مع نهاية البوطي الدموية انقسم الناس فيه ثلاثا؛ من اعتبره شيطانا مريدا ورأسا للنفاق. ومن اعتبره سيد الشهداء لم يسبقه سوى حمزة. ومن نظر في المسألة خارج الإطار الديني والمصير الأخروي، وهي في مسارين مهمين:
ـ الأول ما هي المنظومة المعرفية التي حملها الرجل وعلاقته بالحداثة والفكر التنويري؟
وثانيا لما وقف فقيه السلطة وواعظ السلطان بصرامة وللحظة الأخيرة مع النظام الدموي الأسدي المافيوي؟
قد تصلح نكتة جحا للتفسير وقد تسعفنا لسبر الموضوع استعراض سيرة محامي الشيطان (فيرجي) الذي كان سيدافع عن البوطي كما دافع عن بول بوت والضابط النازي باربي.
لقد سمى نفسه محامي الشيطان وتطوع للدفاع عن المجرمين ونازيين رهيبين.
قال إنني أحاول فهم لماذا يقوم المجرم بجريمته ومن أين جاءت دوافعه؟.
أخذ المحامي جاك فرجيه (Jacqes Verges 83y) الفرنسي لقب محامي الشيطان لأنه لم يترك مجرما من عتاة المجرمين إلا دافع عنه وفي صالات المحاكم الكبرى؟ فالرجل التقى بماو تسي دونج وبول بوت، ودافع عن جزار ليون النازي كلاوس باربي وكذلك الإرهابي كارلوس، وعنده استعداد أن يدافع عن هتلر وستالين، وقد قد مشورته في قضية ميلوسوفيتش وله فلسفة خاصة جديرة بالتأمل في معنى الخير والشر في العالم، ويعتبر المحامي الأكثر جدلا وشغبا بين كل محاميي العالم وعنده استعداد أن يدافع عن بن لادن وبوش بشرط اعتراف الأخير بأنه مذنب؟
وما زال يخوض غمار المحاكمات المزعجة وقد تجاوز عمره 83 سنة ويدخن، وممن دافع عنه خيو سامفان (Khieu Samphan) رئيس حكومة بول بوت الإجرامية السابقة في كمبوديا والمسئولة عن مقتل 1.7 مليون نسمة في أربع سنوات من الحكم البربري، وقدمت الفضائيات حلقة عنه بعنوان المحامي المشاغب والأكثر إثارة في قضايا العدالة والإجرام.
والسؤال لماذا يفعل ما يفعل فيدافع عن مجرمين اجتمعت كل الكلمة على جريمتهم؟ ثم ماهي دوافع الرجل؟ ومن أين بدأت قصته؟ وكذلك علاقته بالثورة الجزائرية والاستعمار الفرنسي وكيف بدأت من قصة تفجيرات جميلة بوحيرد وأنقاذ عنقها من المشنقة كي تصبح صديقة عمره؟ وفضلا عن كل هذا فهو شاهد القرن..
ويمكن ياختصار أن نقول أن امرأتين كانتا لهما أكبر الأثر في حياته أمه الفيتنامية وجميلة الجزائرية.. وهو من جديد عن أثر المرأة وبصماتها على كتاب التاريخ..
أول ما يطالعنا عن الرجل جوابه وفلسفته حين سئل عن الشر والخير هل تحب الشر؟ فكان جوابه الطبيعة متوحشة وبدائية وصعب بالتكهن بارتكاساتها وهي بربرية خالية من المعنى والفرق بين الإنسان والحيوان هو في قدرة الإنسان في اتخاذه قرار أن يرتكب الشر وهي ضريبة حريتنا نحن أولاد آدم..
وحين سئل أهي رؤية كونية ساخرة؟ أجاب بل هي الواقعية بعينها فهكذا هي الطبيعة والحياة..
لقد دافع الرجل عن أعتى المجرمين من قتلة العصر مما دفع الناس أن يسموه محامي الشيطان؟ ولذا فهو مثير مرتين أولا لفهم دوافع الرجل، كما أنه مثير لأنه يفتح الطريق لفلسفته الخاصة انه هو بالذات بعلاقته بهؤلاء الأوغاد العتاة يعرف المزيد من الطبيعة البشري.
