من مفكرة سفير عربي في اليابان
كتبت الصحفية ايمان ابراهيم بجريدة الدستور المصرية، في الحادي من شهر يناير عام 2013، تقول: quot;كشف تقرير أمني خطير بأن هناك عددا من عناصر أعضاء التيارات الاسلامية المتشددة، والمنتشرين بقوة في شبه جزيرة سيناء، يقومون بتأليب شيوخ القبائل العربية على القوات المسلحة، وبأن هناك عناصر منها استغلت غضب مشايخ سيناء، بعد صدور قرارات اعادة توضيح ضوابط تملك الاراضي المتاخمة للمستوطنات الاسرائيلية، وعقدوا اجتماعات مغلقة لتصعيد مواقفهم تجاه القوات المسلحة المصرية.quot;
كما كتب الصحفي عبد الرحمن سيد في نفس الجريدة عن ما صرح به العالم الكبير أحمد زويل، في حواره مع برنامج quot;هنا العاصمةquot; بقناة سي بي سي حيث قال: quot;أن فترة ما بعد الثورة في مصر شهدت أخطاء جسيمة، منها حالة الإحباط والهياج بعد كل محفل سياسي بين القوى السياسية والرئاسة... وبالتالي أدت هذه العوامل إلى تدهور الوضع الاقتصادي إلى أدنى مستوياته، كما أن هناك انقسام بين جميع طوائف مصر في الفترة الحالية، وهو مؤشر خطير، سيؤدي إلى دخول مصر في حالة تدهور في جميع مؤسستها في الفترة المقبلة، لأن أخطاء المرحلة الانتقالية أدت إلى وجود حالة إحباط بالشارع المصري، وانتكاسة مؤقتة للثورة، مؤكدا أن مصر في وضع اقتصادي صعب، لابد من التفاف الجميع لإعلاء المصلحة العليا لإنقاذ الدولة.quot;
وأستمر البروفيسور زويل في حديثه بالقول: quot;كما أن حركة الأخوان المسلمين قد تخطأ، ولكنها كانت قريبة من الشارع المصري، وأدت لإحداث طفرة جديدة في الدولة، بعكس التيار اللبرالى الذي كان بعيدا تماما عن الشعب. فقد يخطأ الإخوان والسلفيون في أسلوب تحقيق أفكارهم، ولكن العبرة في السياسة في تسجيل الأهداف. وعلى الرغم من أنهم لعبوا دورا هاما على المستوى الاجتماعي خلال الثلاثين سنة الماضية، لكن لا يوجد لديهم دراية سياسية، لأنهم ثاروا الكثير من المشاكل في الدولة. كما أن وضع مصر منذ ثورة يناير 2011 في مجال السياحة، لا يليق بسمعتها داخليا أو خارجيا. ولن يرشدنا العنف للطريق الصحيح وعلينا كمصريين تغيير الوضع الحالي. فلا يجب أن يقل عدد السياح عن 20 مليون سنويا، فتوتر الأوضاع أدى إلى تدهور الاقتصاد المصري، وذلك لقلة السياح منذ اندلاع الثورة، وعدم تهدئة الحياة.quot;
يلفت هذان المقالان نظر القارئ العزيز بأنه بعد بدء quot;الربيع العربيquot; في مصر حاولت حركات متطرفة، والغير معروف من وراء نشاطاتها، زعزعة الاستقرار وخلخلة الاقتصاد المصري، وبأن علماء مصر قلقين على اقتصاد بلادهم، بسبب الخلافات الطائفية، وربما الدستورية أيضا، وخاصة بعد الإحباط الذي يعيشه الشارع المصري، كما يطالبون بالتفاف جميع أبناء الشعب لإعلاء شأن مصر الحبيبة. ويبقى السؤال لعزيزي القارئ: كيف سيتم إعلاء شأن مصر؟ وكيف سيقرر الإخوان أولوياتهم في المرحلة القادمة لتحقيق التنمية المنشودة، وليضمنوا نجاحهم أيضا في الانتخابات القادمة، لتكملة مشروعهم التنموي لمصر؟ وكيف سيتعاملون مع الحركات المتشددة، التي قوتها التكنولوجية الصغيرة المدمرة؟ وهل سيتجنبون تصدير ثورتهم للخارج، ليقوا حركتهم من أخطاء الحركات السياسية القومية والاشتراكية والشيوعية في القرن المنصرم، وليتعانوا بتناغم جميل مع جميع دول المنطقة؟ وكيف سيوفروا الأعمال المبدعة والمنتجة، بدل وظائف الدولة الرخيصة الكلفة، والقليلة الانتاجية، والتي قد تعيق بروقراطيتها التنمية المنشودة؟ وهل ستستفيد من تجارب دول إسلامية كماليزيا واندونيسيا والمملكة العربية السعودية، وربما دبي ايضا؟ وهل ستأخذ مثلها المستقبلي التجربة الاسلامية التركية الإصلاحية أم التجربة الثورية الاسلامية الايرانية ؟ وهل سيدفعوا قسرا بعلماء ديننا الأفاضل للدخول في العمل الدنيوي quot;السياسيquot;، أم سيحافظوا على وقارهم واحترامهم، بإبقائهم في مواقع التنظير الروحي والإبداع الديني، الذي ربوا، ودربوا، وتحملوا مسئوليته لنشر الخلق الروحانية، والسلوك الاخلاقي، والتناغم الاجتماعي، الذي نحن في أشد الحاجة إليه في عالم العولمة المتشابك اليوم؟
ولربما هناك أسئلة أخرى للمعارضة المصرية: هل ستعطي هذه المعارضة الفرصة للأخوان، وتساعدهم، ليتثبتوا جدارتهم ونجاحهم، ليشاركوا في تحقيق التنمية المنشودة لمصر؟ وهل ستساعد المعارضة في خلق ثقة وتناغم بين فئات الشعب المختلفة: المتفرجة، والمعارضة، والمؤيدة، والحاكمة؟ وهل ستقبل بالدستور الذي قبلته ألاكثرية التي صوتت عليه، بالرغم من الملاحظات التي سجلها البعض؟ وهل فعلا هناك حاجة لتعميق الخلاف في هذه المرحلة على موضوع الدستور؟ ألم تحقق اليابان تنميتها الاجتماعية والاقتصادية بدستور فرض عليها العدو الغربي المنتصر؟ وهل هناك دساتير كاملة، أم جميعها تتطور مع تقدم تجربة التنمية والديمقراطية؟ ألا تخاف المعارضة من أن تؤدي الخلافات المتلاحقة لدمار الاقتصاد المصري، ولبروز الحركات المتطرفة، التي بدأت تنمو نواتها في سيناء؟ ألسيت مشكلة التطرف والإرهاب من أكثر تحديات العولمة المتشابكة والمعقدة؟
دعنا عزيزي القارئ أولا أن نتفهم خطورة الحركات السياسية المتطرفة ليس فقط على حركات الاصلاح والتنمية في الشرق ألأوسط، بل أيضا على أمن وتطور اقتصاديات دول عظمى، والتي سيؤدي تدهور استقرارها في عالم العولمة الجديد، لتدهور الاقتصاد العالمي بأكمله، وذلك من خلال ما كتبه ديفيد هول، الصحفي والاقتصادي وعضو مجلس اللوردات البريطاني، والوزير السابق في مقال نشر بالإعلام الياباني، وبعنوان، نصيحة قاسية من صديق، يقول فيه: quot;المؤسسة الأمريكية يبدو أنها لم تستوعب الواقع الجديد الذي تشاهده بوضوح الشعوب الأخرى: بأن السلطة والنفوذ قد انتقلت من الجمهورية الأمريكية العظيمة، مثلما انتقلت من قبل من روما ...