لقد روج نجل الشيخ الزنداني في الحقبة الفائتة - وما زال - يشهر على بعض مواقع الشبكة العنكبوتية أن والده قد تحصل على تسجيل براءة اكتشاف لعلاج مرض نقص المناعة المكتسبة والمعروف بالاختصار العلمي (H I V). هل تعلمون يا سادتي أن كل شخص منّا وفي أي بقعة من بقاع الأرض له الحقّ في تسجيل براءة اختراع أيّا كانت، شرطاً أن يكون له السبق في تقديمها، يعني لم يسبقه أحد في عرض فحواها من قبل، إذا توفرت له الشروط اللازمة لتقديم الطلب. وبطبيعة الحال يجب على مقدم طلب براءة اختراع من لدن منظمة الوايبو العالمية أن يدفع الرسوم المتعلقة بتسجيلها لدى المنظمة. فتسجيل براءة اختراع وحدها لا يفصل أو يحكم في فعاليّة الاختراع أو الوصفة المقدمة من قبل الباحث وما إذا كانت صالحة في علاج مرض ما أم لا. وتسجيل براءة اختراع الشيخ الزنداني يعني فقط أنه لا يحق لشخص غيره في تكرار نفس الاختراع في سجلات المنظمة لا أكثر ولا أقل.

نعم، هي فكرة جهنميّة وقد خطرت ببال كثير من الناس سيما المحتالين فسجلوا براءات سخيفة لا تخطر لأحد منّا ببال منها على سبيل المثال براءة تكبير بعض أعضاء الجسم (...) وبراءة تكبير نهديّ الأنثى وبراءة علاج مسّ الجنون، الخ من قائمات تحوي على براءات زعماً quot;خارقة للعادةquot; في علاج أمراض السرطان والإيدز ومرض الصفراويّة الخ.

لقد طالبني بعض أخوتي بالعلمية في الطرح وهانذا أقول لهم أن العلماء والباحثين عندما يخترعون لقاحاً أو دواءاً جديداً لمرض يشغل البشريّة أجمع فمن الجدير أن يقدموا هذا العمل على مستوى الكرة الأرضية في شكل بحث علمي في مجلات محكمة، لا يمكن لعوام الناس أن ينشروا بها ما لم تكن لهم درجة عالية من التخصصية في المجال المطروح وباع كبير من الخبرة في مجال البحث العلمي. ينبغي أيضاً أن يكون الباحث معروفا بين أقرانه بكتاباته وأبحاثه في هذا المجال. وكما نعلم أن العلماء والمختصين في علم ما يقيمون مؤتمرات علميّة على مستوى رفيع ليقدم فيها كل باحث ما توصل إليه من نتائج وحتى تقديم الأوراق العلميّة بها يخضع للجنة تحكيم. فالأسئلة التي تطرح نفسها هنا بكل علميّة وعدم تحيز:

- هل الشيخ عبدالمجيد الزنداني مؤهل في هذا المجال لكي يقدم أدويّة وعقاقير في مجال علاج مرض الإيدز وكما زعم من قبل في مجالات أخرى كمجال أمراض القلب الخ؟

- هل قدم هذا الاختراع في شكل بحث علميّ للجنة محكّمة لتحكم كهيئة محايدة على فعاليّة الاختراع؟

- هل شارك الشيخ في مؤتمرات علمية قدم بها أطروحته وشرح فيها كيفية العلاج بدوائه المخترع؟

- إن سلمنا في أن كرامة الشفاء على يد الشيخ هي السبب في فعاليّة الاختراع فهل تتكرر الكرامة دون انقطاع؟

للأسف لم نجد ما يشير بأن الشيخ الزنداني قد نشر اختراعه في مجلات علميّة محكمة، كما وأنه لم يقدم هذا العمل بين أيدي علماء يمكنهم أن يحكموا فيه فاحصين ومنقبين علمية الفعالية. لذا يجب علينا أن لا نخلط بين العلم وبين الأحاسيس، فاللجان العلميّة المؤهلة في مجال الصيدلة هي المعيار الوحيد الذي يجيبنا على ما إذا كان الزنداني باحثا حقيقيا أم أن الأمر هو شعوذة لا يعلم بها إلا الله.

