quot;برهان غليون بمساعدةٍ من سمر يزبك، المحتفى بها في باريس بصورةٍ غير عاديّة ... يكادان يضعان الختم الرسميّ للجمهورية الفرنسية على أمرٍ بالتدخّل العسكريّ في سوريّا.
فرنسا الساركوزية، تعود إلينا مدجّجةً بالسلاح، تيّاهةً بالعملاء أمثال برهان غليون وسمر يزبك.quot; يكتب سعدي يوسف!
فعلى أي أساس أو تحليل اعتمد quot;الشيوعي الأخيرquot;؟
كان فجرٌ ماطر، والمدينة قد هدأت، بعد ليلتين من قصف الصواريخ. وكنت استيقظت وفتحت موقعه لأستمتع ببعض شعره، على سيجارة وكوب قهوة، فإذا بهذه الحجارة المسنّنة تقف في زوري.
عملاء مرة واحدة؟ يا راجل حرام عليك!
لقد قيل عنك نفس الكلام، هنا في غزة وفي غيرها، حين كتبتَ قصيدتك الشهيرة لطوني بلير. فدافعتُ عنك، وكنت وحدي في وجه عاصفة من الاتهامات.
دافعت لسبب بسيط: أولاً: أنك سعدي يوسف، الشاعر الكبير. وثانياً وعاشراً: أنّ تهمة العمالة تكون لغواً، ما لم تُقرن بأدلّة ومستمسكاتٍ ووقائعَ، يثبتها قضاءٌ نزيه في مرافعة شفافة.
واليوم، أكتب بالمنطق عينه، واللغة ذاتها.
اليوم، أكتب على ألمٍ، كأنّ الأرض فوقي، لا أنا فوقها، يا سعدي.
ذلك أنّ ظاهرة التخوين، عند أمثالك من العلمانيين، لا تقلّ بشاعة وضراوة، عن ظاهرة التكفير لدى الأصوليين العرب.
فهل هي الثقافة الواحدة .. البيئة والحاضنة الواحدة، تُنتج الشيء نفسه معكوساً بوجهين؟
ولماذا؟ لماذا المثقفون [بالخصوص هؤلاء] يستسهلون تلك التهمة الرهيبة، فيتقاذفونها فيما بينهم كالكرة؟
ألا يدلّ ذلك على خلل بنيوي وقيمي وأخلاقي في منظومتهم؟
أم هو منزع إجرامي؟ أم مجرّد عَوَار؟
ثم مَن يصدّق يا سعدي، بأنّ فرنسا العظمى : quot;تيّاهةً بالعملاء أمثال برهان غليون وسمر يزبكquot;؟
ألا تحسّ بأنّك [كبّرتها كتير] يا رجل؟
هل ثمة من شيء بينك وبينهما؟ أم أنه فقط موقف عام من حدثٍ عظيم، بعيوننا نحن، ومؤامرةٍ بعيونك؟
وإذا كان الحدث السوري، كمجمل الربيع العربي، مجرد مؤامرة كبيرة من الغرب الرأسمالي الاستعماري، حسب وجهة نظرك، فهل يعني هذا أن الشعوب العربية بأغلبيتها الساحقة تشارك في المؤامرة، أم أنّ وعيها مغيّب؟
وهل حقاً تصدّق ما تكتبه أيها الشاعر؟
سأظل مصدوماً من شاعر كبير لا يحسّ بحركة التاريخ، وقبلها وبعدها: بآلام وعذابات الناس حواليه. سأظلّ مصدوماً، بأُناس رفعوا راية التحرر والتقدم طول عمرهم، واليوم يقفون ضد حركة التاريخ، وضد الناس، الذين طالما تغنّوا بهم ومجّدوهم في أشعارهم.
ما الذي يحدث؟
اللحظة التي لطالما كتبنا لها وانتظرناها أتت. فلمَ نبتذلها ونتفّهها بل ونحتقرها بفوقية مريضة؟
أهو الغباء أم العماء أم كلاهما معاً؟ أم هو انتقام النخب من شارعٍ لم يستأذن منهم فسبقهم وتجاوزهم بمراحل؟

كلا يا سعدي.
برهان غليون وسمر يزبك، ليسا عميلين، لا لساركوزي ولا لبيبي نتنياهو.
إنهما عميلان لشعبهما فقط.
شعبهما الذي لا ترى دمه النازف، ولا تسمع أنّاته وزفراته، أنت الشاعر المُلهم.

لقد سقطتَ في امتحان التاريخ يا عزيزي. ولم تنفعك، لا ثقافتك الشيوعية، ولا تاريخك الشعري.
ذلك أنك وقفت ضد الناس: الشعوب، الجماهير، الفقراء [سمّهم ما شئت]
ووقفتَ مع الطغاة.

ومع هذا، لن نؤبلسك ولن نخوّنك. بل سنعتبرها كبوةَ حصانٍ في شيخوخته، أو خزعبلات غير مسئولة، أو حتى مجرد اختلاف وافتراق في وجهات النظر، بشرط واحد:
ألّا تخوّن الناس. سواء أكانوا أميّين، ك quot;شعوبناquot;، أو مثقفين وطنيين، أمثال غليون ويزبك.

تحية إلى شعب المعجزة.