تتميز كتابات الذين يطلقون على أنفسهم النشطاء الأمازيغ بالحدة والتوتر والانفعال. يطبعها الصوت العالي/ المرتفع، ويحاولون خلق الانطباع عند غيرهم أن مفاتيح المغرب بيدهم، وأنه ملكهم بمفردهم، وأن في متناولهم طرد من لا يعجبهم منه، أو حتى قتله، لأنه مختلف معهم في الرأي. نلاحظ ذلك في مقالاتهم وتعليقاتهم في مواقع النت والتواصل الاجتماعي، خصوصا خلال النقاش حول الموضوع الهوياتي.

فعندما يقول المغاربة في أغلبيتهم المطلقة، كما ورد في دستور سنة 2011 عن مقومات الهوية الوطنية للمغاربة، إنها (( عربية - إسلامية، وأمازيغية، وصحراوية حسانية، وغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية))، تثور ثائرة هؤلاء النشطاء، ويفقدون صوابهم ويندفعون في كتابة تعليقات وردود تكون أحيانا غاية في الغرابة، وينهمكون في اتهام من يقول ذلك بأنه قومجي عربي، وبعثي عفلقي، وناصري صدامي، وإسلامي ظلامي، وسلفي جهادي، وما يتفرع عن ذلك من أوصاف واتهامات، وتكون تعليقات البعض منهم مشرملة بما تيسر من الشتم والردح، والكلام الهابط الخالي من أي مضمون علمي وجدي.

لا أحد من المغاربة الذين يقولون إن هوية المغرب عربية إسلامية وأمازيغية وصحراوية حسانية يقرن ذلك بالقول إن جنسيته عربية. فالجنسية العربية غير موجودة بتاتا إلا في أذهان هؤلاء النشطاء، نحن نقول إننا مغاربة جنسيتنا مغربية ولكننا من أصول عربية، ولقد عشنا في هذه الأرض قرونا طويلة، وأصبحت أرضنا.

&وعلى هذا الأساس، فإن من حقنا التمسك بأصولنا العربية في تحديد الهوية الوطنية لبلادنا في الدستور، إن أردنا ذلك، على أساس أن تكون هذه الأصول مندمجة، ومتساوية مع باقي المكونات الوطنية الأخرى للهوية المغربية، بالشكل الذي يعطي لهويتنا الجماعية طابعها الشمولي، وبما يرضي كل أبناء الوطن.

لا تجوز مقارنة المغربي الذي يتشبث بأصوله العربية بالمكسيكي أو البرازيلي من أصول إسبانية أو برتغالية، والقول بأن المكسيكي يحق له هو أيضا الزعم بأنه إسباني والبرازيلي أنه برتغالي ما دام كل منهما يتكلم الإسبانية أو البرتغالية، هذه المقارنة لا تستقيم في هذا المقام. قد تكون جائزة لو أن المغربي من أصول عربية قال أنا سعودي، أو عراقي، أو سوري، أو كويتي، أو يمني، وقتها يمكن الرد عليه بالقول: إذن يجوز للمكسيكي أن يقول إنه إسباني، لأنه يتكلم الإسبانية.

ولكن إذا تمسك المواطن صاحب الجنسية المغربية بأصوله العربية، وطالب بالتنصيص على ذلك في الدستور ضمن مكونات هويته الوطنية، فهذا حقه الذي تضمنه له مواطنته وانتماؤه لهذه الأرض لقرون وقرون من الزمن، فكما يتشبث الأمازيغي بحقه مطالبا بأن يقع التنصيص الدستوري على الأصول الأمازيغية كمكون من مكونات الهوية المغربية وتتم الاستجابة لمطلبه هذا، بذات المنطق لا تجوز مصادرة نفس الحق من المغربي صاحب الأصول العربية.

المغاربة من أصول عربية مواطنون سواسية في الحقوق وفي الواجبات مع باقي أشقائهم في الوطن. مساواتهم ليست منة من أحد، أو تكرما يتفضل به عليهم غيرهم. هذه المساواة تضمنها وتؤمنها لهم مواطنتهم الممتدة بعيدة في تاريخ المغرب، وإذا كان المغربي من أصل عربي يصر على أن يظل وفيا لمشاعره وأحاسيسه وانتمائه الثقافي والوجداني المستمد من تاريخه، فليس أمام المغربي من أصل أمازيغي إلا الاعتراف بهذا الحق والقبول والتسليم به في سياق الاعتراف المتبادل من الطرفين بالهوية الوطنية المشتركة ذات الروافد المتعددة.

لا أحد منا يملك سلطة المنع على الآخر، ولا يمكن لطرف وضع الفيتو على طرف ثاني وشطب ما لا يعجبه من أحلامه وتطلعاته ورغباته بحجة أنه هو السابق عليه في هذه الأرض. حجة من هذا القبيل لا تعدو كونها كلاما سخيفا ولا أهمية ولا مفعول له.

