التعميم منقصة، ومع ذلك مضطر للتعميم.

الوطنُ العربيُّ ما بعد ثورات الاستقلال، جاءنا بنوعيّة من الحكّام يشتركون مع الله في نفي الجَمْع. هم أيضاً يقولون: أنا هو أنا، وحدي لا شريك لي. حتى لو أنِفوا من قولها علانيّةً، فإن لسان حالهم وأفعالهم يقولها ويؤكّد عليها. حكّام هم الفوتوكوبي الأرضيّ عن ذلك الأصل البعيد المتعالي.

ومع طول مكوثهم في السلطة، وصبر شعوبهم الخانع عليهم، تحوّلوا بالفعل إلى آلهة. آلهة في نظر أنفسهم أولاً، ونظر المحيطين بهم ثانياً، وحتى في نظر جزء ليس بالقليل من عامّة الشعب.
ساعدهم على ذلك، إرثٌ طويل من ثقافة العبوديّة، رأوا أو سمعوا بعضه، وقرأوا عن أبعاضه الأخرى في كتب التاريخ. إرث كرّسه وأعاد إنتاجه معصرناً ومحايثاً وعاظُ السلاطين، وإعلام السلاطين، فأصبح هو البداهة في هذه المنطقة المحرومة من بداهات أحدث وأرقى وأنقى.
فإذا اجتمع كلّ ما سبق مع نمط اقتصاد ريعيّ، في شعوب لا تحسن - بحكم ظروف تخلّفها - سوى إنتاج فضلاتها، فحينها يكون على الجغرافيا والتاريخ العوض.

هذا هو حالنا منذ نصف قرن.
وهذا هو ما نحصده الآن.

تخرج شعوبنا العزلاء، بعد ما طفح بها الكيل، فيخرج لها حكامُها بالدبابات والطائرات.
لمَ يا ترى يفعلون ذلك؟ لأنّ المسكوت عنه في الخطاب الرئاسيّ هو هذا: نحن آلهة وأنتم عبيد. وليس للعبد، إلا العصا قديماً، والدبّابة حديثاً.

لذا أُصرّ على توصيف ربيعنا العربي في وجه من وجوهه ب: quot;ثورة العبيدquot;. ولا أجد غضاضة في تشبيهه بتلك الثورة العتيقة النبيلة، إنما دون قائدها سبارتاكوس.
ربما أشطح، معلش.

لقد عشت في القاهرة ثلاث سنوات، ورأيت بأمّ عيني كيف تُمسخ آدمية البشر، في بعض المناطق، وكيف يُردّون إلى المرحلة الحيوانية من مسير تطورهم [بالأحرى تأخرهم] وكان هذا في مفتتح الثمانينات. ثم تدهور الحال نزولاً وانحطاطاً، حتى جاءت المعجزة الأرضية، وكان ما كان.
وحال مصر كحال غيرها من شقيقاتها العربيات. ولو تُرك الحبل لحكّامها، لفعلوا ما فعله القذافي والأسد وصالح. وما سيفعله غيرهم في قادم الدور وقادم البلاد.
ذلك أنّ الدكتاتور العربي، بما هو الفوتوكوبي الأرضيّ عن ذلك الأصل المتعالي، هو أصل واحد، بنسخ متكررة على الأرض. منه نسخة تحكم هنا، ونسخة تحكم هناك. يختلفون أحدهم عن الثاني في ردود الأفعال، إنما ثابتُهم واحد: ليس من حق شعوبهم أن تنظر في وجوههم أو وجوه أبنائهم. مهما حصل، ليس من حق شعوبهم إلا الطاعة والولاء.
لذا ليس غريباً أن يصفوا هذه الشعوب _ حين أرادت الارتقاء إلى طور إنسانيتها _ بأخسّ وأحقر النعوت. فالواصف _ لا تنسوا _ هو إله مرفوع إلى مصاف المقدّس. والموصوف جُرّدَ منذ تاريخ طويل، ليس من إنسانيته فحسب، إنما من آدميته أيضاً.


إنّ أهمّ أمرين استوقفاني في كل ما جرى ويجري، هما التالي: الأول: أنّ حاجز الخوف كُسر لدى عموم الناس. وهو أمر عظيم وفارق وتاريخي بكل المقاييس. والثاني: احتقار حكامنا المريع لشعوبهم. حقيقة هم يحتقرون شعوبهم بملء ما في الكلمة من معنى. فيا للفضيحة!
لو كانوا على غير هذه الحقيقة، لما تصرّفوا على هذه الطريقة التي أعرف وتعرفون.
ولمَ يفعلون ذلك؟
لأنهم ببساطة آلهة.
وشعوبهم في عيونهم أقلّ من بشر.

التعميم منقصة، ومع ذلك مضطر أنت، إذا كتبتَ مقالاً، للتعميم.