قبل حوالي سنة قدم الأستاذ جونسون سياوش وزير النقل والاتصالات في حكومة إقليم كوردستان، استقالته اعتراضا على عدم قيام حكومة الإقليم بواجبها تجاه الاشوريين الفارين من نينوى وسهله ممن تم طردهم من قبل منظمة داعش بعد اجتياح مناطقهم،. وفي حينها لم تؤخذ الاستقالة جراء تسارع الاحداث مكانتها من التقدير او لكون السيد الوزير ممثلا عن المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري والذي كان يرتبط بالحزب الديمقراطي الكوردستاني بعلاقات قوية جدا.

وبالامس انسحبت الدكتور منى يوخنا ياقو من اجتماع للجنة صياغة دستور الإقليم، اعتراضا على تجاهلها وتجاهل مطالب أساسية لشعبنا، فاشعلت بهذا الانسحاب مواقع التواصل الاجتماعي، ترحيبا بهذه الخطوة التي اعتبرها البعض جريئة جدا، وشخصيا اعتقد انه لو اعلن استفتاء اليوم عن اكثر الاشوريين شعبية بين أبناء شعبهم، لظهر اسمها في مقدمة الأسماء.&

يقف شعبنا على مفترق الطرق، وكل الطرق تكاد تؤدي الى مصير اكثر اظلاما من الاخر، وهذه نتيجة طبيعية لكونه شعب تعرض للمذابح والقتل والتنكيل جراء حمله هوية دينية مغايرة للاكثرية، في منطقة تكاد هذه الهوية تختصر كل شئ. ولا نريد ان نضع اللوم على الجيران فقط، ولكن بسبب الدين أيضا انقسم شعبنا الى مذاهب، عملت بعضها على سلخه من هويته القومية ولعبت دورا كبيرا في تعريبه وبالأخص الكنائس التي ارتبطت بروما من مختلف التسميات. ونتيجة لهذا الواقع، يكاد إيجاد الحلول لمشاكله، امر صعب جدا، وخصوصا مع قيام بعض جيراننا بالتمسك بجعل الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع، رغم ان العالم كله بات يدرك ان الدول التي قامت بفرض الشريعة او فرضها كمصدر أساس للتشريع، تعاني تخلف وتصدع الوحدة الوطنية.

كاشوريين يهمنا بالأساس حقوق شعبنا، ولم يعد بامكاننا ان نمنح الفرص للاخرين لكي يرتبوا حالهم لعلهم ينظرون بعدها بعين العطف الى قضيتنا، ولقد كان املنا كبير بقيام حكومة الإقليم، بالعمل من اجل تعميم القيم الديمقراطية والحريات الفردية، والمساواة بين المكونات برغم من الثقل يميل لطرف ما، الا ان الاحداث المتتالية اثبتت ان حكومة الإقليم اخر ما يهمها هو قضية شعبنا ومعاناته. ان دعوتنا للتعاون والتعاضد مع حكومة وبقية مكونات الإقليم، والتي لم اخفيها يوما ما، رغم تهجم البعض، باعتقادي لم تعد تعطي النتائج المرجوة منها، فانين أبناء شعبنا ومخاوفهم على القدرة للبقاء في ارضهم التاريخية يكادان يطغيان على كل تفكيرهم، وهم يشعرون كالمحصور في جزيرة صغيرة وينتظرون قدوم مد هائل يقتلعهم من جذورهم. والاهم ان هذا الاقتلاع قد يكون اخر ما يوحي بوجودهم على الأرض كامة لها مميزاتها الخاصة.

ليس في نيتي التهجم، فالهجوم اللفظي لم يكن يوما ما طريقة لعلاج المشاكل، فانا مدرك انه لا بد للتعاون، بين ممثلي كل مكونات الإقليم لكي يمكن ان نضع اللبنات الأساسية لبناء هكيلية تدير الأمور بنجاح يضمن الحريات والمساواة للجميع. ولكن باعتقادي ان تجاهل مخاوف الاشوريين، ومحاولة لوي الذراع من خلال اشعال حروب بينهم على أسس داخلية، لا يبشر باي خير، فالاشوريين مرتبطين بهذه الأرض، وكونهم اقلية ليس ذنبهم، فهم لم يقوموا بخصي رجالهم، بل ذنب من رفع سيف الله اكبر وذبحهم، وعلى من قام بهذا ان يكفر عن جرائمه. وليس تجاهل الضحية ونعتها بانها اقلية. ان السياسي الناجح ليس من يتمكن من ان يسكت انين الاخرين بالقوة، بل ان يحول الانين الى نغمات الفرح والسعادة.

من هنا أقول ان مجرد موقف تحدي شعره الاشوريين، اعتبروه نصرا رغم انه ليس كذلك بالمعنى الحقيقي، ولكنه نوع من الصراخ العالي، ليسمع العالم، ان ممثلي الكورد يتجاهلون وجود الاشوريين وهم اقدم شعوب الإقليم، فلا تم ذكرهم وذكر معاناتهم في ديباجة المقترحة للدستور، وتم تجاهل مخاوفهم من اسلمة القانون والحياة الاجتماعية، وتم اقصاءهم من المشاركة الفعالة في تحديد السياسة اليومية للإقليم. في ظل مثل هذه الظروف لا يمكننا الا ان نؤيد موقف الدكتورة منى يوخنا ياقو في انسحابها من الاجتماع عندما تشعر حقا بالتجاهل وكانها لا تمثل أي شيء.

ان الظلم وحش لا يشبع، ولكن الضحية شأت ام ابت ستتحرك وتقوم بما يمكنها لايصال صوتها. كان بشار الأسد وصدام وغيره يطرحون انفسهم كصمام امان للمنطقة، بعد ان حولوا المجتمعات الى تكتلات منغلقة، افادهم الامر في السيطرة عليها لمدة كبيرة، ولكنها جعلت الكراهية والحقد ينموا ولم يعد يربط أبناء الوطن، هذا الرابط الي يجعلهم يتعاطفون بعضهم مع الاخر، وهم كانوا يدركون ما هم فاعلون لانهم اعلنوا على رؤوس الاشهاد انهم سيتركون البلد خرابا. بات علينا ان نتعلم من التجارب التي كانت قائمة في المطنقة والتي ثبت انها كانت الطريق الى الدمار. من هنا ادعوا القيادات السياسية في الإقليم للانتباه الى ان لا يجعلهم صراع السياسي ان ينسوا واجبهم في بناء الدولة على أسس صحيحة. وان يكون الأساس في بناء المجتمع الحريات وليس المساوامات السياسية مع طبقة رؤساء العشائر والاغوات ممن لا يهمهم الا استمرار سيطرتهم الغير القانونية ولا الأخلاقية على الناس.

لقد كانت خيبة املنا كبيرة في حركة التغيير التي انشقت عن الاتحاد الوطني الكوردستاني، فرغم رفعها شعارات إصلاحية، الا انها كانت مستعدة للتعاون مع اكثر الأحزاب رجعية لاجل الحكم، ان الأحزاب والأيديولوجية الإسلامية، ان تحكمت في الإقليم يعني انه سيسير الى الخراب فالمهم بالنسبة لهم ليس التنمية بل كيفية تكبيل المجتمع والفرد وخضوعه للجماعة والتي هي بعرفهم الإسلام السياسي.&

&