لذا فهو يقول عن دفاعه عن المدعو كارلوس باربي الضابط النازي السابق المشهور بجزار ليون لكثرة تفظيعه في الناس في أيام احتلال النازية لفرنسا؟ يقول: إنني أعتقد أن لكل واحد مهما أجرم الحق في أن يقدم لمحكمة عادلة ولتحكم ما تشاء؟ والرأي العام عنده سرعة في أطلاق الألقاب على الناس مثل الوحش والغول، ولكن في الحقيقة لا يوجد غول ولا شر مطلق ؟
وهذا يفتح الطريق لفهم الخير والشر في الحياة. وهو مبدأ ابكتيتوس الفيلسوف العبد الذي يرى الخير يعم الوجود. فليس من شر إلا لأنه أخذ المجرى غير الصحيح.
أما عالم النفس هدفيلد فيرى الأمور مختلفة أن الشر هو اندفاع خير ولكنه في المكان والزمان الغلط..
ويعلق المحامي (جاك فيرجيه) أن موكلي هم ليسوا غيلان ولا شياطين بل بشر ممن خلق لهم عيون يبصرون بها وسيقان يمشون بها!
ويضيف أنه حتى هتلر كان يحب كلبه ويقبل يد سكرتيرته بكل تهذيب، ولكنه كما وصفه برتراند راسل هو ولينين أن كلا الرجلين كانا عقائديين عكس موسوليني ونابليون فكانا عسكريين انتهازيين؟
يقول جاك فيرجي لقد رأينا ذلك واضحا في فيلم السقوط وما افعله أنا بقبول توكيل هؤلاء المجرمين يعطيني الفرصة لدخول حياتهم وتلافيف أدمغتهم فأفهم كيف يفكرون ولماذا تصرفوا فأكسب شيئاً لا تكسبوه أنتم ممن ابتعد عنهم، ويعلق على الضابط النازي باربي؛ أنه لو قال لي اشرح التفوق الآري العرقي لاعتذرت؛ فأنا في الأخير محامي وليس ضابطا نازيا!
ويتابع إنني متحرق لإنارة الطريق ومعرفة ما الذي دفع المجرمين لارتكاب أفعالهم والمحاكمة العادلة تشبه القطعة الفنية من أعمال شكسبير؟
دارت مسرحية بعنوان ماديلين في باريس تقتبس كلمات من هذا المحامي المثير للجدل، ويعلق عليها بقوله: أنه من الطبيعي أن تدور أعمال حولي وعمل المحامي عموما وسير المحاكمات، وفي كل عرض يظهر يبرز الصراع بين الطرفين من يتهم ويقاضي ومن يدافع، وكلاهما لا يقول الحقيقة بالضرورة، ولكنها قصص محتملة، وفي النهاية يعلن عن منتصر في هذه الحلبة، وهو أمر لا علاقة له بالعدالة؟
والرجل من الناحية المبدئية عنده استعداد لأخذ أي قضية من أي مجرم، ويقول إن من مبادئي أن لا تكون عندي مبادئ؟ وعندي استعداد أن أدافع عن هتلر؟ وكذلك بن لادن وبوش ولكن بشرط تسليم الأخير بأنه مذنب..
ولعل تعليقه على بوش يرجع إلى كون الرجل عقله مبرمج على اليسارية منذ نعومة أظفاره وخصومته للرأسمالية في الأعماق.
ويعترف أن كل مجرم وكل جريمة هي واقعة مفردة وهو يعني بكلمة أخرى أنه من المحرم تشابه الحالات..
ارتبط جاك فيرجيه منذ شبابه بالاتجاه اليساري كما أنه كان مع بول بوت (كان اسمه سالوث سار Saloth Sar) ورئيس حكومته الأسبق خيو سامفان ضمن خلايا شيوعية في باريس. وكان ذلك قبل أكثر من نصف قرن، ويرى أن من اشترك في الإبادة الجماعية في كمبوديا لم يكن الرفاق لوحدهم بل الحصار الأمريكي بيد نيكسون وكيسنجر والقصف الوحشي. وهو أمر يذكر أيضا بمحاصرة العراق قبل قصفه الوحشي.. وقصة كمبوديا تعود ليس إلى عام 1975 م حين تولى الخمير الحمر السلطة بل قبل ذلك..
