في بوم الأحد السادس عشر من شهر سبتمبر عام 2001 أي بعد خمسة أيام من الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة، كتبت مقالا نشر في جريدة أخبار الخليج البحرينية بعنوان "هل إستوعبت أمريكا الدرس؟". ذكرت في مقدمة المقال أن الهجمات التي تعرضت لها أمريكا يوم الثلاثاء، الخامس من شهر سبتمبر، والتي إستهدفت مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية) في واشنطون، كانت أشبه بالحلم أو لقطات من فيلم من أفلام الرعب التي تنتجها هوليوود. فمن كان يصدق أن تتعرض أقوى دولة في العالم لهجمات بهذا الحجم من العنف والدقة في عقر دارها إستهدفت رمزي القوتين الإقتصادية والعسكرية لديها، وجعلت الحكومة الأمريكية تتصرف كما لو كانت في حالة حرب مع دولة كبرى في مثل قوتها، حيث نقلت كبار زعمائها السياسيين إلى أماكن سرية، واغلقت مجالها الجوي واستنفرت قواتها العسكرية في كل بقاع العالم.

وفي نهاية المقال قلت: أن الأسلوب الذي ستعالج به الإدارة الأمريكية هذا الحادث سوف يحدد طريق المستقبل، فإن ساد العقل والمنطق ومبدأ العدل فسوف تزداد فرص الأمن والسلام في العالم. وإن كانت الغلبة للعقلية العسكرية المتغطرسة والمتسلطة فسيزداد إرهاب الدولة والإرهاب المضاد من المنظمات التي تعتبر نفسها تدافع عن حقوق أمتها المستضعفة، وسيدفع الأبرياء من أبناء الشعوب ثمن السياسات الخاطئة التي التي يمارسها قادتها السياسيون.&

بعد أيام قليلة إستفاق الشعب الأمريكي وحكومته من الصدمة المذهلة وهول مشهد إنهيار البرجين بحي منهاتن – اشهر بقعة إقتصادية في العالم، وبعد مشاهدتهم لمنظر أكثر من ألفين شخص تتطاير أجسادهم في الهواء وتستقر في النهاية تحت ركام الأنقاض، طرح السؤال الذي لم يكن متوقعا: لماذا يكرهوننا؟ للرد على هذا السؤال، طلبت الحكومة الأمريكية من مراكز البحوث الأمريكية (Think Tanks) أن تزودهم بالجواب على هذا السؤال، وجاء الجواب أن هناك سببان رئيسيان لكره الشعوب العربية والإسلامية لسياسات الحكومة الأمريكية (وليس لشعبها) وهما القضية الفلسطينية، ودعم الحكومات الأمريكية المتعاقبة لأنظمة الحكم العربية والإسلامية المتسلطة على رقاب شعوبها.

إن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وستبقى هذه المنطقة الحساسة (التي تربط بين الشرق والغرب، وتختزن في باطنها ما لا يقل عن 40% من إحتياطيات النفط العالمي) ملتهبة ومتوترة. إن هجمات 11/9/2001 التي تعرضت لها أمريكا والهجمات اللاحقة التي تعرضت لها منذ ذلك التاريخ مدريد ولندن وباريس أوضحت بشكل لا ريب فيه لقادة أمريكا والدول الغربية أن أكثر من 80% من بؤر العنف والصراع في العالم مرتبط بشكل مباشر وغير مباشر بالقضية الفلسطينية خصوصا ومشاكل الشرق الأوسط عموما، وأن بقاءها من دول حل عادل يعطي الفلسطينيين حقهم في دولة مستقلة طبقا للقرارات الدولية الشرعية (ارقام 194 و 242 و 338) سوف يبقي الصراع مؤججا بين العرب والمسلمين من جهة وأمريكا والدول الغربية الداعمة لإسرائيل من جهة أخرى إلى ما لا نهاية.&

