مناصرة حازم.
فتيارات الإسلام السياسي والحركي، قررت أن تنقلب على ما أعلنت تأييده منذ بداية استفتاء مارس المشؤوم، وعادت إلى الميدان الذي لفظته وكفرته ولعنته مئات المرات وعلى مختلف المنابر، بعد أن شعرت بخطورة ما تحدق بمشروعها التمكيني، بعد أن وقعوا بمنتهى السذاجة السياسية في فخ العسكر، بمجلس شعب منتهي الصلاحية، ودستور لن يضعوه، وسلطة تنفيذيه صارت بعيدة المنال، فقرروا إلقاء كل آليات الديمقراطية التي كانوا يكفرونها من الأساس، والعودة لأصولهم الحركية الأولى، مهما كلف ذلك الوطن من آلام ودماء جديدة.
وتحول شعار quot; الشعب يريد تطبيق شرع الله quot;، إلى شعار فضفاض يزايد عليه كل فصيل إسلامي بطريقته، فأنصار أبو إسماعيل يهتفون به في الميادين، كما حدث في مليونية الجمعة 20 / 4، أو التي قبلها، أو أمام اللجنة العليا لانتخابات التي يعتصمون أمامها في إرهاب للدولة وقانونها، وكذلك يقدمه كل المرشحين الإسلاميين كمشروع نهضوي عظيم، في بلد لا ينقصه الدين، ولكن تنقصه الكرامة والعلم والقانون، مشروع ليس له ملامح واضحة سوى تمكين وسلطة ونفي وإقصاء لكل المخالفين، لندرك جيداً ماذا حدث في الحكاية بعد أن وصل البطل المضطهد إلى سدة السلطة والحكم.
وصاحب الكرامة الشيخ حازم، الذي أشاع عنه أنصاره قدرته على ارتكاب المعجزات، قرر أن يُرينا معجزته الأخيره، في حشد مئات الألوف رافعين أعلام سوداء ترمز لأصولهم الجهادية الأولى، منتظرين صاحب المعجزات أن يطبق شريعة الله كما يرونها هم، فيؤسس مجلس شيوخ جديد، أو كما أسماه مجلس للثورة الجديدة، ويقدم نفسه هو ومن معه كمخلص وهمي خرج من عالم الحواديت التي تسكن عقول أغلب مجتمعنا، بعد أن تعرض لمؤامرة كونية تبدأ بأوباما ولن تنتهي في إسرائيل، ويشارك فيها المجلس العسكري، خوفاً من تطبيق فكر أنصار الشيخ حازم عن الشريعة، لنتحول إلى أفغانستان جديدة.وكأن مصرنا تحمل داخلها كل آليات التقدم والمنافسة للكيانات العالمية ولا ينقصها إلا تطبيق شرع الله!!!!.
يا سادة، أنتم من سلكتم هذا السبيل منذ البداية، حينما توافقتم مع العسكر ومنحتوهم شرعية دينية على منابركم، وسياسية بموافقتكم على تعديلات دستورية عوراء، أفضت بالبلد إلى التهلكة، وانتخابات تشريعية بلا دستور يحكمها، وتخاذلكم عن نصرة ثورة كانت أحوج إليكم، بدلاً من مجرد مساندة مرشح سلفي أو أخواني، وتكفيركم لكل صاحب فكر قدم رؤية واضحة توصلنا إلى بر الأمان، أمثال الدكتور البرادعي الذي أثبتت الأيام أن حكمته كانت أوضح في معظم ما قال وأشار.فلعنة نعم التي ناديتم بها هي التي أوصلتكم إلى ما وصلنا إليه الآن من انقسام وتشتيت وصراع مصالح، فلقد تماديتم في استغلال ذهنية الحواديت والثنائيات التي تحكم طبيعة تفكير مجتمع لم يتجاوز بعد مرحلة الطفولة السياسية، ليتحكم به في النهاية أمثال الشطار وأصحاب الكرامات.

أكاديمي مصري
[email protected]