ما أنا بصدده بالعودة الى طارق عزيز الذي ظهر في حوار مع علي الدباغ على قناة العربية منذ أسابيع، ظهر وكأنه قديس يتمسح بمسوح القديسين الذين تكللت كل خطواتهم بالبراءة والتسامح والمحبة!!.. فلهذا الطارق عزيز، أتوجه بهذا الخطاب..

* * *
bull; كنت لعقود تهندس للسياسة العراقية التي تبدأ خطابها في المحافل الدولية بمنطق يبدأ بجملة ( السلام على من يرغب برد السلام وإذا لم يرد.. فلا سلام عليه ) وينتهي بجملة ( فليخسأ الخاسؤون ). ونتيجة هذا النهج أصبح العراق الجميل موطئاً للكوارث والمآسي التي لم يشهدها في أي عصرٍ من عصوره القديمة والحديثة..!!
والذي لا شك فيه أنك في محاولاتك ( الميترنيخية ) و( الكيسنجرية ) قد أسست ndash; بنجاح منقطع النظير ndash; لأخلاقيات خطاب سياسي معاصر لم تعهده بلاد الرافدين طوال مراحل تاريخها!!
مع أن العراق يُعد منبعاً للمفردات الثرية بأجزل المعاني وأعذبها، إلا أنك تُصر في خطابك على الخسة والخاسئين، وما شابه ذلك من الألفاظ التي لا تدل إلا على الإبتذال في الخطاب السياسي!!..
هذه الملاحظة ليست هي بيت القصيد فيما أنا بصدده من الكتابة إليك، ولكنها ملاحظة عابرة، وذات علاقة بالإطار الذي كنتم تسيرون عليه، وإن ما أقصده هو الحديث عن مدلول خطابكم السياسي ومدى مصداقيته، وسأقتصر على جملة من النقاط أستدعتها ظروف موضوعية آنية هي التي حَفَّزتني على كتابة هذا المقال، وظهورك سجيناً على شاسة العربية!!.
* * *
bull; في عام ( 1981 ) قلت لإحدى الصحف الكويتية إن تجربة عبد الناصر، قد فشلت وسقطت، ولا يمكن للرئيس صدام حسين أن يقلد تجربة ساقطة وفاشلة!!.. يومها رددت عليك بمقالة بعنوان:
( للأخ طارق عزيز مع التحية ) تساءلت فيها عمَّا هي الإنجازات والنجاحات التي حققها رئيسك صدام حتى توصم تجارب الآخرين بالسقوط والفشل؟!..
وقد أخبرني الأخ سعد البزاز وهو حي يُرزق:
إن مقالتي تلك قد أثارت إنزعاجك لدرجة أنك أصدرت تعليماتك لجهازك الأمني في الكويت لإجراء اللازم لتصفيتي حتى أكون عبرة لغيري، وهذا ما دفع أحد موظفي سفارتك في الكويت ( حامد الملا ) من إشهار مسدسه بوجهي أمام الزملاء - في الجريدة - الذين أصابتهم الدهشة، وقد جاء على ذكر هذه الحادثة رئيس نقابة الصحفيين الكويتين الاستاذ فيصل القناعي في لقاء تلفزيوني إذ كان حينها رئيساً للقسم الرياضي في تلك الجريدة، وشهد ذلك الموقف بنفسه!!..
وإن كان ذكر تفاصيل هذا الموضوع يلقي بعض الضوء على أساليبكم، إلا أنني سأتجاوز عنه ( مؤقتاً ) لأنتقل إلى حديثك في المؤتمر القومي الذي عُقد في بغداد، وتحدثت فيه إلى بعض المصريين.. وتكلمت عن عبد الناصر!!.. وعظمة عبد الناصر!!.. وبطولة عبد الناصر!!.. وأشرت إلى أن النهج الناصري والبعث هما وجهان لعملة واحدة!!.. وأنكم ترفضون خطط التسوية مع إسرائيل تمشياً مع مبادئ عبد الناصر؟!!..
