لا بد أولا من معرفة طبيعة الأهداف التي استهدفتها إسرائيل، فنظام الأسد يعلن أنها استهدفت اللوائين 104 و105 التابعين للحرس الجمهوري، والمنتشرين في مناطق جمرايا وقدسيا والهامة والصبورة في ريف دمشق، كما استهدف القصف الذي وقع مستودعا للذخيرة تابعا للفرقة 14 في نفس المنطقة، إلى جانب استهداف مركز للبحوث في جمرايا.
أما إسرائيل فأعلنت أنها أن الطائرات الإسرائيلية نفذت هجوما على موقع قريب من مطار دمشق، يحتوي على مخازن لصواريخ كانت معدة لإرسالها إلى منظمة حزب الله اللبناني.
الخلاف هنا في الروايتين يتناسب مع طبيعة الموقف السياسي لكل من نظام الأسد وإسرائيل، فالأول يحب أن يعزز ادعاءاته بأن الثورة ضدَّه، تحركها أياد إسرائيلية وأمريكية. وإسرائيل يهمها أن تثبت أن تحركاتها العسكرية معللة بمخاوفها من انتقال السلاح الكيماوي إلى منظمات غير ( متطرفة) أو إلى حزب الله، وهو المدرج في هذه المرحلة.
ولا ننسى الموقف الأمريكي العلني الذي أيّد من خلاله الرئيس باراك أوباما حق إسرائيل في حماية نفسها، ومنع وصول الأسلحة الكيماوية إلى جهات معادية، كحزب الله.
الموقف الرسمي السوري يرى أن هذا العدوان يأتي تأكيدا للتنسيق بين إسرائيل والمجموعات الإرهابية والتكفيريين وquot;جبهة النصرةquot; من أجل مساعدتها، بعد الخسائر التي منيت بها، ميدانيا، والتقدم الذي بات النظام يحرزه على امتداد الأراضي السورية.
هذا ويأتي هذا التطور بعد عدد من التطورات التي تخدم موقف النظام في دمشق، وكان أبرزها إعلان quot;جبهة النصرquot; مبايعتها لتنظيم القاعدة، بزعامة أيمن الظواهري، وهذا الإعلان يخدم الأسد خارجيا، على المستوى الدولي، والأمريكي، تحديدا، ليؤكد أن البديل عنه من الممكن أن تكون حركات جهادية متطرفة.
كما قد يخدمه داخليا، وفي أوساط معينة من الشعب السوري التي تخشى أن تؤول البلاد إلى القاعدة، و(حكم إسلامي متشدد).
وهذا الحضور لجبهة النصرة، بارتباطها بـquot;القاعدةquot; علنا يخرج الثورة في سورية عن كونها مطالب شعب مظلوم توّاق إلى الحرية والكرامة والمشاركة السياسية الحقيقية، إلى صعيد حرب دينية، ولولا أن quot;جبهة النصرةquot; عُرفت بالشجاعة والضربات النوعية لما بقي لها في أوساط السوريين العاديين حظ كبير، ولكن في حمأة الحرب الطاحنة، وفي وسط القتل البشع على أساس طائفي، فإن quot;جبهة النصرةquot; تبدو أكثر وعيا بتجارب القاعدة في العراق، وأكثر حرصا على تجنب تكرارها، فهي لا تتعرض لغير المتورطين في حربها، ولا تعلن عدوا غير قوات الأسد ومن يسانده من الشبيحة.
والتطور الثاني الذي قد يفيد الأسد، ونظامه، موقف يوسف القرضاوي الذي شكر أمريكا على ما قدمته من مساعدات للجيش الحر، ونفيه من طرف خفي، أن تكون الثورة، إذا نجحت، موجهة ضد إسرائيل.
وهذا الموقف يخدم الأسد داخليا، وإقليميا، حيث يعزز روايته القائلة بارتباط الثوار بأمريكا، وانضوائهم في أجندتها، في القضاء على نظام الممانعة في وجه أمريكا، وداعم المقاومة، ضد إسرائيل، وأن البديل عنه هي حكومة مدجّنة، ومروضة، لا تخدم فلسطين، ولا تدعم القضايا العربية.
مع أن هذا الموقف يمثل بعض أطياف المعارضة، إلا أنه من الصعب القول إنه يمثل كل أطيافها، وهو موقف للقرضاوي، وليس موقفا للثورة، ولا سيما ميدانيا.
