في حوار قال احدهم ان بعض الازيدية صاروا يعتنقون المسيحية بعد ما مارسته داعش بحقهم، فقلت انها خسارة للانسانية وللعراق.

الحقيقة انا من المؤمنين بحق التبشير، لانه يعبر اصدق تعبير عن عمق الايمان، ولكن التبشير يكون بطرح الرؤى والاراء، وقد يحتوى على ما يفند الاديان او المعتقدات الاخرى، وقد قامت في التاريخ البشري حركات واديان باستعمال سبل بشعة وكريه لفرض العقيدة او المعتقد او الدين على الاخرين، مثل تخييرهم بين الموت او الانتماء او التجويع او السبي او الاسر او فرض ضرائب باهضة بحقهم تجبرهم على التخلي عن ما يؤمنون به لاجل التخلص من ما يفرض عليهم.

لقد تطور العالم وتطورت المفاهيم، وبات استعمال القوة والترغيب او الوعيد لفرض عقيدة ما امرا مكروها ومرذولا، وبات من يستعمل هذه الاساليب يوصم بالتوحش، الا ان التناقض الذي يقع فيه البعض هو من كون اغلب المنظمات الانسانية، والتي تهرع لمساعدة المنكوبين في الاصل منظمات دينية، ورغم ان تجاربنا ومشاهداتنا عن هذه المنظمات تؤيد انها تبقي محايدة في الغالب ولا تحاول استعمال المساعدات كاغراء لجذب الناس للانتماء الديني، لانه بات مدركا ان من يغيير عقيدته لاجل لقمة عيش او لوضع اكثر رفاهية، سيقوم بتغيير ما اتخذه لو تم اغراءه بما يزيد عن ما هو متوفر له.

هناك امور لم يتم توضيحها في ما ذهبت اليه السيدة فيان دخيل، عضو مجلس النواب العراقي، والتي اتهمت بعض المنظمات باستغلال المساعدات للتبشير بين الازيدية بالدين المسيحي، وهي هل انه يتم قطع المساعدة عن من لا يستسلم لهم، او يكون هناك تمييزا بين من يعتنق او من يرفض، او ان ما تقوم به هذه المنظمات هو مجرد دعوات عامة او خاصة لاعتناق المسيحية مع بقاءه هذه الدعوات ضمن نطاق العادي اي كونها لا تترافق مع اي تهديد من اي نوع، كان تكون دعوات لحضور محاضرات او قراءة بعض الكتب مع ترك الانسان حرا في الحضور او القراءة او لا.

من خلال التجارب التي تمتلكها تلك المنظمات، باعتقادي انها لا يمكن ان تفرض معتقدها وباي وسيلة على احد، فهذه المنظمات هي نتيجة المجتمع الاوربي العلماني التي تؤمن بحرية العقيدة، وان كنت مخطأ فنرجو ممن لديه ما يثبت خطأي ان ياتينا بادلة تثبت ذلك، وسنكون اول من سيرجم هذه المنظمات لفعلتها الشنعاء.

قد لا يفهم الكثيرين مخاوف الازيدية، فالازيدية ليست ديانة فقط، بل تكاد ان تكون هوية دينقومية للازيدية، نتيجة لمعايشتهم في محيط عدائي اقترف بحقهم اكثر من سبعون مذبحة خلال مائتي سنة الاخيرة. ورغم ان اغلبهم يقول بكورديته، الا انه تبقى الازيدية او الهوية الازيدية ملجاء وهوية خاصة، تدفعهم في احيان كثيرة للتماييز عن الكورد المسلمين حتى قوميا. وان انسخلاخ الازيدي عن ديانته يعني خروجه عن المكون كليا، واذا علمنا ايضا ان الازيدية هي ديانة يتوارثها الابناء عن الاباء وليست ديانة تبشيرية، لادركنا حقا مخاوف الازيدية من التبشير فيهم باي دين. وقد يكون المسيحيين الاشوريين جيرانهم الاقرب اليهم من ناحية المخاوف هذه، ورغم ان الاشوريين يفصلون بين انتماءهم الديني والقومي بشكل واضح نظريا، الا انهم في الواقع لا يتمكنون من فعل ذلك اضا بشكل فعلي، فكل اشوري منهم يخرج عن انتماءه المسيحي بكاد ان يفقد انتماءه الاشوري القومي ايضا بسبب عدم ترحيب الاشوريين به ضمنهم.

الدين واي دين، يتطور وينتشر بالتبشير به، وليس بفعل الولادات، لانه بقدر ما يكتسب يفقد بفعل الموت والتخلي الاخرين عنه لقناعات جديدة. ومن هنا فمعضلة الازيدية هي في الخيار ان يكون دينا تبشيريا، ويوسع قاعدته الايمانية او ان يبقى دينا منغلقا على عدد محدود من الاتباع والذين في الغالب تربطهم علاقات اسرية.

