بعد حوالي خمس سنوات من الإنسحاب الأميركي من العراق، بات العراق الآن دولة ليست بالمحتلة ولا بالمستقلة، وإنما في حالة ما يشبه التيه السياسي. فقد أخفقت محاولات بناء دولة ديمقراطية، وبلد آمن ومستقر، واستمرت أعمال العنف من دون أمل في نهاية لها، وشهدت الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية تدهورا غير مسبوق. فعلى الصعيد السياسي، أصبح ثلث العراق محتلا تحت سيطرة "داعش". وعلى الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي، إرتفعت نسبة الفقر إلى حوالي 30% والبطالة إلى نحو 50% من حجم القوى العاملة، ونسبة الجريمة في إرتفاع مستمر بسبب الفقر والبطالة. كل ذلك بسبب الفساد وسوء إستغلال الموارد الإقتصادية للبلاد.

الديمقراطية الحالية في العراق منقوصة وهشة، كما هو الحال في أغلب الدول العربية التي تدعي زورا الديمقراطية. فالديمقراطية الحقيقية تحتاج إلى قوانين تمنع تشكيل الأحزاب السياسية على أسس دينية أو طائفية أو عرقية، وفصل واضح بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وصحافة حرة تكشف عن الإستغلال والفساد، وإشغال وظائف الدولة على أسس تعتمد الكفاءة والخبرة والنزاهة بعيدا عن المحسوبية، ومجتمع مدني واع ومنظم يستطيع الدفاع عن حقوقه.&

أثبتت القوى السياسية العراقية أنها كيانات غير ديمقراطية، مارست العنف بكل أنواعه ضد بعضها البعض، ولا ترى في اللعبة الديمقراطية سوى إلتزام مؤقت وسلم ترقى به إلى السلطة، لذلك حافظت على أجنحتها العسكرية لإستخدامها في الوقت المناسب. والقوى التي لم يكن لديها أجنحة عسكرية منذ تأسيسيها، عملت خلال السنوات القليلة الماضية بطرق خفية على إنشاء هذه الأجنحة بمساعدة بعض دول الجوار العربي والإقليمي. والأدهى من هذا، أن جميع القوى السياسية لديها رجالها داخل الأجهزة العسكرية والأمنية والإستخباراتية، وهؤلاء بلا شك يعملون حسب توجيهات قواهم السياسية في التأثير في أداء أجهزة الدولة لخدمة مصالحهم. كما أن هذه القوى بلا إستثناء مرتبطة بقوى خارجية إقليمية ودولية تتخذ من العراق ساحة للصراع فيما بينها، ويعملون على تنفيذ أجنداتهم السياسية التي ليست بالضرورة تخدم مصالح الشعب العراقي.

الوضع المضطرب حاليا في العراق لن يهدأ ما دامت القوى السياسية الفاعلة على الساحة العراقية تعاني من حالة عدم الثقة الحادة بينها. وفي إعتقادي الشخصي أن القوى السياسية العراقية بحاجة إلى مصالحة وطنية حقيقية وكاملة تحفظ حقوق كل مكونات الشعب العراقي، وهذا يتطلب توافقا وطنيا بين القوى السياسية على وحدة العراق وإرتباطه بعمقه العربي، يكون مدخله مراجعة كاملة للدستور والإتفاق على المواد الخلافية التي يتضمنها كالفيدرالية وتوزيع الثروات وصلاحيات الحكومات المحلية. إضافة إلى إعتماد مبدأ المساواة بين العراقيين كافة على أساس المواطنة بدلا من المحاصصة الطائفية والتمييز الديني والمذهبي والعرقي، وحل الميليشيات العسكرية المرتبطة بالأحزاب السياسية، وحصر السلاح في الأجهزة العسكرية والأمنية الحكومية الرسمية، وتحصين هذه الأجهزة ضد الإختراق من طرف الميليشيات الطائفية وفرق الموت المرتبطة ببعض دول الجوار، ومحاربة الفساد المالي والإداري الذي بات مستشريا في أغلب مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.

الحكومة العراقية الحالية برئاسة "السيد حيدر العبادي" مطالبة ببذل جهد أكبر لتحسين وتطوير علاقتها بالدول العربية، فالوطن العربي هو العمق الجغرافي والتاريخي والسياسي للعراق. وفي السياق ذاته، الدول العربية مطالبة بمد يد العون لمساعدة العراقيين على الخروج من هذه المحنة، فالفوضى والإحتراب الأهلي المتواصل في العراق منذ الغزو الأمريكي ما عادت نتائجهما وعواقبهما محصورة في الساحة العراقية، بل إمتد لهيبهما ليحرق دول الجوار ويخلق فوضى عارمة في الوطن العربي.&

وفي إعتقادي الشخصي، أنه إذا لم تحصل مصالحة وطنية حقيقية، فهناك إحتمالان: الأول أن يتحول العراق إلى دولة فاشلة ومفككة يحكمها أمراء الحرب وزعماء الطوائف كما هو حال بعض الدول العربية، والثاني أن يتقسم العراق إلى ثلاث دويلات شيعية وسنية وكردية تتحارب وتتقاتل مع بعضها البعض لسنوات طويلة.&

آخر الكلام: قرارتعطيل الحياة الإدارية في مدينة بغداد لمدة أسبوع كامل بمناسبة وفاة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) قرارا غير منطقي حيث ينتج عنه تعطيل لمصالح البلاد والعباد، وهذا ما لا يرضى به أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين كان جل همهم طوال حياتهم هو الدفاع عن مصالح البلدان وحقوق العباد والحث على العمل الجاد من أجل التقدم والرقي. ما هكذا تدار الدول في العصر الحديث.