المتابع للأخبار العالمية يعلم كل العلم أن الدول الصناعية قد وضعت ميزانية تفوق المليارات لدعم البحث العلمي للتوصل للقاح أو دواء يمحو أو يخفف من أهوال آفة الايدز اللعينة التي ما زالت تفتك في الأمة من صغارها إلى شيوخها. وعندما يأتي شخص كشيخ الزنداني ويقول إنه قد توصل إلى ما لم يتوصل إليه العلماء الذين ثابروا في البحث طيلة الحقب الماضية؛ فيجب علينا أن نتوخى الحذر. ولو كان دواء الزنداني فعّالا في القضاء على مرض الإيدز لتهافتت عليه شركات الأدوية والعقاقير والتي ليس لها غرض أكثر من اكتساح الأسواق ومضاعفة الأرباح كما وأن المؤسسات الصحية العالمية لم تعير اختراع الشيخ أي اهتمام ولو كان فيه قيمة علمية تذكر لما تركته منظمة الصحة العالمية ولا المؤسسات الصحيّة التطوعية (كأطباء بلا حدود) وغيرهم ولتجمّعوا حوله كالنمل.

يا سادتي، يجب أن نتوخى الحذر في أمور الصحة والعافية وأن لا نرمي بأرواح أهالينا إلى التهلكة؛ فإن كانت براءة الاختراعات السخيفة المذكورة أعلاه لا تلحق الضرر بأحد من أمة محمد (ص) فإن اختراع الشيخ يختلف عنها كل الاختلاف لأنه يودي بأرواح كثير ممن أصابهم هذا المرض اللعين من الأبرياء إلى الموت. أخوتي يجب أن نتوخى العقل في حجر انتشار دعايات مثل هذه خشية من أن يتضاعف عدد المصابين بتركهم للعلاج التقليدي في المستشفيات وعند الأطباء. إذ يجب علينا أن نتبين من أن أي عمل علاجي لا بد أن ينطلق من أخصائيين في المجال ومن تشخيص وافي لحالة المريض ومعرفة دقيقة لدرجة تفشي المرض بجسمه. كما يجب علينا أن ندرس حالة المصاب دراسة وافية قبل الشروع في اعطاء الدواء فربما نقضي على حياة المريض بتجاهلنا تفرّد حالة أعضاءه الداخلية والتي ربما لا تتحمل الدواء وحتي لو كان الدواء قد أثبت فعاليته عند مرضى آخرين، إذ لا تتجاوب كل الأجسام مع العقاقير بنفس المستوي وفي اختلاف الناس آية لأولي الألباب.

يجب علينا أخذ أمر علاج المرضى بكل جديّة فبلاد العرب أصابها quot;مرض الايدزquot; وصار همها الشاغل القضاء عليه، لكن كيف؟ أهل تفيد شعوذة العقاقير المفبركة؟ ما مصير الآلاف المؤلفة إن تركت الطريق العلمي واتجهت للوصفات البلدية؟ قد يسبب اتباع وصفات كوصفة الشيخ الزنداني كارثة صحية في البلاد تقضي على الأخضر واليابس فيها. أعلنت هيئة اليونيسيف في احصائيات قبل سنتين أن عدد المصابين بالإيدز في الدول العربية تفوق الملايين، لكن للأسف لا يوجد مسح وحصر لنسبة الاصابة ونجد تضارب في الإحصائيات الغير دقيقة إذ أننا نجد بعض النشرات الصحية.

