نعود لحادث مقتل الإعلامي والأكاديمي، الشهيد الدكتور محمد بديوي، في بغداد على يد أحد أفراد الحماية التابعة لرئاسة الجمهورية.
لقد كان طبيعيا أن تثير الجريمة مشاعر السخط والإدانة، وأن تجري المطالبات بالتحري الشفاف في ظروف الجريمة، التي قالت الشهادات إنها نفذت بعد مشادة كلامية، وتقديم القاتل للقضاء المحايد ليأخذ العقاب الذي يستحقه.
إن دم الشهيد، الذي هدر ظلما، يضاف لأنهار الدماء العراقية البريئة التي نزفت على مدى أعوام، إن كانت لصحفيين ومثقفين أو سياسيين، أو دماء مواطنات ومواطنين من عامة الناس، التي تهدر يوميا بالمفخفخات والتفجيرات الانتحارية، وبينهم كبار السن والأطفال.
هذا مفهوم، وقد تطرقنا في مقالنا الأول إلى سلسلة اغتيالات لصحفيين ومثقفين عراقيين لم يثر أي منها مثل هذا الاهتمام الاستثنائئ لحاكم البلاد، أو لبعض النائبات، من أمثال تلك السيدة quot; القانونيةquot; المهووسة، التي اعتادت أن توزع الاتهامات السياسية والطائفية والعنصرية المجانية في كل مناسبة تختارها، ولو كانت مناسبة سباق للكرة! أما اليوم، فيراد انتهاز مقتل محمد بديوي للتحريض ضد الأكراد وتسعير الهوس العنصري، وكذلك لاستغلال الحدث المفجع في الحملة الانتخابية.
إن الأصوات المغرضة تستغل كون القاتل كرديا ومن حراسات المجمع الرئاسي، وكأن حزب طالباني نفسه مسؤول عن الجريمة!! ولو كان الرئيس نفسه لا يزال يقوم بمهماته، فربما كان بعض الموتورين وأصحاب المصالح والحسابات الخاصة والسياسية لا يتورعون عن إلقاء المسؤولية عليه. ونعرف أن مام جلال لو كان في مقر عمله، لكان أول من يدين الجريمة، ولكان يسلم القاتل بنفسه للجهات الأمنية والعسكرية والقضائية.
إن الجريمة تقع فيما لا تزال الخلافات بين المالكي وإقليم كردستان قائمة. وقد حاول رئيس مجلس الوزراء أو بعض مساعديه، وفي أكثر من مرة، تسعير الخلافات، مستخدمين الخطاب التحريضي والمغالطات. ويجب أن يكون واضحا أيضا أن حقيقة كون اللواء الرئاسي من البشمركة لا يعني انه مشكل من الكرد حصرا؛ فكما بين مكتب رئاسة الجمهورية، فان هذا اللواء تابع لوزارة الدفاع ومرتبط برئاسة الجمهورية ورئاسة أركان الجيش والقائد العام للقوات المسلحة- أي السيد المالكي. وان جنود وضباط اللواء هم من قوميات واديان ومذاهب مختلفة، وتم تعيين معظم عناصره من مختلف المحافظات.
لقد أدان المسؤولون الناطقون باسم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وأدانت صحافته هذه الجريمة بشدة، وعبروا عن مشاعر المواساة لعائلة الشهيد. وإن المفترض، في حالة وقوع جريمة، أن توكل القضية للقضاء لا أن يسرع المالكي لموقع الجريمة وهو ينادي quot; الدم بالدمquot;. فليدع جهات التحقيق تقوم بمهماتها، ثم أن يقول القضاء كلمته، لا أن يقف في الميدان مرددا ما ردد من هتافات ثأرية. وإذ يجب تثمين اهتمامه بالحدث المأساوي، فلنسأل مرة أخرى لماذا سكت عن سلسلة الجرائم التي تعرض لها في السنوات الأخيرة فريق من المثقفين والصحفيين؟؟ وأين ذهب التحقيق في مقتل مدرب الكرة محمد عباس الذي قتلته قوات quot;السواتquot; المالكية في كربلاء، وأمام أنظار الناس؟؟ وإذا كان واجبا حضور كبار المسؤولين أو أحدهم مكان وقوع الجريمة الجديدة، فلماذا لم نر أي مسؤول كبير يهرع لمكان وقوع أي من الانفجارات المتتالية التي ذهب عشرات الآلاف من الأبرياء ضحايا لها؟؟
ان استغلال مقتل الصحفي الأستاذ محمد البويهي الشمري سياسيا، وركوب موجة السخط الشعبي الذي خلقتها الجريمة لا يدل على كياسة سياسية، ولا حرص على حيادية التعامل مع كل الجرائم المماثلة بنفس الهمة والحماس، بل، وكما كتبنا، إن ما يقع هو الكيل بمكيالين، والتمييز بين دم ودم، وبين جريمة وجريمة. وما يجري هو عملية تسييس يرفضها جلال الموت المفجع. أما محاولة التحريض ضد الأكراد وإقليم كردستان، وكأن ما جرى هو قتل متعمد نفذه كردي متعصب ضد عربي، فإنها محاولة يجب صدها بقوة. وقد أصاب الصحفيون الأكراد في السليمانية في بيانهم الذي أدان بشدة مقتل الشهيد محمد بديوي، وطالبوا كل الصحفيين العراقيين الشرفاء بالتصدي للأصوات الناعقة، التي تبغي تحويل الحادث لمنصة تبث روح الشوفينية والثار والتعصب الأعمى. وجاء في هذا البيان:
quot; مقتل الصحفي محمد بديوي جريمة مشهودة، وعلى القضاء العراقي أن يأخذ دوره في التحقيق بالحادث وإصدار قراره باستقلالية وحياد.quot;. كما ورد: quot; نتمنى ان تكون عملية تسليم القاتل فاتحة لتسليم جميع المطلوبين في حوادث فتل الصحفيين وتقديم القتلة الى العدالة ...quot;