عارٌ على البشرية، وقد دخلت الألفَ الثالثة، أن يظل يحكم بعضَ بلدانها أمثالُ القذافي. هذا الذي كل مقوماته للحكم، أنه quot;ملازم أولquot; لديه مال جمّ ونرجسية جمّاء، والباقي: صفر. قصتان بسيطتان، تكفيان لواحد مثلي، كي لا يأسف على رحيل هذا المعتوه المسلّح. المجد لليبيا،
الآن وقد انزاح الكابوس، بفضل تدخل الناتو وجَلَد الثوار، وإصرارهم العالي، يتوجب على ليبيا الجديدة أن تولد، كالعنقاء، من تحت رماد هذا الخراب الضروس. ليبيا التي نحلم لها ألا تشبه في شيء ليبيا العهد البائد.
إنه كابوس وانزاح. لكنه كابوس جد طويل. كابوس استمر 42 عاماً، بلياليها ونهاراتها. كابوس عانت منه أجيال لا جيل في ليبيا. لذا ثمة عمل شاق وكبير ينتظر الشعب الليبي. فما أفسده العقيد ليس بالشأن الهيّن، ولا بالأمر العابر. الرجل خرّب البلد. بدّد ثرواتها على نزواته المجنونة. أجبر كفاءاتها العالية على الهجرة. فرّغها من مضمونها. وأسدل عليها من هذيانه الطويل ليلاً رهيباً عزّ نظيرهُ في التاريخ المعاصر.
مبروك لليبيا.
مبروك لشعب عمر المختار: لشهدائه، وجرحاه، وتضحياته التي لم تذهب عبثاً.
ثمانية شهور ونحن ننتظر هذه اللحظة، حتى شابَ الأكثيرين منا الشكُ والإحباط. فقد طالت المدة، ونحن نريد الثمرة عاجلةً، مثل تونس ومصر. لكنْ لا بأس. أخيراً تهاوى الديكتاتور، كما يتهاوى جميع الطغاة الكرتون، في لحظات.
إنه حقاً يوم تاريخي، ليس لليبيين فقط، بل لكل العرب، ولأحرار العالم. يوم لم يكن البعض منا ليجرؤ حتى على أن يحلم بمجيئه. فهذا المجرم العصابي، الذي طال حكمه وطال، أفقدنا القدرة حتى على مجرد الحلم بزواله.
إنّ 42 عاماً من التصحّر والتجبّر، ليست بالزمن القليل، في تأثيرها، سواء على مستوى الأفراد أو الشعوب.
يوم سقطت طرابلس، كتبت مقالاً لم أنشره [لأنه لم يكتمل] ختمته بهذا السطر: quot;ولعلّه الآن قابع في مجرور أو كهف أو نفق، حاله حال الجرذان والصراصيرquot;. فالطغاة العرب، يتشابهون بدايات ونهايات وما بينهما، كالتوائم. من صدام حسين مروراً بالقذافي، وليس انتهاءً ببشار وصالح، إن صمدت وواصلت الشعوب.
الآن، وقد وردني الخبر للتوّ، تدمع عيناي. تدمع وأفكّر في ذلك الشاعر الليبي، الذي قابلته في جنوب فرنسا، وحين عدت لغزة، كتبت عنه، وعما فعلَ به القذافي من تنكيل وسجن طويل، فما كان منه إلا أن عاتبني على ما كتبت، لأنه quot;أضرّ بهquot; هو المقيم في ليبيا.
لم أكن أتصوّر ذلك. ولم يبرحني منذ تلك السنة شعورٌ بالذنب.
فلمن يدافع عن العقيد الثائر، ويعتبره مناضلاً وشهيداً، أن يأخذ هذه القصة البسيطة، على محمل الجدّ، وأن يفكر في دلالاتها قليلاً.
إنّ حاكماً يحاسب الناس على أنفاسها، وعلى ما تقرأ، لهو حاكمٌ يستحق أن يغور quot;في ستين داهيةquot;.
ليبيا في عصر القذافي، كان حتى الأدب ممنوعاً فيها: حتى قراءة المجلات الأدبية. ولن أنسى ذلك القارىء الليبي [أو المصري المقيم في ليبيا] الذي كان يتجشم الكثير من الجهد، ليحصل على مجلة quot;أخبار الأدبquot; الأسبوعية، من مكتبة عامة، فما كان من قيّم المكتبة، بعد وقت، إلا أن حذّره، من quot;اقتراف هذا الفعل المشبوهquot;! حتى أن القارىء إياه، خاف وكفّ، وحين سقطت طرابلس بأيدي الثوار، أفرج عن قصته!
قصتان، بعيداً عن التحليل بكلمات كبيرة، تكفيان كي أفرح بنهايته وتدمع عيناي فرحاً بأفراح الشعب الليبي الوديع المسالم، الصابر على المكاره ولا صبر أيوب.
وثمة سبب ثالث لأفرح وأفرح .. وهو أنّ شعبي، بكل أطيافه، فرِح هذه المرّة لخلاص شقيقه الشعب الليبي. فلم يحوجني لأعتذر كما اعتذرت سابقاً للشعب العراقي.
أخيراً يا شعبي زالت عن عينيك الغشاوة!
المجد للخمسين ألف شهيد وجريح ومعاق.
والعقبى للطغاة الأغبياء أمثال بشار الأسد وعلي عبدالله صالح.
- آخر تحديث :
التعليقات