شاركت فى ورشة عمل حول الشريعة والدستور في ضوء التطورات السياسية في مصر، نظمها المعهد الألماني للأبحاث الشرقية، وذلك بعد أن شكل وصول الإسلاميين إلى السلطة في دول الربيع العبي علامة فارقة، ليس فقط في مسار التحول الديمقراطي، وإنما أيضاً في مسيرة ومستقبل حركات الإسلام السياسي بوجه عام، ففجأة ومن دون مقدمات تذكر وجد الإسلاميون أنفسهم إزاء تحديات جمة تتعلق بإدارة الشأن العام، بعد أن تخندقوا طويلاً في موقع المعارضة، متخففين من مسؤولية تطبيق البرامج التي وضعوها بأنفسهم.

وضمن هذا السياق كانت ورشة العمل التي تشرفت بالمشاركة فيها مع لفيف من العلماء والمفكرين، منهم د. محمد حلمي، والشيخ أحمد ربيع الباحث بمكتب شيخ الأزهر، والأستاذ مصطفى عاشور، وحسام أبو البخاري المتحدث باسم التيار الإسلامي العام، والدكتور كمال زاخر مؤسس جبهة العلمانيين الأقباط، وغيرهم.

كانت الأسئلة المطروحة حول الدين وهل هو مصدر للقيم في الدولة الإسلامية؟ وما المقصود بالشريعة المراد تطبيقها؟ وما هو الفارق بينها وبين الدستور؟ وما هي المرجعية التي تعول عليها حركات الإسلام السياسي في مطالبتها بتطبيق الشريعة؟

الحقيقة أن كل طائفة في مصر ما بعد الثورة تريد أن تصبغ الدستور بها، وأصبح الدستور ساحة سياسية للصراع ولا بد أن يقرأ الموضوع في هذا السياق، ولاحظوا كيف اختلفت مصر كلها حول تأسيسية الدستور ولا زالت.

وأصبح هناك جدل حقيقي حول الشريعة التي اجتزأها البعض في المادة الثانية من دستور مصر ووجوب الحفاظ عليها، رغم أن هيمنة المؤسسة العسكرية على المؤسسات المدنية، هو الأولى باتفاق النخبة على مواجهته بقوانين حقيقية، لأن ذلك من الشريعة، التي ورد إقرارها بذلك في فعل عمر بن الخطاب حين عزل خالد بن الوليد بعد انتصاره وخوفاً من هيمنته العسكرية.

وسنجد أن هناك تماساً حقيقياً بين الشريعة والاستقلال الوطني، والعدل الاجتماعي، وإرادة الدولة السياسية، فهذا كله من الشريعة الواجبة والتي لا تلفت إليها فصائل متعددة من الإسلاميين، الذين يجادلون بامتياز حول تطبيق الحدود، رغم أن الشريعة هي عبادات في المجمل، ومعاملات، وأخلاق، ثم حدود، لكن المعنى الشائع للشريعة عند الغالبية ينحاز لمعناها الخاص وليس العام.

وما سبق من هذا المعنى يدفعنا للتساؤل حول القضايا الجزئية والكلية في الشريعة، وكيفية مراعاتها لمشكلات العصر، وثنائية التناقض في أحيان كثيرة بين النص والعقل، وكيفية التوفيق بينهما، ثم الحكم الفقهي والسياسي، وكيف نفصل بين ما هو سياسي وديني، وخاص عام.

وحين طرح التساؤل حول القيم والمقاصد، لم نجد إجابة شافية، حول الفرق بينها وبين الأخلاق الموجودة في كل الأديان، وهل يمكننا أن نتجاوز الكليات الخمس في الشريعة، وهي حفظ العقل والدين والنفس.. ألخ، ونضيف إليها كليات أخرى متمثلة في حفظ الحدود، وحفظ وحدة الأمة.

إن تفسيرات المقاصد، والمعاني المختلفة للشريعة، والأدلة القطعية الثبوت وظنية الدلالة، والعكس دفع لاختلافات متعددة، لكنها أكدت أن الشريعة لها أكثر من تصور، وأننا لابد أن ندرك مفهومها العام أولاً قبل أن نختلف على الخاص.

وللأسف فإن أكثر المطالبين بتطبيق الشريعة إلى الآن ليس عندهم تصور لكيفية تطبيقها أو عندهم برنامج حقيقي لهذا التطبيق فمن هؤلاء من يريدها خلافة، وآخرون يريدونها حكومة دينية، وفصيل آخر يريدها مدنية، وبعض لا يريدها بالمرة، وهناك خلاف كبير حول التصورات فضلاً عن الوسائل وأكثر من ذلك أن الغالبية العظمى تتكلم فى قضايا عامة ولا تتحدث إلى الآن في التفاصيل التي من أهمها بناء العقيدة الدينية التي هي الأصل الذي تبنى عليه الشريعة، فضلاً عن توفير الحياة الكريمة التي يرضاها المولى سبحانه وتحقيق العدالة الاجتماعية، أما من يرى غير ذلك فإنه لا يرى إلا الوجه العقابي لها.

ختاماً فإن الحقبة التي تمر بها مصر خطيرة جداً، تختلف في بنيتها عن المراحل السابقة، بعد تجاوزنا مرحلة الإسلام السياسي التقليدي إلى الإسلام السياسي القريب من السلطة، وما يصاحب ذلك من آليات أهمها تطبيق الشريعة، بعد استلام السلطة بالفعل، ونتمنى أن يحدث اتفاق في الهيئة التأسيسية على الدستور المصري بما يحفظ للأمة وحدتها، والشريعة مقاصدها.

[email protected]