وحين سئل لماذا لا يدعي للمحكمة كيسنجر ليدلي بشهادته تحفظ فيه وقال لن يمثل ولو دعي، كما أن المحكمة مشكوك في شرعيتها من جهة وجدواها؟ وهناك من أطلق سراحهم من المتهمين فلا يعقل دعوتهم من جديد لنفس القضية؟
ويرى فيرجيه أن الكثير من المحاكمات هي القوي على الضعيف كما كان في محاكمات نورمبرغ، ولذا فهو يقول في دفاعه على استراتيجية يسميها دفاع الكسر، بمعنى تحويل المحكمة من الصالة إلى الرأي العام، من خلال استراتيجية شن الهجوم المضاد من زاوية سياسية.
ووجهة نظره أن المحاكمة التي ستنفذ ضد صديقه سامفان سوف تخلي سبيله كما خلت محكمة نورمبرغ سبيل شاخت وزير اقتصاد الرايخ الثالث لأنه لم يشرف على التعذيب أو كان أداة بوليسية أو أشرف على تهجير الناس من بيوتهم.
ويتحدث الرجل بشكل مزدوج في اتجاهين فيقول إن الغرب يحب أن يلقي محاضرات في الأخلاقيات وينسى أصابع القذرة في حرب الجزائر أو أمريكا وحروبها لنشر الفوضى تحت غطاء الديمقراطية.
ومن أجمل فصول الرجل لنا نحن العرب تعاطفه مع جبهة التحرير الجزائرية حيث أسس جريدة اسمها الثورة الأفريقية، ثم جاءت ساعته في الدفاع عن جميلة بوحيرد التي كانت مهددة بالإعدام، بسبب قتل الأبرياء في حوادث التفجير، فدافع عن قضيتها الميئوس منها، وفاز بسبب الإستراتيجية التي تبناها في نقل القضية من الجنايات إلى العمل السياسي في مقاومة المحتل وهو مبرر في الدفاع عن النفس. ويعتبر جميلة مناضلة وطينة ويتفهم غضب ومقاومة الجزائريين ويتعاطف معهم حتى في مقاومتهم المسلحة..
ثم سافر معها إلى الصين وقابل ماوتسي دونج الذي أسر له بالنصيحة بالزواج من جميلة الجميلة الجزائرية أو هكذا يقول..
حين سئل عن تاريخه النضالي قال إن أباه تخلى عن وظيفته في الهند الصينية بعد زواجه من فتاة فيتنامية، ثم ذهب إلى أفريقيا ليمارس الطب هناك، ولذا فهو ولد من ثقافتين وعالمين. وتقاطيع وجهه فيها بقايا شرق أقصوية.
كان جاك فيرجييه معجبا بالثوريين مثل (ماجدلينا كوب) الألمانية التي كانت صحفية فقررت بعد رؤية معاناة الفلسطينيين المستضعفين أن تذهب للشرق الأوسط وتودع الصحافة وتنضم للمقاومة.
ويبرر دفاعه عن الضابط النازي باربي أن الرجل حف به 38 محامي وقاض كلهم يطلب رأسه فرأى أن من واجبه أن يقف في الطرف المقابل، مما تتطلب الأمر حماية من البوليس ولكنه صرخ في القاعة، لم يكن باربي الوحيد بل هناك من الفرنسيين من تعاون مع النازيين فهل ستطالهم يد العدالة أيضاً؟
كما يظهر إعجابه بشخصية تشي غيفارا القيادية..
ترك أفريقيا وعمره 17 سنة لينضم للمقاومة الفرنسية عام 1942م ضد الاحتلال النازي فتدرب في الجزائر وبريطانيا وقاتل في إيطاليا وفرنسا تحت قيادة ديجول، ويرى أن هذه من أجمل الفصول لأنه لا يدافع عن فرنسا المستعمرة بل فرنسا الثورة والفكر والحرية والمساواة والإخاء، فرنسا مونتيني وديدرو وفولتير..