فنحن نحتاج لمعرفة الآتي: ما هو عدد حالات الإصابة في البلاد؟ ما هي الفئات المصابة؟ ما هي احصائيات الوفيات من هذا المرض؟ لا أحد يعلم؟ وهذه مصيبة بحد ذاتها! لذا يجب على وزارات الصحة بالوطن العربي العمل على انشاء مراكز للفحص الطوعي وللرعاية الصحية خاصة للحوامل لضمان تشخيص المرض بغية منع الانتقال الراسي من الام الحامل المصابة بالفيروس الى جنينها كما يجب على القائمين بأمر الصحة وضع خطة استراتيجية مبنية على اساس علمي قويم لمكافحة هذه الآفة. تشير بعض النشرات الطبية أن المرض أكثر انتشاراً في الفئة العمرية التي تقع بين ١٥ و٣٩ سنة وهنا تمثل المجموعات المتحركة كالنازحين واللاجئين والسائقين ورجال الجيش والطلاب أهم مجموعات انتشار المرض.

في نهاية المطاف دعونا نقول بأن لكل شخص الحق في حريّة الاختراع والابتكار. وبنفس القدر فإن لكل فرد أيضا الحق في اتباع الطريق الذي يراه سليما في العلاج. لكن من واجبنا نحن كمتعلمين أن نحمي أولئك الذين لم ينالوا حظاً وافرا من العلم وأن نحذرهم من اتباع المظاهر الخداعة والإشاعات الواهنة فهناك الملايين من المتلاعبين باسم الدين وبحياة الخلق دون أن يضيرهم ذلك شيئا.

___________________

توضيح من الأخ المختص شاه، له الشكر الجزيل:

لاستكشاف و تطوير دواء معين لابد من إجراء عدة مراحل تستغرق في مجملها ما يصل إلى 10 ndash; 15 عاما وقد تكلف ما يصل إلى نصف مليار إلى 3 مليار دولار.

هذه المراحل هي:

(1مرحلة التعرف على جزيئة (Molecule) في جسم الإنسان يمكنها التفاعل مع مركب كيمائي أو دواء مقترح مختار من بين عدة مركبات كيمائية وبنى اختياره على معلومات علمية كثيفة اكتسبها مخترع الدواء.

(2مرحلة قبل - سريرية يجرى فيها العالم أبحاثا مكثفة و مكررة على حيوانات تجارب لتحديد فعالية الدواء و آثاره الجانبية على هذه الحيوانات. وهذه المرحلة قد تستغرق 3 ndash; 6 سنوات.

(3عد إكمال المرحلة السابقة يتقدم العالم الباحث إلى مؤسسة قومية للسماح له بإجراء تجارب على الإنسان. ولو تحصل على هذا التصديق يبدأ مرحلة التجارب السريرية والتي تتكون من المراحل التالية:

(4 يجرب الدواء المقترح على 20 ndash; 100 شخص من المتطوعين لتحديدي درجة تحمل الإنسان لأثر الدواء في الجسم وتستغرق هذه المرحلة من 6 أشهر إلى سنة واحدة.

5) ثم يجرب الدواء المقترح على عينة أكبر من المتطوعين يبلغ حجمها 100 ndash; 500 شخص لتحديد كفاءة الدواء و الجرعة المناسبة التي تضمن التحسن أو الشفاء. وتستغرق هذه المرحلة حوالى سنة واحدة.

6) ثم يجرب الدواء على عينة أكبر من المتطوعين يبلغ حجمها 1000 ndash; 5000 شخص لتحديد الآثار الجانبية للدواء على المدى الزمنى المتوسط. وتستغرق هذه المرحلة من 1 ndash; 4 سنوات.

7) عرض نتائج هذه المراحل المذكورة على لجان علمية لتقرر ما إذا كانت الأبحاث تؤكد فعالية وسلامة الدواء. وقد تستغرق هذه المرحلة أيضا سنة أو أكثر.

(8 المرحلة الأخيرة: تجربة الدواء بتجميع المعلومات عنه بعد تسويقه لرصد الآثار الجانبية بعيدة المدى بالأخص بين كبار السن و النساء الحمل.

فهل فعل الزندانى كل هذا؟ إن فعل فهو فخر للعرب و المسلمين... وإن لم يفعل فدونك الرد على تساؤلك.

ولك التحية

[email protected]