ومن الإمبراطورية البريطانية. ولن يستطيع الأسطول الأمريكي المحتوي على خمسة عشرة حاملة طائرات وحاملات الصواريخ أن تعيد نفوذه مرة أخرى، وذلك لسببين: السبب الأول هو أن عصر رقائق الميكرشبس الالكترونية قد بعثر السلطة، والقوة، والمعلومة، إلى جم غفير من المراكز الصغيرة، وفي أيد جديدة سيئة، وبطريقة لم يستطع أن يستوعبها صانع القرار الأمريكي حتى ألان. لقد أعطت الأسلحة التكنولوجية الصغيرة المتطورة، وتكنولوجية الانترنت، والتطور في الاتصالات، مجموعات صغيرة مشاغبة قوة توازي قوة الجيوش الجرارة. فالصغير أصبح مهلكا، والكبير أصبح مترهلا، وعرضه للهجوم. والسبب الثاني هو المشاركة الجديدة للبلايين من الرأسماليين الجدد المتحفزين والذين التحقوا باقتصاد العولمة، وجلبوا معهم كمية هائلة من القوة المالية، وبدأت تشكل قوة سياسية كالمارد الأسيوي... فقد برزت موسكو كقوة كبرى في مجال الطاقة، وتبرز الهند اليوم في مقدمة التطور التكنولوجي، وتتقدم اليابان كقوة اقتصادية عظمى، لنصل للدور الحقيقي الجديد لأمريكا اللاتينية التي ستخرج من المدار الأمريكي. ويجب أن تبدءا واشنطون بالعمل مع هذه الأمم الجديدة كند متساوي، ولا أقل من ذلك، إذا أرادت الولايات المتحدة أن تحافظ على مصالحها. quot;
لنلاحظ عزيزي القارئ أهمية ما قاله الصحفي والسياسي البريطاني ديفيد هاول لصانعي القرار في الشرق الأوسط. فقد تغير العالم اليوم، ولم يعد حل معضلات العنف في العالم العربي بيد الدول ولا الجيوش الجرارة التي تتبعها، لا الداخلية المحلية منها، ولا الخارجية الغربية. كما أصبحت المجموعات الصغيرة المتطرفة قوية وخطيرة وقاتله، فالجيوش الكبيرة وجدت لمحاربة الجيوش الأخرى، لا لمحاربة مجموعات صغيرة مبعثرة هنا وهناك بين المدنين، والتي تمتلك المعلومة بالإضافة للأسلحة الصغيرة الالكترونية الفتاكة. ولكي نوقف الدمار والعنف المستمر، يفرض علينا واجب الحكمة والعقل أن نحول خلافاتنا من صولات المعارك والحروب إلى حوارات الحسنة والحكمة، لنستطيع الاتفاق على ما يقربنا، ونحاول تجنب ما يفرقنا. كما علينا تجنب البرلمانات الصورية الغير منتجة، والتي هي عادة حكومية أكثر من الحكومة، والتي كانت السبب وراء إطاحة النظام المصري والتونسي، والتي لا تمتص نقمة الجماهير الشعبية، بل تقوي من شأن التيارات المتشددة المتطرفة، وتدعم إدعاءاتها المزيفة، وتزيدها حقدا وتطرفا وعنفا، وترفع من نسب مؤيديها في الخارج والداخل. كما أن هذه البرلمانات الصورية مكلفة، ومنافقة في قراراتها وتشريعاتها، ومضرة بالحكومة والدولة، وتؤدي لفقد الثقة في البلد وهروب الاستثمارات الاجنبية منها، بل تكون عائقا للتنمية الاقتصادية والتطور الاجتماعي، وخطرا على القيادة والمجتمع والدولة.
ولنتذكر عزيزي القارئ أيضا بأن العالم تحول اليوم إلى قرية صغيرة يؤثر ويتأثر من كل ما حوله، كما أنهى أعلام الفضائيات والانترنت نظرية السرية، فكل ما يجري في أية بقعة من بقاع الأرض يصل للجميع، لا يمكن إخفاء حقائقه أو تجميلها. وقد بدأت الكثير من الدول أن تعي هذه الحقيقة وتدرس واقع هذه العولمة الجديدة، وتحدياتها، وتعمل على وضع أنظمة وقوانين تتماشى معها، وتطور اصلاحاتها في الحرية والديمقراطية. كما ارتفعت أصوات تنادي بإصلاح الأمم المتحدة، وإعطاءها دور أكبر في الاصلاحات السياسية والاقتصادية، وتقليص دور الشركات العالمية الكبيرة في تخطيط وسن قوانين مجتمع العولمة الجديد من خلال لوبياتها البرلمانية المأجورة. ولنا لقاء.

سفير مملكة البحرين في اليابان