من الغرائب التي ينفرد بلدنا بكثرتها، ان يتركز الصراع بين القوى السياسية العراقية في الوقت الحاضر على كيفية الحصول على مغنم ( موقع ) في مجلس مفوضية الانتخابات بحيث بات هذا الامر لبعض تلك القوى وكأنه مسألة حياة او موت واحتار مجلس النواب كم من الجلسات يجب ان يعقد لأنهاء هذه القضية التي تجاوزت مسألة انقطاع الكهرباء والرشوة والتخلف الضارب اطنابه في كافة مناحي الحياة العراقية.

لم يعد يمر يوم واحد الا ونسمع اكثر من تصريح من نوابنا الاشاوس حول المجلس الجديد للمفوضين وكيف يجب ان quot; يخطفquot; ليكون بخدمة هذا الطرف او ذاك ليتمكن من السيطرة ان لم تزوير الانتخابات القادمة، فالنائب شاكر الدراجي من ائتلاف دولة القانون وصف زيادة عدد اعضاء مجلس المفوضين الى 15 عضوا هو quot; لزرع الطمائنية داخل الكتل السياسية، ولئلا تتكرر حال الانتخابات الحالية ( يقصد انتخابات عام 2010)التي يشوبها الشك من بعض الكتلquot; هكذا قال ناسيا ان هذه الزيادة غير المبررة ستكون على حساب نوعية اداء المفوضية الجديدة اولا وانها، اي الزيادة، تخالف التوجه الحكومي الحالي بضرورة ترشيق جهاز الدولة المتضخم والذي ينخره الفساد وناسيا ايضا ان الطعن بالانتخابات الماضية هو طعن بشرعيته كنائب وبشرعية الحكومة القائمة وبمجلس النواب ككل. اما النائبة عن القائمة العراقية سهاد العبيدي فتقول quot; ان اغلب الكتل السياسية مع بقاء عدد اعضاء المفوضية على حاله quot;الا انها تنبأت quot; ان تقوم المفوضية الحالية بالاشراف على الانتخابات المقبلةquot; ( !!؟) هذا التنبؤ الذي لايرتكز على دراية حقيقية بالوضع السياسي القائم ولا بنظرة بعض المكونات السياسية الى مجلس المفوضية الحالي.

ورغم ان جميع التصريحات التي ادلى بها النواب كانت ذات محتوى مختلف ومتناقض عن الاخر لكونها تعكس رأي الكتل السياسية المعنية بموضوع اختيار مجلس جديد للمفوضين والساعية لوضع المفوضية تحت جناحها، الا ان جميعها اتسم بطابع سلمي بمعنى ابداء الراي مصحوبا بالحجة دون اي تجاوزاو اتهام للطرف الاخر.
التصريح او البيان الوحيد الذي خرج عن المألوف وعن اطار الحوار والاقناع هو ما ادلى به السيد ارشد الصالحي رئيس الجبهة التركمانية والنائب في القائمة العراقية قبل فترة حول موضوع اختيار اعضاء مجلس المفوضين فقال quot; من المستحيل ان نسمح ان تكون هناك مفوضية انتخابات بدول تمثيل حقيقي للتركمانquot;، واضاف،مبعدا المسيحيين عن حقهم المشروع دستويا وقانونيا، quot; ان المسيحيين لايخوضون الانتخابات بأعتبار انهم يأخذون حصتهم من الكوتا quot; وهو استنتاج يعني ان المسيحيين لايحق لهم ان يكونوا اعضاء بمجلس المفوضية الجديد ؟؟؟

نتوقف عند هاتين النقطتين لنقول للسيد الصالحي ان الحديث بالمستحيلات لاينم عن حذاقة سياسية بل يؤثر على مكانة القائل ذاته ففي مثل هذه الحالة لانعتقد ان هذا التهديد سيخيف احدا بل وسيضع قائله في موقف محرج في حال اتفق اكثرية النواب على عدم الاستجابه لما يريده الصالحي.. ان الحوار والاقناع والاتيان بالحجج وجمع الاصوات المؤيدة هو السبيل الامثل للحصول على الحقوق المشروعه.

اما بالنسبة للنقطة الثانية فأننا لم نفهم حقا ما اراده رئيس الجبهة التركمانية عندما قالquot; ان المسيحيين لايخوضون الانتخابات بأعتبار انهم يأخذون حصتهم من الكوتاquot; سوى انه يريد ابعادهم بأي ثمن عن ممارسة دورهم الوطني والمشاركة الفعالة في الجهاز الوظيفي للدولة العراقية... ان قانون مفوضية الانتخابات ينص صراحة على تشكيل مجلس المفوضين من مكونات الشعب العراقي ( وليس الاحزاب ) والمسيحيين، كما يعلم السيد الصالحي، مكون عراقي اصيل وغير مستورد، وبناء عليه فأن من حقهم وواجبهم ان يشاركوا ابناء وطنهم في بناء الدولة وممارسة العمل في دوائرها ووزاراتها ومفوضياتها مع اخوانهم من المكونات الاخرى. ان من المؤسف حقا ان يأتي مثل هذا التبرير غير المنطقي من السيد الصالحي الذي تعتبر جبهته ايضا تمثل احدى المكونات الصغيرة للشعب العراقي فبدلا من ان يعزز وجود المكونات الصعيرة ويدافع عنها تراه يجد التفسيرات التي لا اسانيد لها في سبيل ابعاد المسيحيين عن اداء دورهم الوطني.

