لا اعرف إن كانت طبيعة بشرية أم مرض اجتماعي أو نقص تربوي أم شيء آخر، ذلك الذي يجعل لكل ناجح حساد بدرجة أعداء لا يتوانون عن شن حرب نووية أو كيماوية ضده، والناجح ليس بالضرورة شخص ما، بل ربما مجموعة من الأفراد أو شعب أو دولة أو إقليم أو حتى محافظة ما؟

ولطالما شهدنا ماذا يفعل الحسد بأصحابه وبالآخرين أيضا، ولا تعجبوا من تصنيفي هذا فقد أدركنا جميعا تلك الحملات المنظمة للانتقاص من سكان مدينة أو من عرق أو قوم أو دين أو مذهب، باستخدام نكات وطرائف تنتقص منهم وتضعهم في محط السخرية والتندر، حتى أصبحت مفردات مثل الشروكي والمعداني والكوردي والنصراني والعفري والسني والشيعي يتداولها الكثير ويستخدمها لتوصيف حالة السذاجة أو الاستصغار أو السخرية من خلال مواصفات كاذبة وروايات لا أساس لها من الصحة ولا من الحقيقة، إلا ما كان في رأس من يصنعها من عقد النقص والحسد وهو يشاهد هؤلاء الذين ينتقصهم في توصيفاته هم الأكثر تميزا في الحياة وبمستويات مختلفة تبتدئ بتفوقهم في المدارس ولا تنتهي بتميزهم في كل مجالات العلم والعمل؟

وليس من باب التخصيص بل الأمثلة اذكر هنا ما كان يشاع عن أهل الناصرية النجباء المتميزين في حضارتهم وثقافتهم وإنسانيتهم وطيبتهم، حتى أطلق الحساد وأصحاب عقد وتراكيب النقص اسم الشجرة الخبيثة على الناصرية وأهلها، كما كانوا يفعلون فعلتهم في توصيفاتهم للكوردي والمسيحي والتركماني من خلال طرائف أو روايات كاذبة غرضها الانتقاص من أناس تميزوا في تفوقهم ودماثتهم خلقهم.

ولا أجد اليوم توصيفا لتخرصات رجل دين يحرف كتب التاريخ ويحيك رواية لإبادة الكورد على خلفية مذهبية مقيتة لا أساس لها إلا في تلك الرؤوس الخاوية التي أدمنا أفعالها طيلة عشرات السنين من الحقد والكراهية ومركبات النقص التي أدت بهم إلى هاوية سحيقة، ولربما كان علي كيمياوي احد اولئك الذين كانوا يفكرون بإبادة شعب، فأبادهم الله ومحقهم وأذلهم شر مذلة؟

أقول قولي هذا وأنا أراقب هؤلاء الحساد والحاقدين والفاشلين وهم يستخدمون ميكروسكوبات عالية الدقة للبحث عن خطأ هنا أو رواية هناك ليفبركوها على مزاجهم، كما يحصل حينما يفتشون عن زلة لإنسان مثابر أو متميز سواء في السياسة أو الإعلام أو بقية مناحي الحياة، ويبدؤون بعمليات شن الهجوم باستخدام وسائل جاهزة ومدربة في مدارس ومعاهد النظام السابق المتفنن في إسقاط الآخر وإلغائه من خلال حملات التشهير والتهييج والأكاذيب، وقد شهدنا خلال الأشهر الماضية أنماط كثيرة من هذا السلوك الذي تصورنا إننا تجاوزناه حينما سقط هيكل الدكتاتورية ورموزها وخاصة في الإعلام، لكننا ربما لم ننتبه إلى تكلس كثير من تلك المظاهر في عقد سلوكية وأخلاقية نائمة أو أنها كانت تنتظر بيئة صالحة لنموها، وحينما تهيأت تلك الأجواء سرعان ما بدأت بالتكاثر والنمو والإنتاج؟

وعلى هذا الأساس لم تأت كلمات الباشا نوري السعيد اعتباطا بل ربما جاءت بعد أن ملؤا قلبه قيحا هو وقافلته التي ما تزال تسير رغم نباح أفواج من الكلاب المسعورة بالحسد والحقد وعقد النقص، وربما لم يك شاعرنا الكبير أبو الطيب المتنبي أفضل حالا من الباشا وهو ينشد قائلا:

لو كل كلب عوى ألقمته حجراً لأصبح الصخر مثقالاً بدينارِ

إذ أن حجارة العراق كلها كانت لا تكفيه للقم الكلاب التي كانت تحاول نهشه أو عضه طيلة قرون، وهي اليوم على ذات النهج المريض لا تنفك عن تشويه الحقائق وإثارة الفتن والأحقاد، لا لشيء إلا لنجاح تجربة الآخرين وفشل أولئك الذين يجعجعون في فناجين سحرهم المقيت، بينما ينهض الآخرون ويثبتون نجاحاتهم وتسير قافلتهم رغم كل هذا الضجيج ودونما استخدام للحجارة حفاظا على أسعارها العالمية

[email protected]