ابتلى الشعب السوري، والذي أراد التحرر من نير الديكتاتورية والعبودية الأسدية، ورفع صوته مطالبا بالحرية والديمقراطية، مثله مثل بقية شعوب الأرض، أبتلى بتنظيم إجرامي دولي اندس في جسمه مثل السرطان هو "داعش"، وبتنظيم آخر &وهو "الائتلاف" المعارض، والذي جعل من دماء الشعب السوري سلعة يتاجر بها في سوق المحاور الإقليمية!

لقد جمع تنظيم "داعش" كل مقاتليه من العالم وأرسلهم إلى سوريا مستغلا حالة الفراغ هناك، ليعلن خلافته المزعومة. وحتى الآن وصل،(أو: أوصل!)، أكثر من 20 ألف متطوع أجنبي لصفوف التنظيم لرفد قواته المتمركزة في المناطق الشرقية الشمالية من البلاد. لقد سيطر التنظيم على محافظتي دير الزور والرقة، وذبح آلاف السوريين وأعلن هناك إمارته الظلامية، حيث جرائم القتل الجماعي، وتقطيع الرؤوس، وقطع الأيدي والأرجل، ورجم النساء.

تنظيم "داعش" شن كذلك حربا كبيرة، بإيعاز من الحكومة التركية، ضد مقاطعات روج آفا والتي كانت مكوناتها قد أعلنت إدارة ذاتية ديمقراطية فيها للنأي بنفسها عن التدخلات الخارجية، ومنع استغلال الفراغ السلطوي من قبل التنظيمات الإرهابية الإجرامية. والكل سمع بمقاومة كوباني وكيف تصدت هذه المدينة الصغيرة للآلاف من مقاتلي "داعش" المسلحين بالأسلحة الحديثة والثقيلة التي نهبوها من مخازن الجيش العراقي ونقلوها إلى الجبهة لمقاتلة الكرد وتحطيم مقاطعتهم. والآن ثمة هجوم كبير يشنه "داعش" على بعض مناطق مقاطعة الجزيرة، وهي إحدى أكبر وأغنى مناطق سوريا، وقد توافق اهلها الكرد والعرب والسريان/الآشوريين على بناء إدارة ذاتية لتسيير شؤون مقاطعتهم والنأي بالنفس عن الحرب الأهلية المدمرة بين النظام وحلفائه من جهة، وبين المعارضة الطائفية العنصرية وحلفائها في "داعش" و"النصرة" من جهة أخرى. الآن تسعى وحدات حماية الشعب(YPG) لطرد "داعش" من كل مساحة مقاطعة الجزيرة وبقية المقاطعات، وهي تحصل على دعم دولي، سياسي وعسكري، من اجل تحقيق هذا الهدف. وقد تلقى "داعش" في الأسابيع القليلة الماضية ضربات موجعة وتم كنسه من ريف القامشلي، ولم يبق سوى بلدة "الهول" المحاذية لقضاء شنكال في العراق، وهي الهدف القادم، وعند تحقيقه ستصبح كامل مساحة المقاطعة مطهرة من المقاتلين الأجانب الذين جاءت بهم "داعش" بتوكيل تركي للنيل من أهل الجزيرة وتخريب منطقتهم.

وبينما "داعش" تشن الحرب على الجزيرة وتنكل بأهلها من كرد وعرب وسريان، ينبري "الائتلاف" السوري المعارض إلى التغطية على جرائمه وبشكل علني، وإشاعة الأكاذيب والافتراءات، وبشكل خاص عبر فضائية، وذلك لتخريب هذا النموذج الذي سيبدو أشبه بالانتصار لتنظيم "داعش" جهارا نهارا وتحت وسمع كل العالم.

لكن ما هي الأسباب التي تدفع ب "الائتلاف" السوري للدفاع عن "داعش" والتغطية على جرائمه ضد مواطنين سوريين هم هنا أهل مقاطعة الجزيرة؟. ذلك يعود لعدة أسباب نعيد التذكير بها هنا:

أولا: فشل "الائتلاف" في "تحرير" قرية صغيرة لكي يقيم عليها "حكومته" الوهمية، فهذه "الحكومة" مع "الوزارات" و"الوزراء" مازالت في تركيا، وعملها على الورق فقط. بينما في مقاطعة "الجزيرة" هناك واقع ميداني سيادي على الأرض، وسياسة يومية ومنطقة شاسعة يسكنها حوالي 2,5 مليون إنسان.

ثانيا: إن العرب والسريان/الآشوريين والكرد مشاركون في إدارة مقاطعة "الجزيرة"، وان هناك اعترافا رسميا بكل المكونات في (العقد الاجتماعي)، وإن اللغة الكردية هناك هي لغة رسمية إلى جانب العربية والسريانية، وهو ما يعني "الخروج" من عباءة "الائتلاف"، الذي وعد ممولوه في تركيا ودول الخليج السنيّة بدولة مركزية ذات صبغة عروبية سنيّة، أقرب إلى مذهب الوهابية الإخوانية.