ولأن الشيء بالشيء يذكر نود ان نشير الى ان المسيحيين اصابهم ما اصابهم ولاسيما بعد عام 2003 فقد تم غمط الكثير من حقوقهم، ففي الوقت الذي كانوا يشغلون في السابق مناصب وزارية خدمية كوزارة الاشغال وغيرها وابدعوا في عملهم، تدنت الدرجة هذه بعد عام 2003 فأصبحوا يستوزرون لوزارات quot; تعويضية quot; تعتبر من الدرجة الثالثة كوزارة حقوق الانسان او البيئة او غيرها حيث امكانات اظهار نشاطهم وابداعهم محدود جدا ناهيك عن الابعاد المستمر عن الكثير من دوائر الدولة حيث تفرض شروط خاصة والاتيان بوثائق معينة لايمكن للمسيحي الحصول عليها ومنها تزكية من احزاب السلطة وبذلك يحرم المسيحي وبشكل غير مباشر من الالتحاق بالوظيفة الحكومية علما بأن الانضمام الى السلك العسكري او الامني بات من المستحيلات كون المسيحيين العراقيين يعتبرون quot; عملاء للاستعمار الامريكي !!!quot; وهنا نتساءل هل ان الامريكان بحاجة الى quot;عملاء quot; في العراق؟

اننا نسمع الكثير من اللغط المؤسف هذه الايام وهو ان الكيانات الكبيرة قد تتوافق على ابقاء عدد اعضاء مجلس مفوضية الانتخابات ب ( 9 ) اعضاء وسيكون ضحية هذا التوافق quot;المكون المسيحي المزدرى بهquot; حيث سيحصل الشيعة على 4 مقاعد والسنة على مقعدين والاكراد على مقعدين والتركمان على مقعد واحد اما الضحية وهو المكون المسيحي فسيعطى منصب وكيل مفوض وهو لايتعدى موقع رئيس ملاحظين في حين ان منصب المفوضين هو quot; وكيل وزارة quot; حسب قانون المفوضية.

ان سبب الازدراء الذي يحصل للمسيحيين العراقيين ومحاولات اقصائهم عن الوظائف الحكومية، هو انهم لايملكون مرجعية مدنية حقيقية ترفع صوتها وتدافع عنهم وعن شوؤنهم ومصالحهم التي تتقلص يوما بعد يوم وعلينا هنا ان نعترف بان ذنب هذا التقصير يقع عليهم هم، اما هؤلاء القلة من النواب المسيحيين ممن هم حاليا في مجلس النواب فلا يمكن اعتبارهم ممثلين عن المسيحيين العراقيين ولاحتى يحق لهم الكلام عن تمثيلهم لمثل هذا المكون الذي يفترض بالعراق وحكومته ان يفخر به كون المجتمع المتعدد بالوانه واطيافه هو القابل للتطور واللحاق بالركب الحضاري العالمي.

السبب الاخر لمثل هذا الازدراء فهو اعتقاد بعض من هم في السلطة وبعض من يهيمن على القرار في العراق بأن نقصان عدد المسيحيين داخل العراق،الناتج عن الهجرة القسرية الى الخارج بعد بروز وتنامي حالات القتل والترويع والتمييز والحرمان من كسب القوت، يقلل من نفوذهم ومكانتهم وبالتالي التقليل من فرص حصولهم على المناصــــــب في بلدهم. طبعا مثل هذا الاعتقاد خاطيء بأمتياز ذلك لأن الموجودين داخل العراق ومن هم خارجه لهـــم ذات الحقوق وذات الواجبات، فأن كان عدد المسيحيين في العراق قبل عام 2003 مليون ونصف المليون نسمة واصبحوا حاليا نصف هذا العدد فأن ذلك لايفترض ان يؤثر على مكانتهم وحقوقهم فالجميع لايزال يحمل الجنسية العراقية ويمارس حقه في الانتخابات وهم لايختلفون عن عراقيي الداخل مهما كان دينهم او مذهبهم بأي شيء.

ان السلطة العراقية يمكن ان تستثمر وجود المهاجرين العراقيين الى دول القرار كالولايات المتحدة وبريطانيا لتشكيل لوبي عراقي لخدمة العراق ومصالحه واننا لانشك ان المسيحيين منهم سيقومون بدورهم احس قيام وهذا ما تفعله اسرائيل بالنسبة لليهود في تلك الدول ولا نعتقد ان اليهود اذكى منا في هذا المجال وما يعوزنا سوى التنظيم فقط.
وعودة على بدء نقول للسيد الصالحي ان العراقي الاصيل مهما اختلف دينه او مذهبه او قوميته لايمكن ان ينكر على اخيه حقه بل يفترض به الدفاع عن ذلك انطلاقا من المباديء الاخلاقية المعمول بها في المجتمعات المتقدمة والتي لا يفترض ان نحيد عنها مهما كانت الظروف وغلت التضحيات.

اننا نطمئن السيد رئيس الجبهة التركمانية بأن مقالتنا هذه لاعلاقة لها بأية اجندات مخفية مؤكدين احترامنا ومسانتدتنا لحقوق الاخوة التركمان في العراق متمنين ان يكون موقفهم بمثل موقف المسيحيين منهم قائم على العدل والمحبة والمساواة.