وبقي يناضل حتى هذه الساعة عن كل قضية مجرم أو صاحب جناية أو مسألة ميئوس منها، وفلسفته تقوم على أن المجرم مريض ولا ينبغي للطبيب أن يتخلى عن علاج المريض بحال فيقول للأسود المصاب بالايدز أنني لن أعالجك وكذلك الحال بالنسبة للمحامي الذي يعيش هذا العالم المليء بالظلم والفوضى.
وهو بهذا يدخل عالما غامضا من عالم الأجرام والشر ولكنه يقول أنا أعرف العالم أفضل منكم لأنني أراه على حقيقته، وبالطبع فقد اتهم الرجل انه يأخذ أمواله وأتعابه من طغاة في أفريقيا أمثال تشومبي قاتل باتريس لومومبا والآخر من التوغو إياديما (Eyadema) ولكنه يرى أن الطبيب الذي تعاف نفسه من رؤية الدم والرؤوس المفلوقة والجروح المفتوحة ويأبي العلاج قد ضل طريقه في عالم الطب وكذلك الحال في المحاماة مع قذارات المجتمع وأوساخه من عتاة الأجرام، ولذا سمي باسم قبيح (كيس القاذورات اللامع؟!)
ومن أعجب أمور هذا الرجل اختفاءه المفاجئ ولمدة ثماني سنين، بدون أن يخبر عائلته، ليخرج إلى السطح بعد ذلك، وهو يعتبره سرا لا يجوز إفشاءه؟ ويستشهد بالمفكر اندريه مالرو (Andre Malraux) بأن حقيقة الإنسان هي في الأمور التي يتكتم عليها؟
ولذا فهو لن يفصح عن غيبة الإمام المنتظر؟!! ..
وأمثال هذه الحركات معروفة في كل الطوائف والفرق من الاختفاء حتى يجنح الخيال إلى كل احتمال؟؟
حقيقة إن قصة هذا المحامي المشاغب شدتني فأحببت أن أنقل طرفا من خبره، وهو أمر يقودنا إلى معالجة أمرين؛
ـ أولا موضوع الثنائيات لفهم مشكلة الشر في الوجود، وكما رأيناها عنده فهي بحق أعجوبة وفهم مختلف تماما...
ـ والأمر الثاني هو في محاكمة سامفان رئيس حكومة كمبوديا السابق ولكن هل كل طاغية ينتهي خائفا من محاكمة تنتظره؟ فلنناقش أذن مسألة نهاية الطغاة ومصير الظالمين.
نهاية البوطي الدموية وكيف تفهم؟
كل إنسان رواية وخاتمة. وانتهت رواية البوطي (اللغز) دموية جدا.
إنه يذكر بنهاية راسبوتين الروسي وكان رجل دين. وكان نافذ التأثير في العائلة الملكية رومانوف، كما كان البوطي شديد التأثير في العائلة الأسدية.
جاء في القرآن أربع نهايات مأساوية للأفراد والجماعات تحت الأخذ بمسمى الذنب؛ فكلا أخذنا بذنبه:
ـ فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا (قوم عاد). نموذج الاعتداد لنظام شمولي يقول من أشد منا قوة. نموذج عائلة الأسد (بالأصل الوحش كما جاء في رواية باتريك سيل)
ـ ومنهم من أخذته الصيحة (قوم ثمود). نموذج البنيان ومصانع لعلهم يخلدون مذكرا بالاشتراكية الصفراء وقتل الحياة بقتل ناقة صالح.
ـ ومنهم من خسفنا به الأرض (قارون). نموذج الرأسمالية المتوحشة.
ـ ومنهم من أغرقنا (فرعون). وهو ما يعادل الطغيان السياسي.
والسؤال الآن هل هي العدالة الإلهية التي تكتب نهاية الأفراد والجماعات في الدنيا؟ وهل فعلا تمثل العدالة الأرضية نهاية الرحلة؟ أم أنها تعجز كثيرا؛ فينبثق منها مفهوم (اليوم الآخر) ونهاية الرحلة والعدالة الكاملة، حين توضع الموازين القسط ليوم القيامة ولو كان مثقال حبة من خردل يؤتى بها فيقول الرب: وكفى بنا حاسبين
الجواب على هذا من جانبين: قصور العدالة الأرضية في التاريخ الممتد. الكثير من الطغاة ماتوا في عزة وشقاق.