ثالثا: إن وحدات حماية الشعب (YPG) بدأت تتحول لجيش قوّي يحارب "داعش"، ولا يسمح له بتخريب المقاطعة مثلما فعل مع الرقة ودير الزور، وهو ما يغيظ "الائتلاف" إذ كيف ينعم أهل "الجزيرة" بالأمان والخير بينما المدن والمحافظات التي ينحدر منها "رموز" هذا "الائتلاف" قد دٌمرت على أيدي "داعش" أو دكها النظام دكا. والأنكى بان هناك المئات من الشباب العربي والسرياني/الآشوري قد انضموا إلى صفوف وحدات حماية الشعب، والعشرات منهم استشهدوا في معارك مع "داعش" والكتائب المرتزقة الأخرى، وهذا يناقض نهج "الائتلاف" القائم على ضرورة أن تحتكر طائفة محددة العمل المسلح، وأن يكون التمويل حصرا من جهات معينة، وعبر "الائتلاف" لا غيره!.

رابعا: إن حاكم مقاطعة "الجزيرة" هو الشيخ حميدي دهام الهادي الجربا، شيخ قبيلة شمّر العربية العريقة، وإن هذه القبيلة وقسم كبير من شيوخ وأفراد قبيلة الجبور العربية الأصيلة وقبائل عربية أخرى، مشاركون في إدارة المقاطعة، وهو ما يعني عمليا فشل رهان "الائتلاف" على الحرب العرقية بين الكرد والعرب، مثلما أرادت تركيا وبعض القوى الإقليمية الأخرى. والمتابع لتاريخ وكيفية تشكيل "الائتلاف" يعلم جيدا كيف سعت قوى إقليمية معينة لضمان "مناصب" رئيسية لأشخاص ينحدرون من هاتين القبيلتين، حيث تم شراء ذمم بعض الضالين وتعيينهم في "قيادة" هذا "الائتلاف" بغية استخدامهم للتحريض على الكرد و توريط قبائلهم في الحرب العرقية، التي لم ولن تحدث.

خامسا: إن سلطات مقاطعة "الجزيرة" لم تسمح ل"الائتلاف" بفتح أي ممثلية له ضمن أراضي المقاطعة، لخطره على السلم الأهلي ومعاداته للمصالح الوطنية السورية، ورفضت السماح لبعض المرتبطين به في توزيع الأموال المرسلة من دول متخلفة تجنبا من شراء ذمم بعض العشائر والعائلات والشخصيات ونشر التحريض الطائفي ضد الشيعة والعلويين والمسيحيين والدروز والإسماعيليين، والتحريض القومي ضد الكرد والسريان/الآشور والأرمن والشيشان. فمقاطعة "الجزيرة" البعيدة عن تخريب "الائتلاف" هي سوريا الحقيقية التعددية، التي يعيش فيها كل أبناء الوطن السوري دون الخوف من القتل على الهوية الدينية أو الطائفية أو العرقية. ففيها 52 كنيسة محمية ومحروسة، وفيها مئات الآلاف من المهجرين. ومؤخرا احتلت وحدات حماية الشعب(YPG) ضمير العالم الحر كله عندما أنقذت مئات الآلاف من الإيزيديين والمسيحيين والتركمان الشيعة من الموت المحقق على أيدي عصابات "داعش" عندما فتحت الممر الإنساني الآمن وأخلت هؤلاء من سنجار وتلعفر وبر نينوى. وقد قدمت الوحدات في سبيل هذا العمل الإنساني المشرف أكثر من 100 شهيد.

وهكذا نرى بأن تنظيم "داعش" يشن حربا لا هوادة فيها على المقاطعات الثلاثة في سوريا، بينما يصمت "الائتلاف" عن جرائمه بقتل المواطنين العرب وإحراق كنائس المسيحيين، واختطاف النساء والأطفال، مثلما حصل مؤخرا في قرى الآشوريين في "تل تمر"، وينشر الافتراءات والأكاذيب بحق وحدات حماية الشعب(YPG)، رغم نفي جميع المواطنين وشهادة كل العالم بثورية هذه القوات واحترامها لحقوق الإنسان وكرامة المواطن بغض النظر عن دينه وعرقه.

الشعب السوري يئن الآن تحت ضربات النظام و"داعش" وصمت من "الائتلاف" الذي لم يهتم بدماء السوريين من اجل علاقاته بالمحاور الإقليمية، وتحول لمؤسسة ينخرها الفساد، لا وزن لها في الميدان، لذلك لم نستغرب كثيرا حينما عرض "الائتلاف" مؤخرا تقسيم السلطة مع نظام الأسد، والتنازل عن مطلبه السابق بضرورة "رحيل الأسد" والاكتفاء ببعض السلطة هنا. الأرجح ان "الائتلاف" سيتلاشى من الساحة السورية بمجرد الوصول إلى تسوية للقضية السورية وذلك على المستوى الإقليمي بمشاركة الغرب وإيران والسعودية وتركيا ومصر. طبعا ذلك كله بعد القضاء على تنظيم "داعش" وفرض أجندة وترتيبات جديدة، لا تحتاج إلى دور وظيفي وارتزاقي كذلك الذي يقوم به "الائتلاف" الآن.

&