في العام 1964 زار جان بول سارتر قطاع غزّة، وتجوّل في الطرقات والأسواق الشعبية. وحين عاد الفيلسوف الفرنسي إلى بلاده، أخطأ في قراءة ما رآه، على نحو فادح. فقد رأى في سوق الأربعاء الأسبوعي بمدينة خان يونس، أخواتنا وأمهاتنا الفقيرات، وبعض الذهب في أيديهنّ، ففسّر ما رأى على أنه مؤشّر صريح إلى وضعهنّ الاقتصادي.
وعليه، فإنّ كل ما يقال عن بؤس اللاجئين في المخيمات مبالغ فيه!

بعد هذا التاريخ بسنة زار وفد من الأدباء المصريين غزة، وجالوا في مخيماتها، وألقوا أشعارهم. وكان من بينهم: صلاح عبد الصبور وأحمد رامي وأحمد عبد المعطي حجازي.
وكان رامي يقول لعبد الصبور: تريد أن تشحن بطاريتك يا صلاح؟ إذهب إلى المخيمات!

ثم مضت ثلاثون عاماً ونيّف، حتى جاءت السلطة، بعد اتفاقية أوسلو، فزارنا الشاعر التونسي المنصف المزغني على شوق وعطش.

منذ ذلك العام (1995) لم يزر غزة أيّ من الأدباء العرب. والحجة معروفة ووجيهة أيضاً: لن نرضى بأن يختم جوازنا جندي إسرائيلي. ورغم أننا مثلهم، لا نستسيغ أن يختم جوازهم جندي إسرائيلي، إلاّ أننا كنا نتألّم، في أعماقنا، لهذا الانقطاع الطويل عن محيطنا ومثقفينا العرب.

17 عاماً كاملة لم يدخل مثقف عربي إلى غزة.
و12 عاماً كاملة من الحصار النازي المجرم، لم يعبر خلالها مثقف عربي حدودَ القطاع.

والآن (أهو حلم أم علم؟) سيُكسر الحصار، وسيدخل وفد من أنبل المثقفين العرب إلى سجن غزة الكبير. وسيكون على رأس هذا الوفد: الشاعر التونسي خالد النجار. الروائيتان المصريتان أهداف سويف وسحر الموجي. الروائيان خالد الخميسي ويوسف رخا. الشاعر أمين حداد، الشاعرة الأمريكية من أصل فلسطيني نتالي حنظل. الروائي البريطاني من أصل سوداني جمال محجوب. المدوّن علاء عبد الفتاح. وسواهم. فيا له من فرح في هذه السنوات البخيلة.

يا له من عرس ثقافي في بلاد اشتاقت إلى أهلها.

اليوم يا أحبائي، تدخلون جنوب فلسطين، وقد خرج الجندي الكريه من غرفة النوم وجلس على السور. تدخلون قطاع غزة المحاصر، وسكانه أحوج ما يكونون إلى من يقف معهم ويحسّ بهم.

إنّ زيارتكم هذه جاءت في وقتها.
في وقتها تماماً.
فما أحوج الفرع إلى الأصل.
وما أحوج الباقي في وطنه لأن يلتمّ شمله على إخوته من حوله.

لن تتخيّلوا، مهما شطّ خيالكم، معنى هذه الزيارة بالنسبة لنا. شيء أكبر من الكلمات، أن نراكم بيننا.
شيء كأنه الحلم.
وأبداً لن يتحوّل الحلم إلى علم، إلا إذا رأيناكم بأمّ أعيننا.
إلا إذا عبرتم معبر رفح، ودخلتم فلسطين.
وإلى ذلك الحين، سنهتف بلسان كل فلسطيني: أهلاً وسهلاً بكم.
أهلاً بمثقف الفعل لا الكلام.
أهلاً بكاسِري الحصار الضاري، وقد طالت البلوى.
ونأمل من كل مثقف عربي، تسمح له ظروفه، أن يحذو حذوكم.
فهذا يؤازرنا (بعيداً عن الكلمات الكبيرة)، ويعزّز صمودنا على ما تبقّى لنا من تراب بلادنا.
وهذا، فضلاً عن ذلك، يفتح أفقاً.

فأهلاً وسهلاً بفاتحي الأفق.