وبالمقابل الكثير من المصلحين والفلاسفة والروحانيين والأنبياء انتهوا بالحرق والصلب والتهجير والقتل.
غاندي قتل برصاصة، وقطب علقه عبد الناصر على حبل المشنقة فتدلى، ومارتن لوثر ومالكولم أكس وكلاهما أسودان أمريكيان انتهت حياتهما بالاغتيال.
كقاعدة عامة يبدي أن التاريخ يرسم أربع نهايات للجماعات الإجرامية.
1 ـ عدالة تظهر على السطح فتنهي حياة نظام يقوم على رأسه مجرم: نموذج ذلك تشاوسسكو.
2 ـ على العكس نظام مجرم ينتهي ولا ينتهي صاحبه بعدالة مع أنه أرسل إلى الموت طوابير لا تنتهي مثل (بول بوت).
3 ـ نظام إجرامي يتابع حياته ثم ينتهي بعد حين ولكن يموت صاحبه في جنازة هائلة مثل ستالين وحافظ الأسد الذي يرقد في قرداحة في ضريح هائل.
4 ـ ونظام ينتهي مع صاحبه فيموت الاثنان نموذجه هتلر والنازية وموسوليني والفاشية.

هنا يأتي دور البوطي (اللغز) رجل الدين وفقيه السلطة ورجل الدين في السياسة الكاذبة.
الرجل من جانب لغز فكيف يمكن لرجل الدين السني أن يدافع بهذا الشكل من الحماس عن نظام إجرامي في وجه ثورة شعبية؟ بل يدعم فتوى من مفتي سني حلبي بالدعوة للجهاد تحت راية نظام علماني هدفه الأساسي هو اجتثاث الإسلام.
هنا يصاب الإنسان بالدوار أمام الأدوار.
أذكر أنني سالت يوما صديقي القطري الأنصاري عن تفسير قاعدة أمريكية وإذاعة حرة في قطر فكيف نفهم؟ قال الجواب سهل هي السياسة يمكن أن تكون مثل الزئبق خاضعة لكل تشكيل. أو حبار البحر الذي يتلون بكل لون.
البوطي لغز من جهة وهو واضح من طرف آخر. إنه نموذج رجل الدين بجنب الطاغوت فيحق عليهما قول الجبت والطاغوت، وهو فقيه السلطة وواعظ السلطان بتعبير الوردي عالم الاجتماع العراقي فلا جديد.
من قتل البوطي إذن؟ إنه نقطة تقاطع من عدة دوائر تريد الخلاص منه: السلطة كي تثير فتنة جديدة وتشويش وتشويه لوجه الثورة السورية.
إذا كان الجعفري في الأمم المتحدة يطلب لجنة لأن العصابات المسلحة أطلقت سلاحا كيماويا فهل يمكن لأي لجنة حيادية في ظل نظام خبيث أن تصل لأية حقيقة في مصرع البوطي المسكين.
يمكن أن يكون النظام أراد التخلص منه بعد أن أدى أدواره مشكورا. كما يمكن للنظام أن مكّن لمن يدخل الحلقة الأمنية المخيفة للمكان فيسمح له بالقضاء على فقيه السلطة وإطلاق يد السلطة أكثر في الجريمة والانتقام.
سوريا اليوم مغسولة بالدم ودم البوطي ليس أغلى من دم أي ثائر يقضي نحبه في صراع نظام دموي شرس، كما أن رقم العلويين المغفلين الذين أعلن عن مصرعهم الصالح في الاتجاه المعاكس ليس قليلا: 47800 قتيل من جبل العلويين. إنها مذبحة عارمة وهوة انتحارية يمشي باتجاهها الأسد ونظامه، والبوطي واحد من جرائم الأسد الكثيرة قتله من قتله.
علينا أن لا نفرح كثيرا بأخبار الموتى المقتولين ولنكتب كما كتب يوما فرويد لآينشتاين أفكار لأزمنة الموت.