تاريخيا، يمكن للمرء أن تكون لديه اعتراضات على بعض سياسات المملكة العربية السعودية تجاه سوريا، خصوصا في ضوء التغاضي في مراحل معيّنة عن الجرائم التي ارتكبها النظام في حقّ السوريين واللبنانيين.
ولكن عندما يتعلّق الامر بوقوف المملكة الى جانب الشعب السوري، متى تطلّب الوضع ذلك، فكلّ ما يمكن قوله عندئذ يُختصر بأنّها قامت بما يمليه عليه واجبها وضميرها. فعلت ذلك لأنّ الشعب السوري يستأهل الخلاص من نظام طائفي استعبد السوريين ونهب ثروات البلد وحوّل سوريا الى ورقة ابتزاز للعرب بعدما قبل بأن يكون مجرّد مطية للمشروع الايراني في المنطقة.
آخر من يحقّ له انتقاد الموقف السعودي من سوريا هو روسيا. ماذا قدّمت روسيا للشعب السوري غير تخريب سوريا ونشر البؤس فيها من أجل أن تبقى تحت سيطرة نظام يعتبر نشر البؤس وتهجير خيرة السوريين من البلد هدفا في حدّ ذاته؟
أخذت روسيا، منذ كانت لا تزال قوة عظمى اسمها الاتحاد السوفياتي، سوريا من كارثة الى أخرى. لم تتخذ يوما موقفا حاسما من النظام بمقدار ما أنها شجعته على احتقار شعبه وارتكاب كلّ الجرائم المشينة التي يستطيع حاكم ارتكابها، حتى عندما كان يتعلّق الامر بشيوعيين سوريين أو لبنانيين أمضوا سنوات طويلة في السجون أو قضوا تحت التعذيب.
منذ ما قبل تولي حزب البعث السلطة في سوريا، شكلا، ثم انتقال الحكم الى الضباط العلويين في 1963، ثم الى حافظ الاسد ابتداء من 1970، وصولا الى حكم العائلة والمرتبطين بها ابتداء من السنة 2000، كان الشعب السوري آخر همّ الاتحاد السوفياتي ثمّ روسيا الاتحادية. كانت مصلحة المقيم في الكرملين مرتبطة بالنظام السوري وليس بالشعب السوري.
يمكن الغوص في تفاصيل التفاصيل وفي كيفية قضاء الاسد الأب على الحزب الشيوعي السوري وتحويله فروعا تابعة للاجهزة الامنية المختلفة. وقد مارس ذلك مع كلّ الاحزاب الأخرى بمن فيها الاحزاب التي لا قيمة لها أصلا!
في عهد الاسد الأب، صار الحزب الشيوعي السوري ثلاثة أحزاب، في أقلّ تقدير. حصل كلّ ذلك بعلم الكرملين الذي لم يكن لديه في يوم من الأيّام همّ أسمه الشعب السوري.
كذلك، يمكن، لدى العودة الى التاريخ البعيد، التذكير بتعذيب الاجهزة السورية القائد الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو، حتى الموت. حصل ذلك أيام كان عبدالحميد السرّاج يحكم سوريا في عهد الوحدة مع مصر بين 1958 و1961. يمكن التذكير أيضا بالسكوت السوفياتي عن اغتيال النظام السوري الزعيم الدرزي اللبناني كمال جنبلاط حامل quot;وسام لينينquot;...
تؤكّد مواقف روسيا من سوريا ومن لبنان أنّ موسكو لم تكن مهتمة يوما بالشعب السوري أو بالشعب اللبناني. كان تركيزها على كيفية الاستثمار في الخراب والتخريب. الدليل على ذلك تشجيعها سوريا على جرّ مصر الى حرب العام 1967 التي انتهت باحتلال الجولان السوري...الذي لا يزال محتلا.
استثمرت روسيا في عملية تدمير سوريا. ما زالت تفعل ذلك حتى اليوم. السلاح الروسي يستخدم في قتل أبناء الشعب السوري، بمن في ذلك النساء والأطفال، وتدمير المدن السورية.
في المقابل، لم تقصّر المملكة العربية السعودية يوما في استقبال كلّ سوري مظلوم. لم تتردد يوما في دعم سوريا عندما خاضت حروبها. هل من يستطيع تجاهل الموقف السعودي الداعم لسوريا في حرب تشرين (اكتوبر)؟
لم تتردد السعودية في دعم الليرة السورية مجنبة اياها الانهيار عندما ورث بشّار الاسد السلطة في السنة 2000. وقف الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كلّ وقت الى جانب الرئيس السوري، الذي كان وقتذاك شابا، ودعم سياسة الانفتاح التي يُروى أنّه أراد انتهاجها في بداية عهده. حتى بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، سعت السعودية الى اعادة النظام الى رشده، علما انه غارق الى ما فوق اذنيه في تنفيذ الجريمة.
بقيت السعودية تدعم سوريا، بغض النظر عن ارتكابات النظام الى أن طفح الكيل أخيرا وسالت الدماء، دماء الابرياء من أبناء الشعب أوّلا.
بدل أن تنتقد روسيا السعودية بسب دعمها الشعب السوري، من الأجدر بها وقف بيع النظام السلاح والامتناع عن تزويده بكل ما يمكن أن يساهم في تدمير البشر والحجر، وصولا الى تفتيت سوريا.
استثمرت السعودية في الانسان السوري. هناك عدد كبير من كبار رجال الاعمال السوريين الذين يمتلكون ثروات ضخمة. أسماء هؤلاء معروفة، بل معروفة جدا. مصدر معظم هذه الثروات هو السعودية. هؤلاء عادوا الى سوريا ووظفوا جزءا من ثرواتهم فيها. خلقوا فرص عمل للسوريين قبل أن يكتشفوا أن النظام لا يريد استثمارات تفيد الشعب السوري في أي شكل. يريد استثمارات تنتهي في جيوب أفراد العائلة والقريبين منهم. هذا كلّ ما في الأمر.
يمكن أن يكون هناك لوم على السعودية بسبب حجبها المساعدات عن اللبنانيين والسوريين الذين قاوموا النظام السوري منذ البداية. لكنّ الثابت أن السعودية لم تحد يوما عن خطّ ثابت يقوم على دعم الشعب السوري. كانت الاولوية دائما للشعب السوري وليس للنظام الذي استفاد من دون أدنى شكّ من هذا التوجه السعودي عندما جمع بعض أركانه ثروات على حساب ما كان مفترضا أن يكون مساعدات للسوريين.
أمّا روسيا، فقد كان النظام السوري دائما أولوية بالنسبة اليها وذلك بغض النظر عن طبيعة النظام ما دام مضمونا أخذه البلد الى الخراب. لم تقصّر موسكو يوما في دعم النظام السوري حتى عندما ذبح شعبه. من يستطيع فهم هذا المنطق الذي لم يتغيّر منذ كان الكرملين في عهدة قياصرة الحزب الشيوعي وصولا الى القيصر الحالي فلاديمير بوتين الذي يتبيّن يوما بعد يوم أنه يبني امبراطورية قائمة على وهم القوّة لا اكثر؟
انّه منطق اللامنطق الذي يمكن اختصاره برغبة روسيا في أن تظل سوريا أسيرة نظام قمعي يتطلع الى شراء السلاح منها من أجل البقاء في السلطة بأيّ ثمن كان...هل من تفسير آخر لسياسة قائمة على فكرة التخريب ولا شيء غير ذلك؟