موقف أمريكا من عضوية فلسطين في اليونسكو، أيقظت الواهمين من آخر أوهامهم، وأعادتهم إلى الحقيقة الأولى: أمريكا عدو. مهما يناور هؤلاء ومهما يداورن فإنّ: أمريكا عدو. بل عدو صار على يمين عدونا الأصلي: إسرائيل! على يمين الليكود، وليس عليهم بكثير، أن يصيروا، في قادم البلوى القريب، على يمين ليبرمان!
هذا جيد، بل هذا ممتاز. فاللعب الآن على المكشوف، مريح لطرفي اللعب، ومريح بالأخصّ لجمهور المتابعين والمتفرجين.
لم نعد بحاجة للتفكير والتأويل والوقت الطويل. أمريكا أراحتنا من هذا التعب. إنها تقول اليوم، أن حصول فلسطين على عضويتها الكاملة في منظمة اليونسكوquot; يعرقل عملية السلامquot;. يا سلام!
اكتشاف عبقري عن صحيح.
هذه هي إحدى تجليات المبارك باراك أوباما.
وليس هذا فحسب، إنما يجب إخراج العصا لمن عصا، وتأديب من نسوا حالهم، وصوتوا مع القرار. ولأنّ من صوتوا مع القرار هم أغلبية الأعضاء [ 107 دول صوتت quot;معquot; مقابل 14 دولة صوتت quot;ضدquot;، وامتناع 52 دولة عن التصويت] فيجب تأديب المنظمة الدولية ذاتها، بحرمانها من المصروف. وهكذا سيخصم ربّ البيت حوالي ربع ميزانية المنظمة، عقاباً وتأديباً. فهل نحن في روضة أطفال يا عزيزي أوباما؟ ألا يخجل كهنة جائزة نوبل، مما اقترفته أيديهم، حين استعجلوا ومنحوك جائزة السلام؟
إنّ موقف الإدارة الأمريكية المخزي من هذا الموضوع، لهو تأكيد جديد لمن يتناسون إرث عَدائنا التاريخي، بأنّ أمريكا هي أمريكا: لم تتغيّر ولم تتبدّل، رغم كل ما جرى من طوفانات في المنطقة والعالم.
إنها مع الفلسطينيين [بالذات مع الفلسطينيين] صمّاء بكماء عمياء. ومع عدوهم [بالذات مع عدوهم] مستمعة متكلمة مبصرة. فإي عماء هو هذا العماء؟
العمى مضاعفَاً!
ومع ذلك، لا بأس. فإذا كانت أمريكا عصية على التغيير، فالعالم من حولها يتغيّر، حتى في شِقّه الغربي، فهاهي ذي فرنسا وإسبانيا وبلجيكا، والنرويج، والنمسا، ولوكسمبورغ، وإيرلندا، وأيسلندا، تقف مع المظلوم، في سمفونية واحدة مع كل العرب وغالبية دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية وروسيا والصين.
إنها لحظة تاريخية لا يجب أن نقلّل من قيمتها، ولا أن نهوّل أيضاً. بل ينبغي أن نقرأها قراءة جيدة متعمّقة. فالعالم يقول لأمريكا رويدك! لن نكون رهينة بين يديكِ. ويعترف الآن بوجود فلسطين على الخريطة. فلسطين بلد الديانات والحضارات. فلسطين القدس وبيت لحم وغزة.
فلسطين المظلومة. وهاهو العالم كله يتحدّى أمريكا وينتصر للمظلوم.
إنه اعتراف ثقافي كبير، وخطوة نحو الاعتراف السياسي بحقنا وأحقيّتنا في الوجود، كشعب له تاريخ، يستحق دولة مستقلة لها جغرافيا.
أما المال، فأرجو أن يتدبّره العرب الأغنياء [إن كانت لهم إرادة] فلا تتعطّل عجلة المنظمة الدولية، ولا تقف. وكما قال الشاعر التونسي طاهر البكريquot; ليذهب مال أمريكا إلى الجحيمquot;. فآخر ما ينقص العرب هو المال، بل لديهم من quot;هذا الشيءquot; الكثير والكثير.

إنه إذاً نصر معنوي كبير للسُراة في درب الجلجلة.
وما كان ليكون لولا ربيع الثورات العربية، وفي القلب منها ثورة تونس الفارقة.
فالشكر لتونس، أول من زحزحت الباب الصديء العملاق [بتعبير جبرا إبراهيم جبرا]
ولشقيقاتها العربيات: مصر وليبيا، وفي الطريق: سوريا واليمن. فلولاهم ما كان هذا quot;البصيص من الأمل، وهذه الثغرة في حائط المبكى الاستيطانيquot; بتعبير طاهر البكري.
أخيراً: آمل أن نشتغل كمثقفين فلسطينيين وعرب على هذا الإنجاز الكبير، ولا نفوّت الفرصة.
فالزمان اختلف، ولم تعد أمريكا، على حقارتها، هي أمريكا.

مبروك لفلسطين.