من الواضح ان الديانة الازيدية امام معضلة، فعليها الخيار والا فانها مهددة حقا، وخصوصا في المهاجر حيث لا وجود لمجتمعات ازيدية كبيرة تحتضن الناس. ولكن قبل الاقدام على الخيار الاكثر عصرية وهو قبول دخول الاخرين الى الدين الازيدي،على الازدية ان يقوموا باعادة صياغة ونشر وتفسير عصري لكتبهم الدينية وكتابة وتفسير الشعائر الدينية، لكي لا تبقى امام اجتهادات مختلفة واغلبها يثير تساؤلات اكثر او يثير الشكوك. هذا ناهيك عن ادخال تعديلات تطال بنية المجتمع الازيدي المبني على نوع من الطبقية الدينية، وجعله مجتمعا مفتوحا يمكن لاي شخص فيه الارتقاء في المناصب الدينية وعدم ابقاءها حكرا على التوارث، وهذا يتطلب انشاء بعض المدارس الدينية التي تلقن رجال الدين المستقبليون، الدين على صحيحة وتفسيرات للاسئلة وطرق اداء الشعائر. ولتقريب التجربة هذه نقول ان كنيسة المشرق الاشورية كانت ومنذ القرن الرابع عشر وبعد المذابح التي اقترفها المغول والامارات التركمانية الاخرى، قرار بان تكون المناصب الدينية بالتوارث، حيث تقوم كل عائلة رجل دين وخصوصا الاساقفة والمطارنة والبطريرك، بتربية ابن اخ رجل الدين تربية دينية ويخضع للتعليم الديني، ليرث منصب عمه عند الوفاة، ولكنها تمكنت التخلي عنه منذ السبعينيات القرن الماضي. ومن هنا باعتقادنا ان ادخال مثل هذه التحديثات سيقوي المجتمع الازيدي ويجعل الديانية خاضعة لمجلس من شخصيات متعلمة تعيش عصرها، وتتمكن من الدفاع عن معتقدها امام تهجمات الاديان الاخرى او انتشار الالحاد.

ان الهجوم الذي استشعرته على المسيحيين من خلال كلام السيدة دخيل او من خلال الناطق باسم الوقف الازيدي في اقليم كوردستان، باعتقادي غير مبرر وغير صحيح، فالتهديد المبطن بان العلاقة الازيدة المسيحية يمكن ان تتاثر، يطال مسيحي العراق حتما وليس المنظمات التبشيرية او الكنائس التي تدعمها، ودليلنا ان السيدة النائب والناطق ذكرى بالعلاقة الجيدة في الماضي بين الطرفين. ومن هنا يجب ان نطرح تساؤل مشروع ان كان ما قالته السيدة فيان دخيل والناطق باسم الوقف الازيدي، له بعد اخر سياسي، لاشغال الازيدية والاشوريون المسيحيين بمشاكل ثانوية؟ كما ان من حقنا ان نتسأل يا ترى هل كان منطلق التصريحات حقا مخاوف حقيقية ومستند الى حقائق دامغة ام ان خلفه نوع من الاستقواء بدفع من جهات اخرى.

المسيحيية كديانة تبشيرية تقوم بما هو واجبها، ورغم ايماني الشخصي ان المسيحيين لا يحتاجون للمزيد على كوكب الارض، ففيهم كفاية لكل الامور الجيدة والسيئة بعددهم الذي يفوق المليارين من الناس، الا ان المسيحي العقائدي لن يتنازل عن واجبه في التبشير بما يعتنقه، ولكن المهم ان يكون ضمن اطر المتفق عليها، اي بالحوار والنقاش وليس باستعمال الضغوط والوعيد والترهيب. وبالمقابل على الازيدي ان يقوي موقفه، وان لا يكون في مهب ريح كل من يأتي ويقتلعه من جذوره، اي الثقة بالنفس والانتماء، وشخصيا لا اشكك في ذلك، وخصوصا بعد ان هب الازيدية للدفاع عن انفسهم وبقوة ورغم قلة الدعم. ولكن كلام المصرح به، هكذا يوحي.

بالنسبة لي كاشوري وعراقي ارى ان ضياع الازيدية من العراق يعني ان هناك عراقا اخر، عراق قاحل لا يتقبل ابناءه الاصلاء، عراق يسير رويدا رويدا نحو هاوية الانغلاق. ولكي لانخسر مكونا يشكل ثراء للعراق، ارى بان اول الامور الواجب الاخذ بها هو الاصلاح الداخلي، ففي الماضي كان مستحيلا اجراء مثل هذا الامر، لان المخاوف كانت كثيرة، ولكن اليوم باعتقادي ان الازيدية كديانة مطالبة بان تطرح نفسها للعالم كرسالة لا تخاف ولا ترتعد امام الاديان الاخرى