وكانت درجة التدمير التي صعّد إليها النظام، جعلت قسما من الناس يعيدون حساباتهم، بأن ما يحدث هو خدمة لإسرائيل، والقوى المعادية للعرب، وهو تدمير سورية، كبلد، وكدولة، فالثمن باهظ جدا، وهم هنا ليسوا مضطرين إلى تصنيف المعارضة والنظام، ولكن الواقع السوري برمته أصبح غير مُجدٍ، بل خطير، ومتقاطع مع أهداف الأعداء، وهنا يستحضر مصير العراق، وأنه بعد كل القتل الذي انفتح عليه، أصبح اليوم آيلا لتفكيك والتقسيم، أو الحرب الطائفية.
وانبنى على هذا الوضع التدميري، ورافقه تراجعُ فرص الحلول السياسية، بسبب رفض الأسد لحل على غرار الحل اليمني، حتى اللحظة، وذلك الرفض ناتج عن التردد الأمريكي، في الحسم ودعم المعارضة، (بسبب عدم اطمئنانها وإسرائيل إلى البديل المقبل) وناتج بالتالي عن الدعم الروسي السياسي والعسكري، وكذا الإيراني ومن حزب الله، وهو دعم يبدي أصحابه أنه نهائي وثابت، وفق حلف متين.
وكان من الطبيعي في ظل هذا الغياب الدولي، أن تعطَّل فاعلية مجلس الأمن، وكذا الجامعة العربية، اللهم إلا من دعم عسكري منضبط لأطراف في لمعارضة السورية.
كل هذه العوامل، بالإضافة إلى الأضرار الجسيمة التي يعاني منها الشعب السوري، بل الجحيم الذي لا يطاق، كل هذه العوامل والتطورات من الممكن أن تصب في أهداف نظام الأسد، بوقف الثورة، وإجراء إصلاحات محدودة، وانتخابات لا تأتي على بنية النظام.
ومع كل هذه العوامل والرياح التي تجري بما لا تشتهيه سفنُ الثورة فإن انبثاق هذا الرفض الشعبي السوري لنظام الأسد من عوامل ذاتية طبيعية غير مؤدلجة، في الانبثاق الأول، يرجح استمرارها، ولا سيما بعد فقدان النظام المتواصل للسيطرة الدائمة على المناطق الثائرة، وهي أضحت غير قابلة للحصر.
وعودا على العدوان الإسرائيلي، يمكن طرح عدة أسئلة: لماذا كانت الضربات في هذه الفترة، وبدأت تزيد، مع استمرار الثورة، وارتخاء قبضة النظام؟ لماذا سكتت إسرائيل عن تلك الأهداف طيلة سنوات النظام السابقة؟
من الواضح أن المتغير الذي أثر هو ضعف النظام والخشية من انتقال تلك الأسلحة إلى منظمات معادية، ولو ظل النظام متماسكا لما أقدمت إسرائيل على هذه الاعتداءات.
ثم إن ربط النظام بين quot;جبهة النصرةquot; وإسرائيل لا يبدو مقنعا، فلا يُعقل أن تطمئن إسرائيل إلى (جماعات دينية جهادية) تحاربها في غزة، أو أمثالها، وتخشاها في شبه جزيرة سيناء، أكثر من اطمئنانها لنظام ظل منضبطا باتفاقية فك الاشتباك عقودا متتالية، وظلت جبهة الجولان المحتل هي الأهدأ معه منذ 1974م .
وحتى في لبنان لعب النظام السوري دورا أقل ما يوصف به أنه عاقل، وأحيانا كثيرة، متقاطعا مع إسرائيل في حرب المنظمات الفلسطينية، ومن ثم كان من عوامل انضباط حزب الله بالاتفاقات والتفاهمات التي إسرائيل طرف فيها، وآخرها القرار الأممي 1071 الذي اتخذ في 2006م ولا يزال حزب الله منذ اتخاذه، ملتزما به.
وأخيرا، فمن المؤكد أنه كما أن نظام الأسد قد يوظف هذا العدوان الإسرائيلي، لتعزيز دعاويه بأنه مستهدف أمريكيا وإسرائيليا، فإنه قد يعيده إلى الدائرة الحرجة، وهي استحقاق الرد الذي لم ينفذ، مرة، منذ تلك العبارة المعهودة عن الحق في الرد في الوقت والمكان المناسب..ولا ندري هل حان وقت الرد؛ لتذوق إسرائيل بعض البطش الذي ذاقه الشعب السوري، على مدار عامين من عمر الثورة؟!
.