&أعلن في بغداد إطلاق سراح ثمانية آلاف ومائتين وأربعة وعشرين معتقلا لعدم وجود دلائل الإتهام بحقهم!

كم مكث هؤلاء الذين أطلق سراحهم وعدم وجود أدلة جرمية بحقهم "يوما أو بعض يوم" قال "ربكم أعلم بما لبثتم"!

دائما يصرح الناطق بإسم وزارة الداخلية أو الدفاع بأننا ألقينا القبض على كذا من الإرهابيين أو من حواضنهم. حتى تجمع هذا الرقم. ثم إتضح أنهم أبرياء.

هل تتذكرون شكل المعتقلات العراقية التي هي عبارة عن أقفاص حيوانات وقطط وكلاب والأحسن قليلا أقفاص دجاج حتى عندما زارهم الهاشمي نائب رئيس البلاد يوما، وقالوا له نحن داخل أقفاص للحيوانات أجابهم "خليكم إهنا أحسن. إذا تطلعون يجوز تموتون بمتفجرة" وغادرهم.. ثم غادرنا إلى غير رجعة هو ومن يرغب المغادرة من طاقم الحكم الذي يجثم على صدور العراقيين!

ليس هذا الرقم ثمانية آلاف ونيف هو الأول وسوف لن يكون الأخير. وفي كل حقبة تواجد هؤلاء في المعتقلات كانت المتفجرات قائمة على قدم وساق! لم تتوقف التفجيرات ما يدلل أن هؤلاء ليسوا أصحابها. بل هم مواطنون أبرياء.

دعونا نحرك مخيلتنا قليلاً.. كل واحد من هؤلاء الآلاف الثمانية ونيف ترك أهله وأطفاله بما يشبه اليتم والتيتم، تركهم يبيعون الماء على أصحاب السيارات والأمهات يشحذن أو يجمعن من المارة ثمن رغيف الخبز ويجمعن الطعام والملبس من القمامة. هذا إذا إستطاعت المرأة أن تقاوم "الحاجة!" و"السهولة" و "الثراء"، وأن تقبل خيار الشحاذة وتقاوم الخيار الثاني!

وهؤلاء الثمانية آلاف ونيف في أقفاصهم الحيوانية وبملابسهم الرثة أكيد كانوا يعانون من الأمراض المختلفة والأمراض الجلدية بسبب الأفرشة المهترئة وبسبب المياه غير النظيفة وعدم توفر الحمامات والطعام السيء والأدوية المتجاوزة الصلاحية.

وهؤلاء بالضرورة وبالأعمار المختلفة والأصول الإجتماعية التي لا حول لها ولا قوة من ما يسمى البروليتاريا الرثة ومن العمال والفلاحين وربما أصحاب المهن البسيطة والفقراء والمعوزين وحتى من الطبقات المتوسطة سوف تنشأ فيهم وتسري بينهم حالات غير سوية "بالضرورة"! بالضرورة المكانية والإجتماعية والإنغلاق عن العالم والإبتعاد عن المرأة والزوجة والأخت والحرمان حتى من مشاهدة إمرأة تمر في رواق السجن كما كان يفعل الأمريكان في جعل المجندات يمررن بأروقة السجون والمعتقلات. فقد حصلت وتحصل بينهم حالات تقشعر لها الأبدان في السلوك اليومي والعصبية والإكتئاب والأمراض المختلفة والغريبة والسلوك غير السوي!

خرج هؤلاء من قفص المعتقلات وليس من قفص الإتهام وعادوا إلى أهليهم.. فماذا سيجدون في بيوتهم على المستوى الإقتصادي والإجتماعي والتعليمي وحتى الأخلاقي! وماذا يحمل هؤلاء في وجدانهم من الغيظ والحقد والإنتقام. فالحالة النفسية التي عاشها هؤلاء في معتقلاتهم والتي يعيشونها بعد مغادرتهم المعتقل ووجود بطالة وعدم توفر فرص العمل تخلق منهم شخصيات ثانية معقدة مختلفة الأمزجة ومختلة السلوك! ماذا يعملون وأمامهم لصوص النهار الذين زجوهم في المعتقلات وهم يغرفون من مياه ذهب الخزائن ومياه فضة الخزائن في المصرف المركزي ومصارف كربلاء التي نهبت وهرب مدرائها لبيروت ومصارف النجف وبغداد والبصرة.. هل سيشكلون عصابات للخطف، لخطف أبناء من يملكون وحتى من لا يملكون كي يجمعوا المال ويسافرون بإتجاه عمان في الأردن لشراء شقة وإفتتاح مطعم. أو هل يجمعون المال من أهل المخطوفين ويدفعونه للمهربين

اربعة عشر ألف دولار عن كل فرد ويصعدون الزوارق المطاطية ويغرقون في لجة البحر بين إسطنبول وأثينا.

وفق هذا الواقع المتدهور ولصوص النهار يجتمعون في ما يسمى البرلمان العراقي والمليشيات القائمة والقاعدة ينزل جبريل وملائكته على دار السيد ويبلغه رسالة الأسبوع، فيلقن السيد مريديه بالحكمة "الفساد آفة المجتمع" وتأتي الفضائيات بميكروفوناتها بالعشرات كي تنقل خطبة الجمعة "الفساد آفة المجتمع" فيما الفاسدون يصعدون السيارات الفارهة التي لا يخترقها الرصاص ويتسلمون الرواتب الخرافية ويسافرون بربطات العنق الحريرية والملابس الآتية من قم ولندن وإسطنبول وعضوات البرلمان يتفنن في شكل الحجاب وترتفع في بلادنا المآذن والقباب وتنخر الكوليرا ليس وحدها بل في مسيرة الأمراض الجماعية ويشرب الناس المياه الآسنة والملوثة ويهدد الأطباء من قبل المليشيات ورجال الدين كي يكفروا بالوطن ويهربون منه، حتى وصلنا إلى اليوم الذي عندما يتسلم الموظف راتبه الشهري يشعر بالإطمئنان النسبي لمدة شهر وهو يتوقع أن يتوقف صرف الرواتب القادمة، لأن الخزينة باتت خاوية. فيما نهبت من خزينة البلاد خمسمائة وخمسة وثمانون مليار دولار حسب الواشنطن بوست وبالأسماء وأرقام الحسابات في المصارف.

هؤلاء الثمانية آلاف ومائيتين وأربعة وعشرين بريئا الذين أطلق سراحهم لعدم وجود دلائل جرمية بحقهم سوف يتحولون مع من أطلق سراحهم من قبل ومن سيطلق سراحهم من بعد إلى خاطفين ولصوص ليليين وإرهابيين ويشكلون عصابات بملابس عسكرية وأسلحة كي يوقفوا في الحواجز سيارات دفع الرواتب ويسلبونها، حتى يغرق البلد في العتمة الكاملة فيما السادة الأفاضل في خطب الجمعة يصيحون بأعلى أصواتهم الآتية من السماء "الفساد آفة المجتمع" نعم؟ عيدوها ثانية في خطبة الجمعة الآتية كي أتأكد "أن الفساد آفة المجتمع" فيما الفاسدون أنفسهم يطالبون بالإصلاح!

&

كاتب وإعلامي عراقي مقيم في بانكوك

&