أما بخصوص دعم أنظمة الحكم المتسلطة، فالشعوب العربية والإسلامية لم تطلب المساعدة عن طريق إسقاط الحكومات بالقوة العسكرية، وإحتلال البلدان العربية والإسلامية، وتفكيكها عبر إثارة النعرات القومية والمذهبية والإثنية التي نراها حاليا في أكثر من بلد عربي وإسلامي. ولكن عن طريق ممارسة الضغوط، ورفع الدعم السياسي والمعنوي عن هذه الأنظمة، وعدم بيعها الأسلحة والمعدات العسكرية التي تستخدمها لقمع شعوبها، كما فعلت بالنظام العنصري في جنوب أفريقيا وأجبرته على التخلي عن الحكم لصالح الأغلبية من شعب جنوب أفريقيا.&

بدلا من أي يسود العقل والمنطق ومبدأ العدل بعد أحداث 11/9/2001 كانت الغلبة – للأسف الشديد - للعقلية العسكرية المتغطرسة والمتسلطة، فقد كانت السنوات الثمان لحكم الرئيس الأمريكي "جورج بوش الإبن" سنوات عجاف (بالنسبة للعالمين العربي والإسلامي) إستشرى فيها القتل والتعذيب وإستباحة دماء العرب والمسلمين في أكثر من بلد بذريعة الحرب على الإرهاب الذي تقوده القاعدة وحكومة طالبان في أفغانستان. هذه السياسة الحمقاء عمقت ورسخت حالة من العداء والكراهية بين أمريكا والبلدان الغربية التي تدور في فلكها وبين العالمين العربي والإسلامي.

في شهر يناير عام 2009 جاء الرئيس الحالي "باراك أوباما" الذي أعلن من جامعة القاهرة رغبته وجديته في إجراء مصالحة مع العرب والمسلمين، وقد إستبشر العالمين العربي والإسلامي خيرا بهذا التوجه الذي يعني طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة تقوم على أساس الإحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وقد تم منحه جائزة نوبل للسلام في عام 2009 كتقدير لحسن نواياه والعمل من أجل إحلال السلام في العالم - وليس لأي إنجاز كان قد حققه بالفعل وقتها كما هومعمولا به في نظام منح جوائز نوبل كما نعلم. ولم تمض أكثر من سنة واحدة على خطابه المعسول في القاهرة حتى عادت "حليمة إلى عادتها القديمة"، أي عادت السياسة الأمريكية إلى سابق عهدها وذلك بمواصلة دعم إسرائيل المطلق والتغطية على كل جرائمها التي إرتكبتها ضد الشعب الفلسطيني خلال عهده، وآخرها موقف إدارته في مجلس الأمن بخصوص الإعتراف بالدولة الفلسطينية. كل ما فعله "أوباما" أنه سحب قواته من العراق وتركه بلدا ضعيفا يموج بالفتن الطائفية والقومية التي أزهقت أرواح الآف الأبرياء من شعبه، تمكنت جماعة إرهابية صغيرة (داعش) من إحتلال ثلث مساحته بسهولة ومن دون مقاومة تذكر.&

قبل إعلان "بوش الإبن"حربه على الإسلام والمسلمين بذريعة الحرب على الإرهاب كانت القاعدة وطالبان هما المنظمتان الإرهابيتان الوحيدتان على الساحة. أما اليوم فالمنظمات الإرهابية تتكاثر كالفطر على مساحة واسعة تمتد من أفغانستان حتى المغرب العربي مرورا ببعض الدول الإفريقية، وإرهابهم يضرب شرقا وغربا. السؤال: هل ما زال سؤال "لماذ يكرهوننا" قائما بدون جواب.

آخر الكلام: عمل إنساني ومبهر أن تسير الملايين في شوارع باريس وبعض المدن الفرنسية لتشجب وتستنكر قتل 17 فرنسيا لأسباب لا تستدعي قتلهم (رغم تحفظنا على الرسوم المسيئة). ولكن العرب والمسلمين يستنكرون على الحكومات الغربية وشعوبها عدم جديتهم وإكتراثهم بما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين من قتل وتجويع وتشريد بطريقة ممنهجة. أين العدالة التي يتشدقون بها ليلا ونهارا؟&

&