لا أعتقد بأن أي طرف ما يستطيع المزايدة على دور الدكتور و الأكاديمي والباحث الكويتي الشهير عبد الله النفيسي الثقافي و السياسي في الخليج العربي بشكل خاص، فهو قامة ثقافية ومعرفية كويتية وعربية كبرى، وهو إضافة لدوره المعرفي معروف بدوره الحركي المباشر في شؤون وشجون المنطقة، كما أنه باحث موسوعي لايشق له غبار ومفخرة من مفاخر الحالة الإبداعية للشعب الكويتي الذي أنجب جمهرة من العمالقة من أهل الفكر و الرأي ومن الخبرات في مختلف مجالات الحياة، لقد ملأ د. النفيسي الدنيا وشغل الناس في كويت الفكر و الحرية والعطاء وهو ثمرة من ثمرات حالة الإنفتاح والحرية الفكرية في الكويت والتي كانت في مرحلتي الستينيات و السبعينيات من القرن الماضي تعيش أزهى أيامها في ظل إنفتاح معرفي غير محدود و تسابق للمعرفة والعطاء، وسبق للدكتور النفيسي ومنذ سنوات عديدة أن أدار برنامجا تلفزيونيا كنا نتابعه ونحن صغار بعنوان ( المائدة المستديرة )، كما تابعناه في تحولاته الفكرية والسياسية منذ أن أصدر كتابه المثير للجدل عام 1978 ( الكويت.. الرأي الآخر ) والذي تسبب له بمشاكل لاحصر لها ولا عد، قبل أن تتم تسوية الأمور ويدخل الدكتور النفيسي عام 1985 مجلس الأمة الكويتي كنائب منتخب في موقع كان يليق و يتشرف به بكل تأكيد، فالنيابة أمانة و تكليف من الأمة وهو كان في مستوى تلكم الأمانة و التكليف وبجدارة سيذكرها التاريخ، فاللرجال في الكويت مواقف عز وأنفه وشهامة لايتجاوزها الزمن ولا تدوسها الأحداث، ولقد تابعنا الدكتور عبد الله النفيسي في السنوات الأخيرة وهو يحث الخطى ويحذر القوم من مخاطر و أخطار المشروع الصفوي التخريبي الإيراني وتابعناه وهو ينبش بكل تفاصيل و خبايا ذلك المشروع العدواني الطموح المستند لأهداف وعوامل وجذور تاريخية، وكان النفيسي متألقا وواضحا وصريح العبارة وهو يضع النقاط على الحروف و يجتهد في ربط الأحداث ويبذل قصارى الجهد في السفر و اللقاء و التحري و مساءلة رموز المشروع الصفوي في إيران منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم ليصل للحقيقة السوداء المتفحمة و القائلة بأن أهل الصفوية الشيعية المنحرفة عن خط إمامة أهل بيت النبوة الكرام هم اليوم بصدد وضع اللمسات الأخيرة على مشروعهم العدواني الهادف للهيمنة على المنطقة وإن ماحدث في العراق من تخريب متعمد وتدمير منهجي وتحطيم لبنية الدولة و المجتمع و جلب لعناصر التخلف و العمالة من الأحزاب الطائفية العميلة ذات المرجعية الفكرية الصفوية للسلطة في العراق هو جزء رئيسي من المخطط الصفوي الجديد الطموح، محذرا القوم في الكويت و الخليج العربي من يوم أشد قتامة من يوم الغزو العراقي الأسود في 2/8/1990، خصوصا وإن قوات الحرس الثوري الإيراني ليست بعيدة بل أنها متواجدة في العمق الخليجي وعناصرها تعيش بين ظهرانينا وإن يوم النكبة أقرب إلينا من حبل الوريد مالم يتم تدارك الموقف.. و ما أظن أن ذلك التدارك سيحصل!!.. المهم إنه بعد التحذيرات الجادة وإيراد الوقائع و تسمية رموز وعناصر وضباط إرتباط المشروع الصفوي الإيراني العنصري الخبيث قررت وزارة داخلية الكويت إحالة السيد النفيسي لمحكمة أمن الدولة بتهمة المساس بالوحدة الوطنية!! وهي تهمة