bull; وإنني أدعوا السادة القراء أن يعودوا إلى قراءة حديثك مع مصطفى أبو لبدة الذي نشرته ( جريدة السياسة ) الكويتية بتاريخ ( 1981. 7. 14 ) ليروا كيف قيمت تجربة عبد الناصر وإعتبرتها ساقطة وفاشلة، وبشّرت بميلاد البديل عنه، وهو صدام حسين ndash; الذي فرغ لتوه آنذاك من إعدام رفاق القيادة القومية والقطرية جميعاً ليتفرد هو بالسلطة ndash; ولا أريد الوقوف أمام هذه النقطة أيضاً، فالتناقضات في الخطاب السياسي العراقي في عصرك باتت معروفة لدى الجميع، بإنعدام مصداقيتها سواء على الصعيد العربي أو الإسلامي أو العالمي..!!
bull; ولولا تعاطف الشعب العربي مع مأساة أشقائهم في العراق من جرّاء الحصار ndash; الذي تسببتم فيه أيضاً ndash; وتجييركم تلك المأساة بالعزف على أوتارها لإطالة عمر نظامكم، لما استقبلتكم القيادات العربية، رغم تجاربها المريرة مع سياساتكم.. ولكنها ndash; أي القيادات ndash; قد لبَّت رغبات مواطنيها ممن يتعاطفون مع الشعب العراقي بالدرجة الأولى..
وأرجو ألا يساورك اليقين ndash; وأنت في سجنك - وتصدّق أن الشارع العربي بتنظيماته وقياداته يسير وراء أوهام أطروحاتكم، ويأخذها على محملٍ من الصدق والجد، لولا رشاويكم التي اشتريتم بها ضمائر الضعفاء في العالم العربي، وخصوصاً في اليمن والأردن!!..
فالـ ( 7 ) ملايين متطوع لمساعدة الإنتفاضة هي لعبة ساذجة ومكشوفة، ومناورة حتى وإن صحبتها طلقات نارية وبيد واحدة في الهواء من قائدك ومثلك الأعلى..!!
وكذلك مسرحية ( المليار يورو ) والتي تعلمون ndash; قبل غيركم ndash; أنها غير قابلة للتطبيق!!
bull; أقول هذا لأنكم قد إشتهرتم بدرجة إمتياز ببراعتكم في إختلاق المواقف المناوراتية التي كثيراً ما أدت إلى كوارث ومآسي دفع ثمنها شعب العراق والشعوب المجاورة له.
فقيادتكم شنت حروباً على الدول المجاورة، مرة باسم العروبة، وأخرى باسم عودة الجزء الى الكل!!..
bull; إن مسلسل تناقضات النهج السياسي في الخطاب العراقي كان يريد إلغاء العقول عندما يأتي ويقول: إن الكويتين لن يهنأوا ولا يطمئن لهم بال ما دمنا على قيد الحياة!!.. ثم طالب بعد ذلك بمصالحة غير مشروطة مع الكويت!!..
وأخيراً وليس آخراً ndash; في مسلسل تناقضات نهج الخطاب السياسي العراقي في عصرك: أنك قلت لمندوب فضائية الـ ( MBC ) في عمّان عندما سألك: كيف تطلبون تنقية الأجواء العربية، وتطالبون برفع الحصار، في حين أن أجهزتكم الإعلامية لم تتوقف عن شن الهجوم على كل من السعودية والكويت..؟!!
فما كان منك إلا أن قلت له: إنني قد أتسامح مع الكويتين، ولكن كيف أضمن أن أحفادي سيسامحون الكويتين؟!!
* * *
bull; أنت تخشى ألا يستمر حقدك على الكويتين كي لا يرثه أحفادك.. وهذه نظرة إنسانية منك نشكرك عليها.. ولكننا نتمنى لو أنك قلت لأحفادك الحقيقة ليدركوها على الوجه الصحيح:
- قل لأحفادك: عن تصفيتكم للأحزاب والقيادات والمنظمات، وكم أريقت داخل العراق من جراء تلك التصفية من دماء!!..
- قل لأحفادك: عن الحرب التي أضرمتموها مع جيرانكم، أُزهق فيها أكثر من مليون انسان.. ناهيك عن المليارات من الأموال التي ضاعت هدراً!!
- وكلّم أحفادك كذلك عن آخر كلمات قالها دي كويلار ( الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة ) ndash; آن ذاك - وتتلخص في أن: ( النظام العراقي هو الذي بدأ بالعدوان على جيرانه )!!..
- قل لأحفادك ndash; ما دمت تتحدث عن قضايا إنسانية ndash; أن يطلعوا على فيلم ولو قصير يتناول تعاملكم مع أطفال ( حليجه ) وشيوخها ونسائها بل حتى قططها وكلابها، لكي يتبيّن أحفادك نوعية الأزهار والعطور التي
( رششتم) بها تلك القرى الفقيرة!!