&إنه كلام غير مشفوع بالحق وبالعدل وبالشرعية، فهو يكتسي مضمونا تمييزيا، ويقسم المغاربة إلى فئتين، الأولى، أي السابقة في الأرض، لها مرتبة أعلى وأرفع، والثانية التي التحقت بها، لها المرتبة الدنيا والأقل شأنا.

&لواحدة كل الحقوق، فهي التي تملي إرادتها وتفرضها في الواقع، وليس أمام الأخرى إلا الإذعان والرضوخ لما يتم إرغامها به من قرارات. السابقة في الأرض يجوز لها هي كذلك اعتبار نفسها من سلالة شريفة، وغيرها ليسوا شرفاء لأنهم وصلوا متأخرين عنها إلى هذه الأرض، وتبعا لذلك يجوز لصاحبة السبق الاستمتاع بمواطنة امتيازية، إنها فوق الآخرين وأفضل منهم درجات ودرجات.

هل هذه عدالة؟ هل هكذا سيستقيم الوضع ببلدنا؟ كيف للمغرب أن يسير بسرعة للحاق بركب الدول المتقدمة وهو لا يمشي برجلين اثنتين، رجل عربية ورجل أمازيغية، مستندا إلى أطراف حسانية وأندلسية وإفريقية ومتوسطية؟ في الحقيقة يريد من يطلقون على أنفسهم النشطاء الأمازيغ بتر جميع أطراف الهوية المغربية، وأن يتركوا لها عضوا واحدا الذي هو العضو الأمازيغي، ويحاولون إقناعنا أن المغرب سيستقر بذلك، وسيطمئن، وسيزدهر ويحقق التطور والإقلاع والتنمية.

وضع من هذا القبيل متناف مع المغرب التاريخي كما عاش فيه وخلفه لنا أجدادنا العرب والأمازيغ حين كانوا يتعايشون بينهم في تناغم قل نظيره ومشهود لهم به من طرف جميع دول العالم.

الذين يرفضون الهوية المغربية كما وردت في دستور سنة 2011 والذي لم يشكك أي أحد في نتائجه، ليس أمامهم من خيار إلا السعي بالوسائل المشروعة لتغيير هذا الدستور، وإذا تمكنوا من ذلك وأقنعوا أغلبية المغاربة بدستور جديد يصبغ بلدنا باللون الأمازيغي الواحد، ويقصي بقية الألوان، وإذا قبلت أغلبية المغاربة بهذا الأمر، ما علينا نحن الذين نتمسك بالدستور الحالي، خصوصا في جانبه الهوياتي، إلا القبول بذلك، والعمل في إطار القانون من أجل إصلاح دستوري لاحق ينصفنا مما قد نعتبره ظلما لحق بنا.

أما الآن، فكل المغاربة، عرب وأمازيغ الذين صوتوا بنعم على هذا الدستور متشبثون به بكل حذافيره، وهو المرجعية القانونية الوحيدة التي يحتكمون إليها في فض نزاعاتهم وحلها، فالقانون هو ما توافقت عليه الأغلبية. إنه يصبح قانونا فوق الجميع، ويلزم حتى الأقلية التي لا توافق عليه بالانصياع له، على أن لها الحق في العمل على تغييره من داخله، ولكن بالطرق السلمية.

&ومن يضرب بهذا المبدأ عرض الحائط، ويسعى إلى تجاوز الدستور والقفز فوقه، والتصرف على أساس أن الدستور غير موجود، يصبح خارج القانون، ولا تربطه بالمجتمع أية صلة. الخارج عن القانون والذي لا يتقيد بالدستور ليس هناك إمكانية للتحاور معه، إذ لا تملك الجماعة القاعدة القانونية التي تتيح لها فرصة التحاور معه في ضوئها لإقناعه بالرجوع عن غيه، ما دام أنه لا يعترف هو أصلا بالقاعدة القانونية وبالتالي بالحوار المتمدن المبني على أساسها.

تاريخ المغرب يشهد على أن الشعب المغربي شعب متماسك ومتضامن ومتآخ ومندمج بين مكوناته، الأخوة العربية الأمازيغية عريقة ومتينة في نسيجنا الاجتماعي، والدولة المغربية قائمة وراسخة في هذه الديار منذ قرون خلت، ولم تُزحزح كيانها كل العواصف التي مرت على المغرب، ولم تؤثر فيها حتى مؤامرات دول ذات إمكانيات جبارة، فكيف لهذه الدولة القوية ولهذا الشعب العنيد أن يلتفتا، بالأحرى أن ينصاعا لصراخ وضجيج حفنة من المرضى بالهوس الهوياتي، كما وصفهم بذلك ذات يوم الناشط الأمازيغي الأستاذ حسن أوريد؟؟

&* كاتب من المغرب