غريبة ومثيرة للعجب تشهر في وجه من يحرص على تلك الوحدة الوطنية المقدسة وينبه الغافلين لما يدور من تآمر بل ويحدد مكامن الخطر ويرسم الحلول ويضع الإصبع على الجراح فإذا به يتحول لمتهم و بتهمة شنيعة لا تليق أبدا بفكر وعطاء و إخلاص ووطنية و تفاني عبد الله النفيسي، الشرطة لاتصنع التاريخ أبدا بل أنهم من يشوه التاريخ و يبصق على دماء الشعوب و تضحياتها، و محاكمة الفكر لا تكون بإجراءات القمع و التهديد لأنها إجراءات عبثية تعبر عن الفشل الفكري و القيمي في مقارعة الحجة بالحجة، لقد أحيل النفيسي لمحكمة لا تتناسب ملفاتها مع عطائه و أخلاصه الوطني فيما تم التغاضي العلني عن عناصر تدافع عن الإرهاب الدولي الذي وقعت الكويت ضحية لها إعتبارا من عام 1983 وحتى الغزو العراقي؟ كما أن محكمة أمن الدولة لم تساءل أبدا ذلك العنصر الصفوي الذي شتم النظام السعودي ودعا عليه بالزوال و شتم مملكة البحرين وملكها ورفع عليه دعوى قضائية في جنيف، بل و تمادى في الدفاع عن إجرام وإرهاب النظام السوري و التغني بدستوره العفن علنا تحت قبة قاعة عبد الله السالم الكويتية في تحدي صلف لمشاعر غالبية الشعب العربي الكويتي؟ ليس د. عبد الله النفيسي من يستحق المحاكمة بتلك التهمة الشنيعة و المرفوضة والتي لا تتناسب أبدا ومقامه الفكري و الآيديولوجي بل أنها توافق كل الموافقة عناصر اللوبي الإيراني الصفوي القوي في الكويت من الذين نعرف و تعرفون، ولا نرى داعيا لإعادة ذكر الأسماء وهي معروفة ومشخصة للقاصي و الداني !!، إنها تناسب أولئك الذين ينشرون الخرافة و يحرقون مكة المكرمة و يمارسون الإرهاب العلني و يخطفون الطائرات، ويحاولون إغتيال الشرعية و تدمير كل أواصر الوحدة الوطنية الحقيقية، و يساعدون شبيحة الشام وعناصر الحرس الثوري في مهامهم.. في الفم ماء كثير.. وفي القلب غصة ولوعة، ولايجوز أبدا أن تخنع الكويت الحرة لإبتزاز وصلف أولئك النفر الضال و أصحاب السجلات العدلية المشبوهة و المعروفة، نتضامن مع الدكتور المفكر الكويتي عبد الله النفيسي كرائد من رواد الحرية والإبداع في الكويت، وقد نختلف معه في بعض الجزئيات إلا أن ماقاله و أعلنه في ندوة 25 مارس الماضي في ديوان الدوسري لايمكن أن يكون ضارا بالوحدة الوطنية أو يسيء لعناصرها الجامعة المانعة، فهو لم يمارس الإرهاب و لا التحريض بل حرص على التحذير من يوم عبوسا قمطريرا سيكون أشد بؤسا من خميس الغدر الأسود... لا لمحاكمة الفكر الحر.. ولا لتشويه مواقف الأحرار، والأمة التي تضطهد مبدعيها تكون قد حكمت على نفسها بالفناء... المشكلة في العالم العربي بأنه لا أحد يتعظ!!... أو حتى يحاول التعلم من دروس الماضي القريب، و سيبقى الدكتور عبد الله النفيسي رمزا وطنيا كويتيا خليجيا عربيا إنسانيا شامخا و تتهاوى تحت قدميه كل دعايات وخرافات الصفوية الإرهابية المجرمة بعناصرها المتساقطة وغرفها السوداء و خططها الخبيثة.. كل أقوال و تنظيرات و تحذيرات عبد الله النفيسي من خبائث الصفوية الجديدة لها مصداقيتها المؤكدة و أسسها البنيوية الراسخة ولا صوت يعلو على صوت الأحرار... نرى تحت الرماد وميض نار يوشك أن يكون لها ضراما... ولا نريد أن نقول على الكويت والعرب السلاما..

[email protected]