- قل لأحفادك أن يقرأوا عن ( محمد باقر الصدر ) و ( الشيخ البدري ) وما حدث لهما داخل المعتقلات والسجون، وحدثهم كذلك عن أحواض
( الكبريتيك ) و( النتريك ) التي تذيب الكائنات البشرية!!..
- وليت أنك كذلك تحدث أحفادك عن صراع السلطة فيما بين الرفاق، والمسلسل الدموي الذي استمر لعقود أثناء حكمكم للعراق!!.
- ولا بأس أن تحدث أحفادك عما حدث للرفيق حسين كامل والد أحفاد رئيسك!!..
- قل لأحفادك وحدثهم عن كرم وسخاء أولئك الذين مدّوا لكم يد العون والمساعدة.. وبذلوا كل جهدهم يوم وقفوا معكم في خندقٍ واحد، مع أنهم لم يكونوا معنيين بالحروب التي إفتعلتموها!!.. وكيف رددتم عليهم صنع الجميل.. فقمتم بغزو الكويت، وقتلتم، ونهبتم، وشوهتم كل الأشياء الجميلة، وكيف أخطأت صواريخكم إتجاهها... فبدلاً من أن تتجه نحو الأعداء الحقيقين، إتجهت نحو مدن المملكة العربية السعودية لتقصف مناطق في مدينة الرياض وغيرها من مناطق أخرى!!.
- قل ndash; يا طارق عزيز ndash; لأحفادك عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى حصار حضارة الرافدين، وجعلها تغدو واحدة من البلدان المتأخرة لقرون وقرون، بعد أن كانت منبعاً للحضارة الإنسانية.. وها هي الآن ترتع في أوحال مستنقعات الطائفية والعرقية بسبب ما تسببتموه من تعاسات لشعب حضارة وادي الرافدين!!..
- لعله من المناسب في هذه الكلمة أن تحدث أحفادك عن دورك الحقيقي في دمار حضارة العراق المعاصرة!!.. وإن كنت أشك أنك ستفعل، إنما أتمنى على يقظة الضمير التي إعترتك وأنت على شاشة العربية، لو أنك حدّثت أحفادك عن ( منير روفة ) قريبك الذي فر بطائرة عراقية إلى إسرائيل!!..
- وحدثهم كذلك عن إجتماعاتك به في أحد فنادق ميونيخ، وكيف تم الإتفاق والتنسيق بينكم وبين الموساد من خلاله لتصفية معارضيكم، وأسفر عن ذلك الاتفاق إغتيال عدد من القيادات تمت في مناطق متعددة من العالم!!..
وهناك الكثير مما يمكن أن تتحدث به لأحفادك لكي لا يكونوا حاقدين على الكويت وغيرها.. ولكنني أكتفي بهذا النزر اليسير.
* * *
فإذا ما كبر أحفادكم، وقرأوا تاريخكم، ثم يستمرون بعد ذلك بحقدهم على الكويت وغيرها، فلا غرابة في ذلك.. لأنهم تشرّبوا من مناهل أجدادهم، وتوارثوا جيناتهم؟!!
* * *
كلمة الى من سيعلق: أرجو ألا يُنسب التوجه بهذا الخطاب لطارق عزيز باعتباره ينتمي الى هذا الدين أو ذاك، فطارق عزيز: لا دين له، وإن زعم أنه اعتنق الاسلام ndash; مثل ميشيل عفلق -!!.. فطارق دينه صدام!!.. وهو يكذب عندما يدّعي أنه كان محباً للعراق!!.. وأتمنى على من يعلق ألا يجعلني في موقف، وكأنني ضد هذا أو ذاك لسبب من الأسباب هو يخترعها!!.. هذه مقالة سياسية تتناول واحداً ممن أجرموا بحق العراق والعرب والانسانية!!..
bull; أكتب هذه الملاحظة بسبب ما نالني من تجاوزاتٍ في التعليقات على المقالة السابقة عن طارق عزيز والتي نُشرت منذ أسابيع في ايلاف!!.. ولهذا فإنني سأُحمل إيلاف مسؤولية أي تطاول يتجاوز الحدود المتعارف عليها في التعامل مع التعليقات السياسية المرتبطة بالمقال، وبحدود المقال فقط!!..